المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تحليل أخباري
  • 1617

شكلت أزمة القيادة في إسرائيل محورًا رئيسًا ضمن محاور مؤتمر هرتسليا السابع حول "ميزان المناعة والأمن القومي الإسرائيلي"، الذي بدأ أعماله يوم الأحد (21/1) وتواصل حتى يوم 24/1. ويعتبر هذا المحور أحد مترتبات نتائج الحرب على لبنان في الصيف الماضي، التي ما زالت تتفاعل على أكثر من صعيد وتخبئ المزيد من المفاجآت في المدى المنظور.

                                                    

وقد انعكس الأمر أساسًا في مضامين بعض المحاضرات والكلمات التي أسمعت في المؤتمر خلال يوميه الأول والثاني، خصوصًا من صفوف القوى الحزبية والسياسية المعارضة ومندوبي أرباب الصناعة (مثل إيلي هوروفيتس، رئيس شركة "طيفع" لإنتاج الأدوية، وهي إحدى أكبر الشركات الإسرائيلية الاعتبارية) وأساتذة الجامعات، الذين لم يضنوا في السابق بسهام النقد فور انتهاء الحرب بالصورة التي انتهت عليها.

 

لكن يبدو أن منظمي المؤتمر أنفسهم هم المزودون الرئيسيون للوقود الكفيلة بإبقاء هذه الأزمة على نار حامية، بل وحارقة، من الجدل والانتقاد والاستحصال.

 

فقد اعتبر البروفيسور عوزي أراد، رئيس المؤتمر ورئيس "معهد السياسة والإستراتيجية" في "المركز البين مجالي" في هرتسليا، الجهة الداعية والمنظمة للمؤتمر، في كلمته الافتتاحية، أن القيادة الحالية تتحمل المسؤولية عن جزء من التطورات الأخيرة. كما شنّ أراد، الذي أشغل في السابق منصب المستشار السياسي لرئيس الحكومة الأسبق بنيامين نتنياهو، هجومًا حادًّا على المواطنين العرب في إسرائيل، معتبرًا أن استئنافهم على "يهودية إسرائيل" كما تجلّى الأمر في "وثيقة التصوّر المستقبلي" يضعهم في قارب واحد مع "القوى المحيطة بإسرائيل الرافضة لحقها في الوجود كدولة ديمقراطية ويهودية، وهو الحقّ الذي اعترف به العالم"، على حدّ قوله.

 

وفيما يلي ترجمة حرفية لموجز كلمة عوزي أراد، التي وصلت إلى "المشهد الإسرائيلي" نسخة عنها:

 

"بدأت مؤتمرات هرتسليا (حول ميزان المناعة والأمن القومي) بالانعقاد منذ العام 2000، رغم أنه في تلك السنة كان المناخ مختلفًا بصورة جوهرية. آنذاك لاحت إمكانية لتسوية مع سورية وحل دائم مع الفلسطينيين وانسحاب من لبنان، وكان الجوّ العام مثيرًا للنشوة. لكننا عرفنا (أقصد نحن مؤسسي المؤتمر) أن الواقع أكثر صعوبة وأقل جمالاً. وقد أحسسنا أن أمام الدولة اختبارات صعبة، وأن قدرة الدولة على الصمود، بحسب تسمية دافيد بن غوريون، ستتعرّض للامتحان.

 

"في المؤتمر الأول العام 2000 كانت الدولة عرضة لانفجار الانتفاضة وعنف العرب في إسرائيل وفشل مباحثات طابا والانتخابات (البرلمانية) الوشيكة. وقد تحققت النبوءة السالفة في مؤتمرات هرتسليا اللاحقة. ففي كل مؤتمر من هذه المؤتمرات كان واضحًا أنّ الفلسطينيين يخوضون ضدنا حربًا إرهابية، وتحولت الجبهة الداخلية إلى جبهة حرب، ووقعت عمليات تفجيرية في جميع أرجاء دولة إسرائيل. ومنذ ذلك الوقت اتضحت بصورة جلية السمة الأكثر أساسية التي تمنح إسرائيل قدرًا كبيرًا من المناعة، وهي قوة روح الشعب. ورغم الضربات الصعبة فقد صمد الشعب أمام الرياح العاتية، وحيث وجدت الإرادة والمبادرة تعبيرًا عنهما، فإن الاقتصاد بدأ بالإقلاع.

 

"لم نصرف النظر عن التحدي الإستراتيجي الآخذ في التعاظم، والمتمثل في التهديد الإيراني وكل مجروراته. وبقدر معيّن فإنه كلما كررنا الإشارة إلى الموضوع الإيراني باعتباره موضوعًا مركزيًا، فقد شعرنا بأنه تمّ الإعلان من على منصة هذا المؤتمر عن أجندات أخرى باعتبارها ذات أولوية.

 

"خطة الانفصال تمّ الإعلان عنها في مؤتمر هرتسليا وظلّت الموضوع المركزي على مدار عامين بعد ذلك. وكان هناك من اعتقد بأنه لا مكان للقلق بإزاء التهديدات التي شدّدنا عليها من الجنوب (غزة) ومن الشمال (لبنان) ومن الشرق (العراق)، وادعى هؤلاء أن التهديد الحقيقي هو من البيت وتبنوا رأيًا ينبغي بموجبه تقليص ميزانيات الأمن.

 

"لقد شهد مؤتمر هرتسليا نقاشات مختلفة، وكان في الوقت نفسه المنصة لصوغ سياسة ملائمة.

 

"وخلال السنة المنصرمة شهدنًا مدًّا في خطورة المشاكل الماثلة أمامنا.

 

"فهناك إيران نفسها التي تستفز إسرائيل، عبر تقدمها صوب تطوير قدرتها النووية.

 

"وفي الولايات المتحدة تفاقمت بعض المظاهر المتحفظة من العلاقات الخاصة التي تمّ بناؤها طوال سنوات عديدة بين واشنطن وإسرائيل.

 

"وفي البلاد- أدار رؤساء الوسط العربي، بصورة واضحة، ظهر المجن للأركان الأساسية لإسرائيل كدولة ديمقراطية وكدولة يهودية، وبذا فقد ربطوا مصيرهم مع المحيطين بنا المتشككين أو الرافضين لحقّ دولة إسرائيل في الوجود، وفقما جرى الاعتراف بها من جانب العالم.

 

"وفي الصيف الماضي خضنا حربًا ضد تهديد حزب الله. هذه الحرب افتقرت إلى القوة الساحقة، ولم تحسم المعركة، والأسوأ من ذلك أنها أدت إلى تآكل قوة الردع لدى إسرائيل. وأجيز لنفسي القول إنه بالنسبة لجزء من هذه التطورات فإنّ قيادتنا تتحمل المسؤولية عنها أيضًا.

"في الاستطلاعات (المؤشرات) التي ستعرض فيما بعد، سيتبين الأمر نفسه الذي اتضح في السنة الأولى. فإن روح الشعب وقدرته على التحمل بقيتا صلبتين كما في السابق. أما الشكوك فإنها موجهة نحو المؤسسات والسلطات والقيادة. لقد أثبت هذا الشعب إيمانًا كبيرًا بذاته. وما نأمله هو أن تخرج هذه القوة والصلابة إلى حيّز الفعل".

 

أمّا البروفيسور غابي بن دور، رئيس "مركز دراسات الأمن القومي في جامعة حيفا" (المسؤول عن "مؤشرات مؤتمر هرتسليا")، فقد دعا بصورة مباشرة إلى استبدال القيادة الحالية في إسرائيل، لا على خلفية ما تمثله من أيديولوجيا وإنما بسبب مواصفاتها السيئة ولأن الشعب يستحق قيادة أفضل منها.

 

وفي عرضه للنتائج الرئيسة، التي خلصت إليها هذه المؤشرات، قال بن دور إنه في التحصيل الأخير ثمة فجوة آخذة في الاتساع بين المجتمع والدولة في إسرائيل 2007. وأضاف: الحرب لم تؤثر على نتائج المؤشرات المتعلقة بالعصب الرئيس- الروح القتالية والوطنية والتفاؤل. والبنية التحتية (للمجتمع) لم تتآكل في أعقاب الإرهاب أو الحرب (وبتأثير منهما). والجمهور اليهودي لا ينفك يعلن عن الثقة الكبيرة بعدالة الطريق وعن ارتفاع في منسوب مناعة المجتمع. المجتمع صحيّ لكن القيادة والنخب مريضة. وهذا وضع غير سويّ، كان سيصبح أكثر سوءًا لو أنّ أحد الطرفين المذكورين لا يثق بالآخر. المجتمع الصحيّ في مقدوره أن ينبت من بين صفوفه قيادة صحية، لكن المجتمع المريض ليس في وسعه أن يرمّم نفسه وقيادته.

 

وختم بالقول: يمكنني أن أجمل بعبارات قاسية مؤداها: لدى القيادة شعب ومجتمع أفضل مما تستحق، ولشعب إسرائيل قيادة ومؤسسات أقل جودة مما يستحق. ومن هنا الشعور بأنه ينبغي تغيير قمة الهرم، ليس بسبب الأيديولوجية التي تمثلها وإنما لأنها بكل بساطة ليست جيدة.

المصطلحات المستخدمة:

هرتسليا, عوزي, بنيامين نتنياهو

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات