المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

عكس القرار الأخير الذي وقع عليه رئيس المحكمة الإسرائيلية العليا القاضي أهارون باراك يوم 14/12/2006 والذي قضى بإضفاء الشرعية على الاغتيالات التي ينفذها جيش الاحتلال كسياسة معتمدة بحق الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، النهج الذي سار عليه باراك خلال فترة رئاسته المحكمة العليا منذ نحو عقدين من الزمن قبل أن يخرج اليوم إلى التقاعد، وهو نهج عدم الخروج على «الإجماع الصهيوني» في القضايا الرئيسة، خصوصاً في كل ما يتعلق بأمن إسرائيل.

ومرة أخرى، وفرت «محكمة باراك» الدعم المبدئي لممارسات جيش الاحتلال، وهذه المرة لعمليات «القتل المحددة»، وقبلها للتشريد ومصادرة أراض وبناء الجدار العازل، كل هذا مع إرفاق كلام منمق او «ضريبة كلامية» عن وجوب التزام الجيش «التوازن بين حاجات إسرائيل الأمنية وحقوق الإنسان الفلسطيني» الرازح تحت الاحتلال، رغم علم قضاة المحكمة، واعتمادا على تجربة الماضي، أن الجيش لم يحترم هذا الطلب ذات يوم. وهناك أيضا الحديث عن مبدأ «التناسب» الذي يصرح بكل ممارسات الاحتلال، شرط أن تكون نتيجتها «معقولة ومتناسبة» مثل أن يكون عدد الأبرياء الفلسطينيين القتلى في عملية اغتيال أحد الكوادر «مقبولا»، أو تعويض أسر القتلى من الأبرياء مالياً، أو ان تكون معاناة الفلسطينيين المحاصرين في غيتوات جراء الجدار الفاصل «قابلة للاحتمال».

وفي قراره، كما في قراره قبل يوم في شأن إقرار مسار الجدار العازل الذي يعزل فلسطينيي القدس بعضهم عن بعض، أراد باراك أن يورث خليفته- تلميذته القاضية دوريت بينيش، نهجا قاطعا في وضوحه يقول إن «الاعتبار الأمني هو سيد الموقف في قرارات المحكمة» مع وجوب انتهاج خطاب ليبرالي، بالتوازي مع اللجوء الى «البلاغة الخطابية»، متماشيا بذلك مع الإجماع الصهيوني في القضايا الرئيسة، وفي مقدمها الاحتلال في مقابل حريات الإنسان الفلسطيني، أو في قضية ديمقراطية الدولة في مقابل يهوديتها (في القرارات المتعلقة بالتمييز الرسمي ضد فلسطينيي الداخل).

ويرى معظم الإسرائيليين، ومعهم المعلقون في الشؤون القضائية، ان «نهج باراك» منح المحكمة الإسرائيلية العليا مكانة «معقل الديمقراطية» في إسرائيل، وهو أمر استغله أقطاب الدولة العبرية للترويج في العالم لليبرالية النظام ومؤسساته القضائية تحديدا، مستغلين حقيقة أن القاضي باراك يحظى بمكانة مرموقة في الأوساط القضائية الدولية ساهمت في تخفيف حدة الانتقاد لممارسات الاحتلال. كما يشكل قراره إثباتا آخر على «القيود» التي وضعتها المحكمة العليا لنفسها، أو لليبراليتها على الأصح، وكأنها تقول مرة أخرى ان ثمة حدوداً لتدخلها في قرارات المؤسسة الأمنية ينبغي عليها أن تفرضها على نفسها لتفادي غضب اليمين الإسرائيلي الذي يتهم أصلاً المحكمة بأنها «قوية ومؤثرة أكثر من اللزوم في حالات معينة». كما يؤكد القرار أن أعلى هيئة قضائية في إسرائيل التي تسمى «محكمة العدل العليا»، لم توفر العدالة في الالتماسات الأهم التي رفعها الفلسطينيون، وأنه باستثناء قرار هنا أو هناك بدا كأنه في مصلحة الفلسطينيين ولم يتعلق الأمر مباشرة بأمن الدولة العبرية، فإن قرارات المحكمة كانت في السطر الأخير سيئة للفلسطينيين خلافاً للصورة المرتسمة للمحكمة على أنها ملاذ من يبحث عن العدالة.

ومن المتوقع ان تسير الرئيسة الجديدة للمحكمة القاضية دوريت بينيش في الدرب ذاته الذي رسم باراك ملامحه، أي مواصلة نهج التوازنات في القضايا الشائكة، لكنها لن تحظى بالمكانة المرموقة عالمياً التي كانت من نصيب باراك الذي اعتبره البعض أفضل سفير لإسرائيل في العالم.

المصطلحات المستخدمة:

باراك

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات