المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

تهتز الحلبة الإسرائيلية كل يوم ومع كل استطلاع جديد في أعقاب الهزة الأرضية التي تمثلت بانتخاب عمير بيرتس زعيماً لحزب العمل واختيار أريئيل شارون الانشقاق عن الليكود وتأسيس حزبه الجديد. ومع أن الانتخابات باتت مقررة في الثامن والعشرين من آذار المقبل، فإن الأمور لن تستقر لا قبل الانتخابات ولا بعدها. إذ من الواضح أن الخريطة السياسية سوف تشهد انقلابات حادة إن لم يكن في توازنات المعسكرات الأساسية فعلى الأقل داخل كل حزب من الأحزاب.

ويخطئ كل من يحاول بناء النتائج النهائية للانتخابات على استطلاعات الرأي التي تنشر بشكل أسبوعي أو شبه يومي والتي تظهر ميول اللحظة أكثر مما تظهر القرار النهائي للناخب. فعلاوة على التطورات التي يمكن أن تحدث على الصعد السياسية والأمنية، هناك تطورات داخلية إسرائيلية تترك آثاراً هامة.

ومن البديهي أن الربط بين الداخلي الإسرائيلي والإقليمي سواء على الصعيد الفلسطيني أو العربي هو ربط صحيح. إذ لا يمكن تصور تسخين الجبهة الفلسطينية أو اللبنانية أو السورية من دون أن لا يترك ذلك أثراً على الانتخابات الإسرائيلية. وقد سبق لأحداث من هذا القبيل، عملية فلسطينية في أريحا في مطلع التسعينيات وقصف المفاعل النووي في العراق بل وعملية "عناقيد الغضب" الإسرائيلية في لبنان في منتصف التسعينيات، أن حسمت أمر الانتخابات الإسرائيلية.

ومن الواضح أن هذا الحسم تم أحياناً بمبادرة إسرائيلية وأحياناً أخرى بمبادرة من الخارج.
وفي كل الأحوال فإن العامل الخارجي يلعب اليوم دوراً بالغ الأهمية لقدرته على تغيير الوجهة، ليس فقط عن الجانب السياسي الداخلي وإنما كذلك عن الجانبين الاجتماعي والاقتصادي. ولذلك فإن مساعي عمير بيرتس للتركيز على البعد الداخلي وخصوصاً الاجتماعي، وهذه نقطة قوته، قد تواجه مصاعب جمة إذا برزت تطورات سياسية أو أمنية هامة. وبالمقابل فإن مساعي أريئيل شارون للتركيز على الجانب السياسي، من خلال عرض نفسه وكأنه الشخص الوحيد القادر على تحقيق "السلام الآمن"، قد تصطدم بصدامات أمنية في المناطق المحتلة تجعل من خطة الفصل عبئاً عليه. ومن الطبيعي أن الليكود بزعامة كل من بنيامين نتنياهو وسيلفان شالوم وشاؤول موفاز سوف يبنون إستراتيجيتهم الإعلامية على أساس أن خطة الفصل التي اعترضوا عليها بأشكال مختلفة كانت خطأ من الناحية الأمنية.

وطبيعي القول بأن الحملة الانتخابية الإسرائيلية تستهدف بشكل جوهري القوى والأصوات العائمة أكثر مما تستهدف القوى والأنوية الصلبة للتيارات المختلفة. ولكن ذلك لا يسري على الهوامش الواقعة بين هذه الأحزاب. لذلك فإن الائتلافات الانتخابية التي سوف تتشكل في الأيام والأسابيع المقبلة سوف تحمل في طياتها أبعاداً هامة على النتائج. وفي هذا السياق يمكن القول إن العديد من القوى اليمينية القائمة الآن تفكر في بناء كتلة واحدة تقع على يمين الليكود. وبالمقابل ليس هناك على يسار حزب العمل من قوى سوى "ميرتس ياحد" والأحزاب العربية. وهناك من يدعو منذ الآن إلى توحد "ميرتس ياحد" مع حزب العمل وإلى اتحاد الأحزاب العربية في كتلة واحدة. وإذا حدث ذلك فإن نتائج الوحدة قد تكون عامل جذب للقوى التي تطمح إلى الإطاحة بالمعسكر اليميني.

ومن الوجهة العملية، يبدو أن الصراع الحقيقي يدور بشكل واسع وحاد داخل المعسكر اليميني وبين اليمين والوسط على وجه الخصوص. ففي اليمين صراع سوف يكون حاداً بين الليكود والكتلة التي تقف على يمينه وبين الليكود وحزب "كديما" الذي أنشأه شارون. كما أن الصراع سيحتدم بين الليكود وحركة شاس، خاصة أن قواعدهما الانتخابية مشتركة. كذلك سيحتدم الصراع بين "كديما" شارون وحركة شينوي. ومن المنطقي الافتراض أن الصراع سيحتدم بين الحزبين الأخيرين وحزب العمل الذي سوف يحاول أيضا امتلاك موطئ قدم في الوسط.
وإجمالاً يمكن القول إن معركة الانتخابات المقبلة سوف تكون أشد حدة من كل المعارك السابقة إن ظلت تدور بوجهها الاجتماعي والاقتصادي. فالوضع الداخلي ازداد حدة جراء الإجراءات التي اتخذتها حكومات اليمين المتعاقبة والتي زادت الفوارق بين الشرائح الاجتماعية وجعلت الفقر واحدة من أهم قضايا الانتخابات الراهنة.

ومع ذلك ليس من المبالغة القول إن نتائج الانتخابات المقبلة لن تحسم النقاشات الجوهرية في إسرائيل، وإن التشكيلة التي تتنبأ بها استطلاعات الرأي من الآن لا تشير إلى احتمالات استقرار داخلي. لذلك ثمة من يؤمن بأن الغليان القائم في المنطقة عموماً ليس في وارد القفز عن إسرائيل، وأن التغييرات إذا لم تبدأ من هناك فإنها لن تتأخر في الوصول.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات