المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تحليل أخباري
  • 1300

أثار انتخاب عمير بيرتس زعيماً لحزب "العمل" ردود فعل متناقضة في الحلبة السياسية الإسرائيلية. ورغم الخصومة الشديدة التي يكنّها العديد من زعماء حزب العمل لبيرتس فإن غالبيتهم آثرت التعامل بإيجابية مع هذا التطور. فالشارات الأولية من الشارع ووسائل الإعلام رحّبت بهذه النتيجة ولاحظت أن فرصة تاريخية قد نشأت لبروز بديل حقيقي لحكومات "الليكود".

 

ومن الجائز أن الشخص البارز الوحيد من بين قادة حزب العمل الذي سيبقى بعيداً عن الحفل الجاري هو إيهود باراك.

وباراك، كما هو معروف، آثر التنازل عن التنافس على زعامة الحزب واقتراح تسليم الزعامة من دون منافسة لشمعون بيريس فقط من أجل الحيلولة دون فوز بيرتس. وكان باراك، صاحب السبق في التكهّن بفوز بيرتس، قال في مقابلة تلفزيونية إنه أبدى تقديره هذا لبيريس لأنه كان يعرف القدرات التنظيمية التي توفّرت لبيرتس في حزب "العمل".

غير أن الخصومة بين بيرتس وباراك تكمن في الحقيقة في الطريق الذي يريد بيرتس انتهاجه والذي يتناقض تقريباً مع طريق باراك. فبيرتس يعلن أنه يريد السلام وأنه لا يرى طريقاً أفضل من طريق أوسلو، الأمر الذي يرفضه باراك بشدة. إذ أن باراك كان صاحب الفكرة التي خدمت اليمين الليكودي وقضت على فرص التسوية في السنوات التسع الماضية. وقد استندت فكرة باراك إلى القول بأنه إذا لم يوافق الفلسطينيون على رؤيته للتسوية النهائية فإن ذلك يعني دفعة واحدة أنهم ليسوا شركاء في السلام.

ومن المؤكد أن بيرتس يتناقض أيضاً مع باراك في الدور الاجتماعي الذي ينبغي لحزب "العمل" أن يؤديه. ورغم كلام باراك أحياناً عن المرضى والفقراء إلا أنه يميل عملياً إلى المدرسة التي تدعو إلى تقليص تدخّل الدولة في الفعل الاقتصادي والاجتماعي.

ومن الجائز أن هناك حاجة لقول ذلك الآن لأنه في ذروة نشوة أغلبية حزب "العمل" بردود الفعل الشعبية والسياسية المرحّبة بفوز بيرتس لا ينبغي نسيان قوى العرقلة داخل هذا الحزب. فحزب العمل تزاوج طوال عقود مع مجموعتي الضغط الأهم في إسرائيل: أصحاب الرأسمال وأصحاب النزعة الأمنية في الدولة والمجمع الصناعي العسكري. ومن الصعب تخيّل قيام ممثلي هاتين المجموعتين بتسهيل عمل بيرتس ورؤيته السياسية والاجتماعية.

ومن الجائز أن الكثيرين في الساحة السياسية الإسرائيلية ينتظرون من هؤلاء أن يكرروا أمام الجميع مشاهد إذلال الزعيم الأسبق لحزب "العمل" عمرام متسناع. فلم يفلح متسناع في كسب تأييد رفاقه له في التنافس على رئاسة الحكومة ضد أريئيل شارون. كما أن عدداً من رفاقه حاولوا تشويه صورته أثناء الحملة الانتخابية. وليس من المستبعد أن يكون هذا، وربما أشدّ، حال عمير بيرتس داخل حزب "العمل". غير أن ما يضعف من احتمالات نجاح تشويه كهذا رغبة الجمهور والحلبة الإسرائيلية في رؤية بديل للوضع القائم. فالانطباع العام يشير إلى أن التأييد الشعبي الواسع الذي يحظى به شارون يعود في الأصل إلى إحساس الجمهور بأنه ليس ثمة بديل جاهز لشارون.

رغم ذلك فإن القوى الأخرى لن تقف مكتوفة الأيدي بانتظار الحملات التي ستشن من داخل حزب "العمل" ضد بيرتس. فأريئيل شارون خصوصاً يشعر بأن بيرتس لم يمنحه حتى مجرد وقت للتفكير. فقد أعلن بيرتس أثناء الحملة الانتخابية أنه حال فوزه سيعمل على انسحاب حزبه من الائتلاف الحكومي. وفور إعلان الفوز اتصل هاتفياً بشارون طالباً الاجتماع معه بهدف واضح وهو الاتفاق على موعد لإجراء انتخابات مبكرة. وما جرى في جلسة الحكومة الإسرائيلية يوم أمس والتي لم تستغرق أكثر من ربع ساعة ليس إلا دليلا على الانقلاب الذي طرأ.

فالقضية لم تعد تصريحات وإنما وقائع سياسية تفرض على الأرض. ولذلك عندما حاول شارون تأجيل الاجتماع المقرر مع بيرتس هدّد الأخير أنه قد لا ينتظر حتى يوم الخميس لإسقاط الحكومة.

وإذا كانت الانتخابات المبكرة قد أخافت في مركز "الليكود" عدداً من معارضي شارون وخطة الفصل ودفعتهم إلى تأييده في مواجهة نتنياهو فإن هذا الخوف يتعاظم الآن. فهو ليس فقط خوفاً من الانتخابات المبكرة وإنما كذلك من احتمال خسارتها، ليس كأفراد فقط وإنما كحزب أيضا.

وهذا ما دفع "الليكود"، على ما يبدو، للتكتل والاتحاد حول شارون والشروع من الآن بشنّ حملات شديدة ضد بيرتس تمهيداً لانتخابات أولية لزعامة "الليكود" ربما في الشهر المقبل.

وبيرتس أكثر من أي شخص في حزب "العمل" قادر على اجتذاب أصوات الشرقيين والفقراء من الليكوديين. وهذا يضعه في مواجهة مباشرة تقريباً ليس فقط مع الليكوديين وإنما كذلك مع حركة "شاس". فالصراع سيدور في الغالب على كتلة انتخابية هائلة كانت حتى وقت قريب منطقة مغلقة على حزب "العمل" وساحة تجاذب رئيسية بين "الليكود" و"شاس".

وإذا كانت استطلاعات الرأي الأولية قد أظهرت أن الكسب الذي يجلبه بيرتس لحزب "العمل" مأخوذ من "الليكود" و"شينوي" فإن الخوف شديد في حركة "شاس" هو من خسارة مقاعد لمصلحة حزب "العمل". وهذا ما يدفع "شينوي" العلمانية الأشكنازية و"شاس" الحريدية السفارادية و"الليكود" اليميني للاتحاد في مواجهة خطر بيرتس الشرقي العمالي. والواقع أن الحلبة الإسرائيلية تعيش في هذه اللحظات آثار الهزات الارتدادية لانتخاب بيرتس الذي أحيا حزب "العمل" وأنهضه من سبات.

ومع ذلك ليس من الحكمة الانسياق وراء ما يظهر الآن من مشاهد في الساحة الإسرائيلية. فقد يكون كثير منها سطحياً ومضللاً. غير أن من الحماقة اعتبار فوز بيرتس ومشاهد الترحيب الشعبي بذلك مجرد حدث عابر.

 

المصطلحات المستخدمة:

باراك, الليكود, شينوي, عمير بيرتس

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات