المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

يواجه رئيس الحكومة الاسرائيلية، اريئيل شارون، ثلاثة اسابيع هي الاكثر حرجا في ازمته الائتلافية التي يتسبب بها حزبه "الليكود"، ولكنه اختار ان يختصر هذه الأزمة لعشرة ايام لا أكثر، حين قرر المغامرة والتوجه الى الكنيست طالبا التصويت على ميزانية الدولة في السابع عشر من شهر آذار الحالي، مع ان المدة الاضافية التي يمنحه اياها القانون تنتهي مع نهاية الشهر الحالي.

وكما هو معروف فإن ميزانية الدولة للعام الجديد يجب ان تقر في نهاية العام الذي قبله، ولكن إذا لم تنجح الحكومة في هذا فإن القانون يمنح الحكومة مهلة ثلاثة أشهر اضافية، بمعنى حتى نهاية آذار/ مارس، وإذا لم تنجح الحكومة مرة أخرى في اقرار الميزانية فيتم حلها فورا والتوجه الى انتخابات خلال 90 يوما، بمعنى حتى نهاية شهر حزيران/ يونيو.

بداية يجمع المراقبون على ان حكومة شارون لن تسقط حتى نهاية الشهر الحالي، بمعنى ان حكومته ستنجح في اقرار الميزانية للعام الحالي 2005، وهذا ليس من باب ان شارون سينجح في توسيع حكومته، بل لأنه يستفيد من وجود كتل برلمانية واعضاء كنيست خارجين عن قرارات كتلهم، يريدون رؤية تنفيذ خطة الانفصال عن قطاع غزة واقصى شمال الضفة الغربية، ولكن ايضا هناك منهم من يتستر وراء خطة الانفصال هذه، لأنه يعرف تماما ان الانتخابات المبكرة ستفصله كليا عن مقعده البرلمانية، وهو ليس مستعجلا في هذا الاطار.

كنيست متشرذم لصالح شارون

الوضعية الحالية تقول ان لشارون، من ناحية عددية، ائتلافًا يضم ما بين 62 نائبا الى 64 نائبا، بسبب أن عضوين من كتلة "ديغل هتوراة" يتقلبان في مواقفهما بشأن الشراكة مع شارون، ولكن عمليا فإن الائتلاف الحاكم يضم أقل من 50 نائبا من حيث الالتزام والانضباط، فالى جانب النائبين المذكورين هناك 13 نائبا من كتلتة الليكود التي تضم 40 نائبا، متمردون على شارون، ويعارضونه بشدة بسبب خطة الفصل، ولكن "حركة التمرد" هذه لا تتوقف عند النواب الـ 13، فهذه المجموعة تعتبر نواة صلبة لا تدعم الحكومة في اي من التصويتات المركزية، والى جانبها هناك عدد من النواب وحتى الوزراء الذين يتعاونون مع المتمردين وينضمون اليهم في عدد من المواقف، مثل قضية الاستفتاء العام التي سنأتي عليها لاحقا.

ولهذا فإن المنضبطين والمؤيدين للائتلاف هم نواب حزب "العمل" الـ 19، وحوالي 27 نائبا من حزب الليكود، وثلاثة نواب من كتلة "اغودات يسرائيل"، وهم ايضا تنتهي لديهم فترة "اختبار شارون" في اوائل الشهر المقبل، وسيقررون في حينه ما إذا كانوا سيبقون في الائتلاف أم سينسحبون منه.

ولكن شارون يستفيد من عدم تجانس مطلق للمعارضة البرلمانية، فهي موزعة الى ثلاثة اقسام نجد فيها مجموعة اليمين المتطرف، التي تضم كتلتي اليمين وفيها 6 نواب، لأن السابع هو ميخائيل نودلمان يصوت الى جانب الحكومة من صفوف المعارضة، وكتلة "شاس" الدينية الاصولية التي تضم 11 نائبا، وكتلة المفدال المنشقة على نفسها وتضم 6 نواب.

أما القسم الثاني فيضم كتلا ونوابًا يقفون في الوسط، وهم على استعداد لتأييد الحكومة في ظروف معينة منعا لسقوطها لعدة اسباب ومنها خطة الفصل، وهي كتلة شينوي التي تضم 14 نائبا ومعها نائب آخر انشق عنها، وهي التي كانت شريكة في الائتلاف حتى قبل اكثر من ثلاثة اشهر، وكتلة "ياحد- ميرتس" التي تضم 6 نواب، وكتلة "عام إيحاد" بزعامة عمير بيرتس، التي انصهر حزبها في حزب "العمل" ولكن الكتلة تواصل العمل بشكل مستقل وتضم ثلاثة نواب، احدهم قد يعود الى حزبه الاصلي "شاس" او ينتقل الى الليكود. و"القائمة العربية الموحدة" التي تضم النائبين عبد المالك دهامشة وطلب الصانع وقد ايدت الحكومة في جميع قوانين خطة الفصل، ولا ترفض امكانية تأييد ميزانية الدولة، إذا كان هناك خطر سقوط يتهدّد الحكومة.

والقسم الثالث يضم الكتلتين الفاعلتين بين الفلسطينيين في اسرائيل وهما كتلة "الجبهة الديمقراطية والعربية للتغيير" وكتلة "التجمع الوطني الديمقراطي"، وتجدر الاشارة الى انه منذ اواخر شهر تشرين الاول الماضي لدى التصويت على خطة الفصل في الكنيست، وحتى الآن، هناك تنسيق وثيق بين الكتلتين حول القضايا المركزية وعلى رأسها كل ما يتعلق بخطة الفصل إذ تعارض الكتلتان خطة الفصل ككل، وتمتنع عن التصويت فقط في ما يتعلق باخلاء المستوطنين والمستوطنات.

وأمام وضعية كهذه فقد قرر شارون ان يخوض مناورة، إذ سيطرح على الكنيست ميزانية الدولة للتصويت عليها في القراءتين الثانية والثالثة الاخيرتين في السابع عشر من الشهر الحالي، وهذا على الرغم من انه لا يحظى بأغلبية حتى الآن. ومن الصعب تحديد نتائج هذه المناورة، ليس فقط منذ الآن، بل حتى في الدقائق الاخيرة قبل التصويت، كما جرت العادة في برلمان اسرائيل الذي بات يعاني، على ما يبدو، منذ 13 عاما، من أزمة مزمنة، لم تشفها اي انتخابات برلمانية سابقة، ولا حتى القادمة، كما تظهر الصورة حاليا.

وقال مقربون من شارون في اليومين الأخيرين ان شارون ليس فقط يتوجه الى مناورة من هذا النوع، بل انه يؤزمها بنفسه، فقد قرر قطع الاتصال مع النواب الـ 13، وأسقطهم من حساباته في سعيه لتحقيق أغلبية، وهو يسعى لدى نواب متمردين على كتلهم في المعارضة او في الوسط، وحتى لدى كتل اعلنت انها لن تسقط حكومته.

ويسعى شارون الى ضمان تأييد النائب ميخائيل نودلمان من كتلة اليمين المتطرف المتمرد على كتلته سياسيا، ونواب عام إيحاد، ولكن من الصعب على رئيس الهستدروت عمير بيرتس ان يؤيد ميزانية كهذه لا تزال تضيق الخناق على الشرائح الفقيرة والضعيفة وحتى المتوسطة، ولكن قد يحظى شارون بصوت النائب الثالث دافيد طال، او امتناعه، كما يريد شارون ضمان تأييد او امتناع كتلة "ياحد- ميرتس" و"العربية الموحدة"، وقد يحقق شارون مراده في هذه المجموعة.

وقبل الحديث عن كتلتي "شينوي" و"شاس"، تجدر الاشارة الى ان شارون ليس فقط يسعى الى ضمان تأييد للميزانية، بل ايضا الى امتناع أكثر ما يمكن من النواب الذين كتلهم خارج الائتلاف الحكومي، فإذا كان لشارون حوالي 50 نائبا، ونجح في الحصول على امتناع 21 نائبا، مثلا، فإنه سينجح في تحقيق أغلبية رقمية للميزانية.

وكما ذكر فإن شارون يسعى ايضا للحصول على تأييد أو امتناع واحدة من كتلتين، إما "شينوي" العلمانية المتشددة، أو نقيضتها كتلة "شاس" الاصولية الدينية المتشددة. وحتى الآن من الصعب تصور نتيجة الاتصالات مع هاتين الكتلتين، على الرغم من ان "شاس" اعلنت انها قررت "نهائيا" معارضة الميزانية وعدم الدخول الى الحكومة، في حين ان كتلة "شينوي" تبدي رغبة بالعودة الى الحكومة ولكن بشرط ان يلغي شارون قرارات سابقة تقضي بتحويل ميزانيات اضافية للاصوليين اليهود، ولكن بدلا من هذا فقد قرر شارون قبل أكثر من اسبوع اضافة هذه الميزانية بأكثر مما قرره سابقا، وهذا يشكل عائقا امام عودة شينوي الى الحكومة.

حرب على المتمردين في كل الجبهات

يظهر شارون في الايام الأخيرة كمن قرر اعلان الحرب على المتمردين عليه في كل الجبهات، وبرأي شارون انه طالما ان الشارع معه (تمنحه استطلاعات الرأي أغلبية واضحة في سياسته وخطة الفصل التي يقودها) فعليه ان لا يأبه بمعارضة داخلية في حزبه، ولهذا فقد قرر بداية تهميشها، وثانيًا اراد ان يسكت مشروعها لفرض استفتاء شعبي على خطة الفصل.

فقد صوت حزب الليكود مساء يوم الخميس الماضي على قرار يطلب من كتلة الحزب البرلمانية السعي في الكنيست لسن قانون يقضي باجراء استفتاء شعبي عام حول الانسحاب من قطاع غزة واقصى شمال الضفة الغربية، وهذا بخلاف رأي زعيم الحزب ورئيس الحكومة اريئيل شارون، الذي انضم اليه في المعارضة للقرار وزير الدفاع شاؤول موفاز، والوزير ايهود اولمرت. ووقف على رأس المؤيدين وزير الخارجية سيلفان شالوم ووزير المالية بنيامين نتنياهو، والوزير السابق زعيم مجموعة المتمردين على شارون، النائب عوزي لنداو.

وما أراده شارون بموافقته على عقد اجتماع للمركز هو ان يأتي بالقرار الى الكنيست ويسقطه هناك لكي لا يطرح ثانية على جدول الاعمال، وينتهي من هذه "الأزمة" التي يفتعلها معارضوه، الى جانب عدد من وزرائه.

وعلى الرغم من سخونة الأزمة في الليكود، واهمية الموضوع، إلا ان 700 عضو فقط من اصل اكثر من 2900 عضو حضروا اجتماع الحزب المذكور، الأمر الذي دفع ببعض المسؤولين الى التشكيك بشرعية القرار الصادر.

وعلى الرغم من قرار الليكود الحاكم، إلا ان هذا القرار "الملزم" لجميع اعضاء الكتلة، ليس له اي وزن سياسي حتى الآن، وهذا على ضوء المعارضة الواسعة لمثل هذا القانون في الكنيست. ويعارض مثل هذا القانون حاليا في الكنيست 81 نائبا من كتل مختلفة من اصل 120 نائبا في البرلمان، من بينهم 14 نائبا من كتلة حزب الليكود الحاكم التي تضم 40 نائبا، ومن الصعب تصور ان تقبل الكتل الاصولية اليهودية بسن قانون كهذا، لأنها تتخوف من ان يتحول الاستفتاء في اسرائيل الى سابقة، يتطرق مستقبلا الى قضايا مدنية تخص الدين وقوانين الاكراه الديني، وقالت اوساط بين اعضاء الكنيست العرب انهم ينوون تهديد الكتل الاصولية اليهودية بأنه إذا ما وافقوا على الاستفتاء، فإن النواب العرب سيؤيدون مستقبلا اجراء استفتاءات على قضايا مدنية حول قضايا تتعلق بعلاقة الدين (اليهودي) بالدولة، وتجنيد العرب للتصويت الى جانب العلمانيين اليهود، وهو ما يتخوف منه المتدينون اليهود.

الليكود لا يستطيع الاستمرار على هذا النحو

عالج "المشهد الاسرائيلي" في اعداد سابقة الأزمة في الليكود، ولكن في هذه المعالجة نذكر ان حزب الليكود الحاكم يشهد أزمة تستفحل يوما بعد يوم، وبات من الصعب جدا التصور ان يستطيع هذا الحزب مواصلة حفاظه على وحدة صورية، إذ ليس باستطاعته ان يتوجه الى اي انتخابات برلمانية مقبلة بخطابين سياسيين، وهذا لا بد له وأن ينتهي بواحد من امرين، إما خروج كافة الاعضاء المتمردين من الليكود وان يقرروا انهاء حياتهم السياسية، وهذا شبه مستحيل، أو ان يقرروا نهائيا الانشقاق، وان يسحبوا معهم مؤيديهم من الهيئات المركزية للحزب، وهذا المسار الأكثر واقعية. وهناك مسار ثالث هو ان يقرر شارون عدم خوض المنافسة مستقبلا واخلاء الساحة لبنيامين نتنياهو وهنا ستتغير الكثير من المعادلات ولكن ايضا ستنشأ أزمات من نوع آخر، وقد تنشأ ظروف تمنع شارون من المنافسة، وهذا أمر ايضا من الصعب تصوره بالوضع الطبيعي، إلا إذا حصلت تغيرات "اقوى من الارادة البشرية".

معنى ذلك ان الليكود مقبل على انشقاق لا محالة، لأن بقاءه على هذه الصورة سيعني انهيارا في الانتخابات البرلمانية المقبلة. ولكن شارون لا يخاف من انشقاق كهذا، لا بل ان اعضاء الليكود التقليديين قد يدفعون بهذا الاتجاه للتخلص من مجموعات يمينية متطرفة جدا وارهابية تغلغلت الى مؤسسات الحزب العليا وتحاول أن تفرض أجندتها التي بمعظمها لا تتماشى مع مزاج الغالبية الساحقة من مصوتي الليكود.

إن الانشقاق في الليكود هو مسألة وقت، وقد يتم هذا مع بدء تنفيذ خطة الفصل في الصيف المقبل، او يتم قبيل الانتخابات المقبلة، التي قد تجري حتى نهاية العام الحالي او مطلع العام المقبل، قبل موعدها الرسمي بقرابة عام.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات