المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تحليل أخباري
  • 900

من يتابع الصحف ووسائل الاعلام الاسرائيلية والتقارير المكثفة التي تنشرها في هذه الأيام، بعد أن تنسبها لمختلف "المصادر الأمنية والعسكرية"، يتذكر الحملة الاعلامية والعسكرية الاسرائيلية التي تم شنها في صيف العام 2000، وكان في مركزها "أن الفلسطينيين يتهيأون لانتفاضة ثانية، وأنهم يخزّنون الأسلحة"، ومن جهة أخرى تم شن هجوم مركّز على القيادة الفلسطينية، بزعم أنها "مخيبة للآمال" الاسرائيلية.

 

وكثرة الحديث في حينه عن "الانفجار الوشيك" خلق جوا عاما ينتظر هذا الانفجار، وهذا الجو لم يكن فقط في الساحة الفلسطينية، وانما ايضا في الساحة الاسرائيلية، فمن شأن انباء كهذه ان تضع الجمهور الاسرائيلي في حالة من التوتر والبلبلة تجعله يخاف من مستقبل متفجر، فيسارع الى ملاذ، وهذا الملاذ هو "رمز القوة"، وهذا الرمز يجده لدى قوى اليمين، أي حكومة شارون.

وعلى ما يبدو فإن إسرائيل تسعى إلى خلق جو عام كهذا، يقود الى انفجار جديد تهدف إليه حكومة اريئيل شارون بعد الانتهاء من تنفيذ خطة الفصل، كواحد من خيارات تضعها امامها، لتبعدها عن التوجه جديا الى مفاوضات الحل الدائم، حيث لا يوجد لرئيس الحكومة شارون ما يقدمه فيها.

 

قيادة "مخيبة" وتخزين أسلحة

 

يظهر في سلسلة من المقالات التي نشرتها مؤخرًا صحيفة "معاريف" الإسرائيلية، بمناسبة "مرور مئة يوم على انتخاب ابو مازن"، عدة تصريحات منسوبة الى مصادر "رفيعة" في الاجهزة الامنية الاسرائيلية التي قالت، حسب الادعاء، "إن عمل ابو مازن في هبوط مستمر، وهو مخيب جدا للآمال، فهو ليس مصرّا على محاربة "قواعد الارهاب"!، ولم يتجرأ على جمع أسلحة التنظيمات كما وعد، وهو مصرّ على وقف العمليات التفجيرية فقط من خلال الحوار، وهو لم ينجح في ذلك..".

وقالت الصحيفة على لسان مصادر في جهاز المخابرات العامة "الشاباك" إن "أبو مازن يخطئ إذا اعتقد ان اسرائيل ستقبل باستمرار العمليات التفجيرية، في الوقت الذي يعيد فيه بناء الاجهزة الامنية لديه، فحتى الآن سكتنا على بعض العمليات، ولكن إذا ما وقعت عملية كبيرة فإن هذا سيقضي على الثقة، وسيهدم كل ما انجزه ابو مازن حتى الآن".

ولكن الأمر لم ينته عند هذا الحد، إذ تقول الصحيفة ان جيش الاحتلال الاسرائيلي يتأهب من جديد "لانفجار محتمل" بعد الانتهاء من تنفيذ خطة اخلاء مستوطنات قطاع غزة، ويقول قادة في الجيش الإسرائيلي "علينا أن نكون واقعيين، وان تحاول تنظيمات "الارهاب" تنفيذ عمليات في الضفة الغربية بعد الانتهاء من تنفيذ خطة الفصل، من اجل طرد الجيش الاسرائيلي ايضا من هناك".

وتقول الصحيفة ان الجيش بدأ بتحركات فعلية استعدادا لانفجار كهذا، وتدعي الصحيفة ايضا انه في المقابل فإن التنظيمات الفلسطينية تستعد هي أيضا لانفجار كهذا وتخزّن الاسلحة لهذا الغرض.

كذلك نشرت صحيفة "هآرتس" تقريرا ذكرت فيه أن جيش الاحتلال يقول ان "تهريب" الاسلحة ازداد في الآونة الأخيرة عبر الحدود المصرية، وخاصة مع اسرائيل، وليس فقط مع القطاع. ويدعي الجيش أيضا أن كمية الأسلحة والمعدات والوسائل القتالية التي باتت تهرّب فوق الأرض اكثر من تلك التي تهرّب من تحت الارض عبر الانفاق التي يحفرها الفلسطينيون.

وحسب ادعاء جيش الاحتلال، فإنه في الآونة الأخيرة تم تهريب عشرات البنادق الرشاشة من نوع كلاشينكوف. ولكن ما هو اهم بنظر الاحتلال انه في الآونة الأخيرة تم تهريب صواريخ مضادة للطائرات، ومواد تفجيرية ذات جودة اعلى تستخدم في صناعة وتركيب صواريخ القسام.

وايضا حسب الادعاء فإن هذه الاسلحة تهرّب من وسط الحدود بين صحراء سيناء المصرية واسرائيل الى منطقة النقب، ومن هناك الى منطقة غور الاردن، ومنها الى الضفة الغربية، وما يصل الى الضفة الغربية بالاساس هي البنادق الرشاشة.

وبطبيعة الحال فإن الصحافة الاسرائيلية، كلها، تضخم الأرقام. فمثلا بالإمكان أن نفهم من تقارير صحيفة "معاريف" انه خلال اسبوعين او ثلاثة انتقل الى الضفة الغربية ما بين 500 الى 600 بندقية رشاش، الى جانب وسائل قتالية ومواد تفجيرية أخرى، وعلى الرغم من انها تقول ان هذه "تقديرات الأجهزة الأمنية"، إلا انها لا تعرض بشكل مقنع كيف من الممكن لهذه الكميات من الأسلحة أن تدخل إلى الضفة الغربية في هذه الفترة القصيرة جدا، نسبيا، وامام كل الاجراءات الاحتلالية التي نراها ونلمسها.

ويقول المراسل العسكري في صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية عاموس هارئيل إن أحد التفسيرات التي يقدمها الجيش الاسرائيلي لتوقعاته بحدوث انفجار جديد في المنطقة، هو ان الظروف الآن تلائم ظروف صيف العام 2000، "فحين انسحب الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان في شهر ايار/ مايو 2000 دعم هذا الانسحاب الادعاء بأن اسرائيل تفهم فقط بالقوة، وهذا ما ساعد على اندلاع الانتفاضة الثانية في المناطق (الفلسطينية) في أيلول/ سبتمبر من نفس العام. وهكذا الآن، ففي إمكان الضفة الغربية ان ترى بقطاع غزة نموذجا للتقليد، ويجري الحديث هنا عن تقليد في اتجاهين، الأول الشروع بمعركة عنيفة جديدة، والثاني أن الحرب الناجعة لا تكون من خلال تفعيل الارهاب في الجبهة الداخلية (لإسرائيل)، وإنما بتوجيه الهجمات ضد الجنود والمستوطنين، وبشكل يثير الجدل الداخلي في اسرائيل حول مدى الفائدة من استمرار السيطرة على منطقة مختلف حولها".

ويضيف هارئيل في مقاله "إن الجيش الاسرائيلي وجهاز الشاباك يفترضان انه سيكون من مصلحة السلطة الفلسطينية الحفاظ على الهدوء في قطاع غزة بعد الاخلاء، من أجل ان تثبت لاسرائيل والمجتمع الدولي بأن الفلسطينيين يلتزمون بتعهداتهم، فالارهاب سينتقل الى الضفة الغربية، تماما كما حدث في فترة ياسر عرفات بعد تطبيق اوسلو (ب)، حين ركزت حركة حماس على ارسال الانتحاريين لتنفيذ عمليات في مناطق (ب) و(ج) التي تقع تحت سيطرة إسرائيل الامنية..".

ويتابع هارئيل في مقاله "هذه هي الخلفية لتقدير قيادة أركان الجيش الإسرائيلي بأنه ستكون جولة ثالثة في النضال الفلسطيني، بعد فترة قصيرة من الانفصال عن قطاع غزة. وقد حذر رئيس الاركان موشيه يعالون، في الأسبوع قبل الماضي، من سيناريو ممكن لتأزم سياسي بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية، بسبب رفض شارون التوجه الى جولات انسحاب اضافية، وسيرد الفلسطينيون على ذلك باندلاع عنيف شدد".

 

الانفجار أحد خيارين امام شارون

 

حين وضع شارون مخططه اعتقد ان بتنفيذه سيكسب فترة هدوء كبيرة على مستوى الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وحتى أن الأسرة الدولية ستصمت لفترة. ولكن شارون اصطدم بما توقعناه مسبقا، وهو ان العالم سيسأله "وماذا بعد؟"، ولدى شارون اجابة لا يستطيع ان يجاهر بها، فأقصى ما يريد شارون "تقديمه" هو ثلث مساحة الضفة الغربية المحتلة منذ العام 1967، وهو يسعى لفرض اكثر ما يمكن من وقائع على الارض تصعّب الانسحاب الى أكثر من هذا.

ولهذا فإن شارون بدأ يبحث عن مخارج، وحاول تجربة "الشماعة" القديمة الجديدة، وهو ان يحرّض الادارة الأميركية على قيادة الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ابو مازن، بادعاء انه لم يحارب ما يسمى بـ "الارهاب"!!، وانه لم ينفذ التزاماته في خطة خارطة الطريق، هذه الخطة التي نسفتها حكومة شارون من اساسها، وتخرقها يوما بعد يوم، من خلال الاستيطان وجدار الفصل العنصري.

ولكن شارون لم يجد في الادارة الأميركية آذانا صاغية في ما يتعلق "بالتحريض" على ابو مازن، وهنا ايضا لم تغير الادارة الأميركية جلدها، ولكنها لا تستطيع ان تخرج للعالم مرّة ثانية في حملة دعائية يريدها شارون، كانت قد قامت بها ضد الرئيس الراحل ياسر عرفات، فأوروبا التي لم تنخرط بغالبيتها الساحقة في الحملة ضد ابو عمار، كيف بامكانها اليوم ان تنضم لحملة ضد ابو مازن، وواشنطن ليست معنية بفتح جبهة جديدة مع اوروبا.

وامام وضع كهذا فإن شارون بدأ يسارع في الاستعداد لفترة ما بعد الانتهاء من تنفيذ خطة الانفصال، لأنه منذ الآن بدأ يواجه في بعض النقاط الهامة على الساحة الدولية سؤال: "وماذا بعد؟"، ولهذا فإن شارون عمل بداية على تأجيل تنفيذ خطة الفصل بثلاثة اسابيع، بحجة تزامنها مع فترة حداد دينية لليهود على "خراب الهيكل"، ولكن هذه ليست مجرد ثلاثة اسابيع، لأن تأجيل موعد بدء التنفيذ الى منتصف شهر آب/ اغسطس، سيفسح المجال امامه لتأجيلات أخرى، وبحجج مختلفة، ومنها افتتاح السنة الدراسية واقتراب موعد الاعياد اليهودية في نهاية ايلول، وغير ذلك.

وبنظر شارون، فإن انتهاء التنفيذ في أواخر شهر تشرين الاول/ اكتوبر، او حتى بعد ذلك، سيقرّبه الى الانتخابات البرلمانية الاسرائيلية، التي ستكون قد بدأت تلوح في الأفق على خلفية التحضير لميزانية الدولة للعام 2006 في تلك الفترة. وعادة فإن حكومات اسرائيل ترفض استمرار المفاوضات في فترة ما قبل الانتخابات وبعدها لعدة أشهر.

ولكن هناك سيناريو آخر بامكان شارون ان يراهن عليه، وهو الدفع نحو انفجار جديد في المنطقة. وفي ظل انفجار كهذا، حتى لو كان شارون هو المبادر له كما حصل في المرّة الماضية، فإنه سيشعر انه في حلّ من أية التزامات دولية والتوجه الى مفاوضات الحل الدائم.

ومعروف عن شارون انه لا يمكنه العيش من دون أزمات. هذا ما كان في سنواته الأولى في العصابات الصهيونية ومن ثم في الجيش الإسرائيلي. وحتى بعد ان انتقل الى السياسة كان دائما، بداية في حزب "حيروت" الذي اصبح لاحقا "الليكود"، على رأس الجناح المعارض لكل زعيم للحزب، وكان مركز القلاقل. وطبعا هنا ايضا فإن شارون يرى في الانفجار مخرجا.

بإمكاننا الاعتقاد أن شارون يتوق الى أي انفجار، حتى ولو كان داخليا في الشارع الاسرائيلي، فعندما توجه الى الولايات المتحدة قبل ثلاثة أسابيع قال شارون في مقابلة لاحدى وسائل الاعلام إن "إسرائيل على شفا حرب اهلية"، لأن شارون يراهن على ازدياد عنف وارهاب قوى المستوطنين المعارضة للانسحاب، فشارون معني بنشاط قوى اليمين المتطرف والارهابي ضد اخلاء المستوطنات، وكلما ازدادت هذه المعارضة حدة، كلما خدمت شارون في رسالته للعالم، بأنه إذا أدى إخلاء هذا العدد من المستوطنات إلى هذا فكيف ستكون الحال في انسحابات أكبر.

ويجري الحديث اليوم في اسرائيل عن محاولات تهدئة ومنع العنف، وبالامكان القول بشكل حازم، انه لو اختفت هذه المعارضة فإن شارون سيخلقها من جديد، وكلما طال مشهد "عنف المعارضين" استفاد شارون أكثر، على الأقل من وجهة نظره.

 

المصطلحات المستخدمة:

اريئيل, الصهيونية, اوسلو, هآرتس, الليكود

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات