المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

كتب: وديع أبونصاربدأ مبعوثو أرئيل شارون، رئيس الحكومة الإسرائيلي وزعيم حزب الليكود، مشاوراتهم لتشكيل حكومة برئاسته وذلك بعد أن قدم خمسة وثمانون عضوا في الكنيست المنتخب توصية إلى رئيس الدولة موشيه كتساف تقضي بتكليف شارون بتشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة. ومن المتوقع أن يلتقي مبعوثو شارون مع ممثلين لمعظم الأحزاب، ما عدا حزب ميرتس والأحزاب العربية التي لا تعد شريكا محتملا في حكومة شارون، وما عدا حزب العمل الذي لا يزال يرفض الانضمام إلى حكومة برئاسة زعيم "الليكود".

ويضع رفض حزب العمل الانضمام لحكومة الوحدة الوطنية شارون أمام مشكلتين رئيسيتين:

الأولى تتعلق بصعوبة الاختيار بين ضم حزب "شينوي" العلماني أو ضم الأحزاب الدينية لائتلافه، بالذات إثر إعلان شينوي مؤخرا أنه يرفض الانضمام إلى حكومة تضم الأحزاب الدينية، في الوقت الذي كانت فيه هذه الأحزاب قد أعلنت بدورها رفضها الانضمام إلى حكومة يجلس فيها حزب شينوي، الذي يعد خصمها اللدود.

أما مشكلة شارون الثانية فتعود إلى احتمال تعرضه لضغوط دولية في حال تشكيله حكومة مصغرة ذات توجه يميني، ناهيك عن فشل خطته بتشكيل حكومة وحدة وطنية، طالما تحدث عنها وحلم بها، لأن مثل هذه الحكومة تزيد من قدرته على المناورة بين العديد من الأحزاب، في حين أن حكومة مصغرة تزيد تعلقه بالأحزاب المشاركة في الائتلاف.

وتعود أصول المشكلة الأولى التي تعترض شارون في سبيله لتشكيل ائتلاف جديد برئاسته إلى خشية كل من "شينوي" والأحزاب الدينية التراجع عن الوعود التي أطلقتها خلال حملتها الانتخابية المنصرمة. فـ "شينوي" حصل على آلاف الأصوات من اليهود العلمانيين الرافضين بشدة لأي تعاون مع الأحزاب الدينية، ويرون فيها رمزًا للابتزاز السياسي والاقتصادي. أما الأحزاب الدينية فترى بـ "شينوي" حزبا يمثل "الكفار وأعداء اليهودية."

وكانت قد فشلت المساعي التي بذلها شارون لضم حزبي "شينوي" العلماني و "يهدوت هتوراه" الأشكنازي المتدين إلى حكومته، وذلك بعد أن كان هنالك تفاهم غير مكتوب بين الأطراف المعنية، يقضي بتشغيل مواصلات عمومية في الدولة أيام السبت، والسماح بالزواج المدني، مما يرضي "شينوي"؛ في حين يحتفظ حزب "يهدوت هتوراه" بحرية التصويت في هذه القضايا، مما يعني إمكانية التصويت ضدها دون التسبب بأزمة ائتلافية، علمًا أن العادة تقضي بأن تصوت الأحزاب المشاركة في الائتلاف إلى جانب الحكومة.

ويعود فشل هذا التفاهم بالأساس إلى تهديد حزب "شاس" الديني الشرقي بأن يقوم بحملة شعواء في أوساط المتدينين اليهود تتهم حزب "يهدوت هتوراه" بالخيانة، في حال مشاركته في ائتلاف إلى جانب حزب "شينوي" العلماني، مما دفع قادة هذا الحزب الديني إلى التراجع عن تفاهمهم الأولي مع شارون، ومن خلاله - مع "شينوي".

بالمقابل، استصعب شارون تشكيل ائتلاف فقط بمشاركة "شينوي" وأحزاب اليمين (وبخاصة - حزبا "المفدال" و "الاتحاد الوطني")، بالرغم من أن هذا الائتلاف يملك نحو 69 مقعدًا في الكنيست، وذلك لخشية شارون أن يضر ذلك بالتحالف الاستراتيجي بين "الليكود" والأحزاب الدينية، القائم منذ أن شكل "الليكود" حكومته الأولى في العام 1977. ويعد وزير الخارجية بنيامين نتنياهو ووزير المالية سيلفان شالوم من أبرز "الليكوديين" الذين يعارضون تفضيل "شينوي" على الأحزاب الدينية.

أما سيناريو تفضيل الأحزاب الدينية على "شينوي" فمن شأنه منح شارون ائتلافا بحجم مماثل (69 مقعد في الكنيست) لكن ذلك ليس ما يريده شارون. لأن ائتلافًا يضم الأحزاب اليمينية والدينية من شأنه أن يحد من قدرة شارون على المناورة السياسية بين شركائه في الحكومة من جهة، وقد يؤدي إلى ضرب علاقاته مع الغرب عامة ومع الإدارة الأمريكية خاصة، لأن حكومة يمين - متدينين ستعارض، على الأرجح، المضي قدما في أي حل مع الفلسطينيين، حتى لو كان اقتضى الأمر بموجب هذا الحل تقديم تنازلات بسيطة للجانب الفلسطيني.

إن حل هذه المشكلة يكمن بالأساس في حل المشكلة الثانية، والتي يكمن حلها في احتمال انضمام حزب العمل إلى حكومة شارون.

أرئيل شارون بحاجة اليوم إلى حزب العمل أكثر من أي وقت مضى، فهو معني بحكومة مستقرة من جهة تمنحه قدرة على المناورة بين اليمين واليسار، ومعني أيضاً باستعمال حزب العمل "اليساري" كمظلة في وجه أي انتقاد محتمل من الغرب لسياسته. لذلك، فإن شارون يتبع حاليا مع حزب العمل سياسة "الجزرة والعصا"، بصورة متوازية. فمن جهة - شارون يقابل زعيم حزب العمل عمرام متسناع ويطلعه على "أسرار الدولة" بما فيها "المفاوضات السرية" مع الفلسطينيين والتحضيرات الإسرائيلية لحالة تحول الملف العراقي من أزمة دبلوماسية إلى صراع مسلح؛ ومن جهة أخرى - شارون يتهجم على حزب العمل في وسائل الإعلام متهما إياه بعدم المسؤولية لرفضه الانضمام إلى الحكومة في الظروف العصيبة الراهنة التي تعيشها دولة إسرائيل.

لذلك، فإن عمرام متسناع، وبالرغم من ضعفه النسبي ومن تراجع قوة حزبه في الانتخابات الأخيرة، إلا أن بيده تقرير ماهية الحكومة التي سيشكلها شارون، لأن دخول العمل إلى حكومة برئاسة شارون قد يفتح الطريق أمام "شينوي" والأحزاب الدينية إلى الادعاء بأنها مستعدة للتنازل عن بعض مبادئها والمشاركة في "حكومة طوارئ" يجلسون فيها سوية، وكتفاً الى كتف!

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات