المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

محمد هواش
هل يشكل جدار الفصل العنصري الذي تقيمه اسرائيل داخل الاراضي الفلسطينية لا على الخط الاخضر الذي يتطابق مع خط الرابع من حزيران كعب اخيل (نقطة ضعف) السياسة التي يتبعها رئيس الحكومة ارييل شارون؟ بمعنى: هل يمثل قرار شارون اقامة جدار الفصل مع اعادة احتلال المدن الفلسطينية في حزيران من العام الماضي نقطة الضعف في سياسة حكومة لم تجلب للاسرائيليين امنا ولا سلما، كما انها لم تجلب إلى المنطقة الا توترا وعدم استقرار؟

الفرضية هذه تستمد قوتها من عناصر الافتراق التي وضعها الفلسطينيون بين موقفي شارون و الرئيس الاميركي جورج بوش في مسالة الجدار، سيما وان الاخير اعفى شارون من أي مسؤولية في المواجهة الفلسطينية - الاسرائيلية خلال سنوات الانتفاضة الماضية، وحرر اسرائيل من اية قيود لاستعمال القوة ضد الفلسطينيين، وربما جعل شارون يفهم أن موقف الرئيس الاميركي حرره ايضا من المسؤولية ازاء تطبيق رؤية بوش لحل النزاع الفلسطيني - الاسرائيلي ومن ثم خريطة الطريق .

وعناصر الافتراق هذه ليست من نوع الخلافات التي تحتملها اسرائيل في مثل هذه الايام. لان هناك في الوضع الدولي لحظة استثنائية. فمن جهة هناك اجماع دولي على حل النزاع الفلسطيني - الاسرائيلي من خلال اقامة دولة فلسطينية حتى عام 2005 في الاراضي المحتلة عام 1967 ضمن خطة خريطة الطريق، حتى لو كانت الارادة الدولية لينة. فمجرد طرح خطة دولية، وتأييدها الواسع من دول الرباعية، هو تراجع مهم لصالح القضية الفلسطينية، ويمكن تحويله إلى تراجع دائم، وتحويله - وهذا هو الاهم - إلى مكسب كبير للشعب الفلسطيني. ومن جهة اخرى، هناك شبه اجماع دولي على أن الموقف الاميركي الذي يغطي اسرائيل ويحميها من مساءلة دولية بسبب خروجها على القانون وتحللها من الالتزامات الدولية ومن واجبات عضويتها في الاسرة الدولية، يشكل ركنا مهما وعاملا رئيسيا في أي موقف اسرائيلي. ولا تستطيع اسرائيل في هذه اللحظة الاستثائية بالذات أن تسمح لنفسها بالظهور علنا في موقف مختلف مع الرئيس بوش في موضوع الجدار، وفي غيره من مواضيع تخص النزاع، وذلك لعدة اسباب، من بينها انها تفقد سندها الوحيد في العالم ولا تأخذ بعين الاعتبار حراجة الموقف الاميركي في العراق، على ابواب المعركة الرئاسية ورغبة فريق الحكم الاميركي في الفوز بولاية ثانية لاستكمال مشاريع ما تزال معلقة في افغانستان والعراق وعموم الشرق الاوسط. ولهذا لعل الرئيس الاميركي جورج بوش لم يعد يوفر سانحة لا يتحدث فيها عن جدار الفصل باعتباره "عقبة امام حل النزاع واقامة دولة فلسطينية". أي أن الجدار يعيق ترجمة رؤية الرئيس بوش وذلك بسبب موقف صديقه الحميم "رجل السلام" (!) ارييل شارون. وليست تصريحات وزير الخارجية الاميركي كولن باول أن "من حق اسرائيل اقامة جدار ولكن في اراضيها لا في اراضي الفلسطينيين"، اقل شانا من موقف الرئيس بوش الذي يعتبر الجدار وبحق عقبة امام اقامة دولة فلسطينية، أي امام رؤيته لحل النزاع. كما لا يمكن تجاهل وضع وقف تمويل الجدار من ضمانات القروض الاميركية لاسرائيل على الطاولة.

ولكن هذه اللعبة لها شروط لا ينبغي افسادها. منها استمرار الهدنة التي اعلنتها الفصائل الوطنية والاسلامية الفلسطينية بتشجيع من الرئيس ياسر عرفات. وفي ذلك فإن رئيس الحكومة الفلسطيني محمود عباس يقوم بتعزيزها بدبلوماسيته الهادئة، باقناعه الادارة الاميركية بأن بناء الجدار يهدد جهود بوش لحل النزاع في المنطقة، وباقناعه الفصائل بأن الهدنة اداة عمل سياسية لا تقل اهمية ونجاعة عن افعال المواجهة والصمود في وجه الالة العسكرية الاسرائيلية.

وقد ظهرت خلال الايام القليلة الماضية، من دون غرق في الاوهام، خلافات اسرائيلية اميركية حول الجدار الفاصل، واعلانات اسرائيلية حول وقف البناء في مقطع الجدار من مستوطنة "الكناه" جنوب شرق قلقيلية إلى منطقة اللطرون غربي القدس، مع قرار اخر هو اقامة اسوار حول كل مستوطنة يتركها جدار الفصل العنصري شرقه. كذلك هو الامر بالنسبة لاقتطاع اموال من ضمانات القروض الاميركية مقابل الاموال التي تصرفها اسرائيل لتميل بناء الجدار الفاصل. على رغم أن اسرائيل تحاول التقليل من اهمية هذه الخلافات، وهي تنكر انها تسلمت حتى الان اي بلاغ رسمي من الادارة الاميركية تشير فيه الى نيتها اقتطاع تكاليف بناء جدار الفصل العنصري من مجمل الضمانات المالية المقررة لاسرائيل.

وفي اشارة ذات مغزى نقلت الاذاعة العبرية في التاسع من الشهر الجاري ان "الحكومة الاسرائيلية والاجهزة الامنية المختصة تقوم حاليا بدراسة البدائل المتاحة لمسار "السياج الامني" في الاجزاء المختلف حولها والتي يمكن ان تلحق الاضرار بالفلسطينيين" على حد زعمها.
وبموجب المصدر ذاته: مسار الجدار قد يتم تعديله إرضاء للأميركيين، ولكن طالما لم تنتهي الجهات المختصة في اسرائيل من هذه الدراسة فان الولايات المتحدة لن تأخذ اي اجراء او خطوة.

وكانت مصادر اميركية قد اوضحت ان احد المقاطع الذي تعارض الادارة اقامته، هو ذلك المقطع المقرر اقامته الى الشرق من مستوطنة اريئيل بعمق 20 كيلومترا شرق الخط الاخضر.

اذن من الهدنة التي اعلنتها الفصائل الفلسطينية بدا مسار جديد يفعل فعله في السياسة الاسرائيلية، والعلاقة الاميركية الاسرائيلية، باعتارها، الان، تشكل الانجاز الوحيد ربما لحكومة شارون. ومن هذا المسار الجديد يفترق شارون وبوش، وتظهر الشقوق بين الموقفين من خريطة الطريق ومن الجدار باعتبار كل ذلك يعرقل تحقيق الرؤية الاميركية للنزاع.

وقد ادى ذلك حسب مصادر اسرائيلية إلى اعتراف شارون في اجتماعات وزارية خاصة "أن الفلسطينيين قدموا استحقاقات في خطة خريطة الطريق ويجب أن تستعد اسرائيل لتقديم استحقاقات من جانبها"، وان هذه الاستحقاقات تثقل على الاتجاهات اليمينية والعسكرية الحاكمة وفي حزب الليكود ايضا، واحزاب اليمين التي تشارك في الائتلاف الحكومي (المفدال، والاتحاد الوطني) ولهذا يحاول هذا الاتجاه عرقلة تقدم التسوية والتبادل في دفع الاستحقاقات. أي كسر التقدم في التهدئة باستفزازات قد تؤدي إلى تحرير شهادة وفاة للهدنة باعتبارها اداة تغيير سياسية مهمة في ايدي الفلسطينيين.

والاستحقاقات الاسرائيلية المطلوبة هي وقف الاستيطان وبدء الانسحاب الحقيقي من المدن الفلسطينية ووقف سياسة ترسيم الحدود من جانب واحد تحت ضغط واشنطن ورغبة الرئيس جورج بوش اظهار جدية في سعيه لتسوية النزاع والمضي قدما في تنفيذ خريطة الطريق .

وتضغط اوساط اسرائيلية مرتبطة بهذا الاتجاه في اتجاه كسر الهدنة عن طريق اغارات من نمط الاغارة على مخيم عسكر واغتيال ناشطين فلسطينيين ومواطنين اخرين خلال مواجهات اعقبت الجريمة الاسرائيلية في عسكر. ومحاولة اغتيال نشطاء في كتائب شهداء الاقصى في جنين.

استنكار الفلسطينيين كان واسعا وهم بذات القدر اظهروا مسؤولية كبيرة باعلان الفصائل الوطنية والاسلامية التمسك بالهدنة مع اطلاقهم تهديدات من نوع: " ذلك لا يمكن السكوت عليه طويلا" .

واضح أن معركة جدار الفصل العنصري بدأت تحرز المكاسب في الجانب الفلسطيني. و هي على ضآلتها مؤشر سياسي مهم يعزز ادارة هادئة للصراع عن طريق استمرار الهدنة والتقدم نحو الاستحقاقات السياسية في خريطة الطريق وامكان استمالة الادارة الاميركية نحو موقف اكثر مسؤولية وحرصًا على تنفيذها لا ابقائها مجرد اقتراح فحسب، او خطة للتداول، او ملهاة لعبور الانتخابات الرئاسية الاميركية.

ولهذا ايضا ربما تكون الهدنة كعب اخيل ارييل شارون وحزب الليكود الذي يضيق ذرعا بها وقد يمضي إلى نقضها قبل أن تتحول قناة تغيير لمسار الجدار الفاصل الذي يحرج واشنطن أن يخرج عن الخط الاخضر ليأكل من اراضي الفلسطينيين ويحرمهم من مصادر رزقهم ويعرقل ان لم يحل دون اقامة دولة فلسطينية. واذا ما الزمت واشنطن شارون بمسار يطابق الخط الاخضر او لايبتعد عنه في نقطة صغيرة هنا واخرى هناك، تكون بذلك قد فتحت بابا واسعا لتسوية يستطيع الفلسطيني أن يقدم الكثير من اجلها ويدافع عنها بكل ما لديه من قوة. ولعله لا يكتفي بهدنة وانما يذهب إلى ابعد من ذلك.

المصطلحات المستخدمة:

رئيس الحكومة, اريئيل, الليكود

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات