أقرت الهيئة العامة للكنيست يوم 11 تموز الحالي بالقراءة الثالثة وبأغلبية كبيرة (57 مؤيدا مقابل 48 معارضا) ما يسمى بـ"قانون الجمعيات" الذي يفرض على المؤسسات الأهلية والجمعيات التي تتلقى تبرعات من دول اخرى بما يزيد على 50 بالمئة من ميزانيتها، إعلان ونشر ذلك "بالبنط العريض" في كل المراسلات الرسمية والإعلانات وتقديم كشوف خاصة لمسجل الجمعيات والتصريح، في حال شاركت في جلسات لجان الكنيست، بأن الجمعية تتلقى دعما من قبل دول أخرى.
إن الهدف الحقيقي من هذا القانون هو كم الأفواه وضرب مؤسسات المجتمع المدني ومنع وتقييد حرية التعبير عن الرأي والفكر والحرية في التنظم من أجل دفع حقوق الإنسان والمواطن، سواء في الداخل الفلسطيني أو في الأراضي المحتلة، والتي تقترف ضدها أبشع الجرائم، وهو بذلك يمس أهم الحريات الديمقراطية.
كما يهدف القانون إلى إسكات الأصوات النقدية الساعية إلى تغيير السياسات الحكومية المجحفة وفضح ممارساتها في الداخل والخارج، حيث يعمل القانون على نزع الشرعية عن الناشطين وشيطنتهم وملاحقتهم ووصمهم كأعداء يعملون بالتحالف مع قوى خارجية من أجل تقويض نظام الحكم في إسرائيل والسماح لقوى خارجية بالتدخل في السياسات الداخلية.
من الجلي أن القانون لا يشمل جمعيات تتلقى تمويلا ودعما من جهات وصناديق خاصة، وذلك لكون الجمعيات اليمينية والسياسيين الإسرائيليين يتلقون الدعم المادي الكبير من خارج البلاد وبالأخص من رجال أعمال متطرفين وعنصريين في الغرب.
فرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو نفسه يتلقى الدعم والتأييد من رجل الأعمال اليهودي الأميركي شلدون إدلسون، أما جمعية "إم ترتسو" العنصرية فتتلقى التمويل من عناصر خارجية خاصة لا يلزمها القانون بالكشف عنها.
لقد اتفقت وزيرة العدل ورئيس لجنة الدستور والقانون وبعض أعضاء الكنيست الأكثر تطرفاً بدعم من رئيس الحكومة على دفع وإقرار هذا القانون، ولو أن مؤسسات المجتمع المدني، من خلال معرفتي ونشاطي وإطلاعي الشخصي على عملها وأدائها وأخلاقياتها، تعمل بغالبيتها على نشر مصادر تمويلها وتحظى جميعها بإدارة سليمة سنوية (من قبل مسجل الجمعيات). لذلك فالمسألة ليست مسألة شفافية وكشف لمصادر التمويل بقدر ما هي محاولة لضرب النشاط الأهلي والمدني وضرب ما تبقى من إعلام وما تبقى من المحكمة العليا، كل ذلك من أجل "سؤدد" حكم اليمين الاسرائيلي المتطرف واستبداده.
إن هذا القانون ينضم إلى سلسلة طويلة من القوانين العنصرية التي سنت في الفترة الأخيرة والتي تستهدف الشعب الفلسطيني والمجتمع العربي ونشطاء حقوق الانسان عامةً. على مؤسسات العمل المدني وحقوق الإنسان عدم الخضوع أو التراجع أو التردد بل الاستمرار في نشاطها وتطوير استراتيجيات عمل جديدة وبناء شبكة علاقات مع مؤسسات حقوقية دولية وإطلاع الدول على هذا القانون الذي لا يستهدف المؤسسات فحسب وإنما أيضا الدول المعنية بدعم قيم حقوق الإنسان.
وعلى هذه الدول ذاتها استعمال نفوذها من أجل إلغاء هذا القانون وغيره، وإذا لم تستجب الحكومة أن تهدد بمعاقبتها، من جانب، وأن تضاعف دعم عمل الجمعيات، من جانب آخر، لعل القانون يجلب نتائج عكسية.
وفيما يتعلق بتدخل دول أخرى فهذا حق وواجب على الدول الأخرى لأن تتدخل بشكل مباشر حتى، وليس بالضرورة عن طريق جمعيات، كما أقرت الأمم المتحدة في السنوات الأخيرة، فكم بالحري حينما نتحدث عن حقوق المواطنين بالتدخل والعمل على فضح خروقات حقوق الإنسان في بلدهم.
_____________________
(*) محام وناشط- عبلين