المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • المشهد الاقتصادي
  • 1178

قال تقرير موسع في صحيفة "ذي ماكر" الاقتصادية، التابعة لصحيفة "هآرتس"، إن أكبر البنوك الإسرائيلية شرعت في السنوات القليلة الأخيرة، في تقليص حجم نشاطها الاقتصادي في عدد من دول العالم، وحتى أنها في بعض الحالات أوقفت عملها في دول معينة. وسبب هذا يعود إلى الخسائر التي تكبدتها البنوك، جراء الأزمات الاقتصادية في الدول المتطورة. ولكن ليس هذا فحسب، بل أيضا لأن البنوك الإسرائيلية تورطت خاصة أمام السلطات الأميركية، في قضايا "إيواء" متهربي ضرائب أميركان، ما فرض على بنك ليئومي دفع غرامة 400 مليون دولار، ليتكشف في هذه الأيام، أن البنك ذاته متورط في إيواء متهرب ضرائب إسرائيليين أيضا.

 

ويقول تقرير الصحيفة إنه حتى العام 2007، شهدت البنوك الإسرائيلية الكبرى ما يمكن وصفه بـ "العصر الذهبي" لنشاطها الاقتصادي في العالم، إذ كانت للبنوك الكبرى الإسرائيلية فروع في عدد من الدول المتطورة، وبشكل خاص في الولايات المتحدة الأميركية، ووصل عدد العاملين فيها حتى ذلك العام إلى 4 آلاف موظف. ورأت البنوك الإسرائيلية أن نشاطها العالمي يزيد من نشاطها الاقتصادي، ما يزيد من مداخيلها وارباحها.

ونذكر في هذا المجال، أنه قبل أكثر من عقد من الزمن انتقدت تقارير بنك إسرائيل المركزي البنوك الإسرائيلية، لكونها تعتمد على العمولات البنكية كأساس لمداخيلها، دون الاهتمام بزيادة نشاطها الاقتصادي واستثماراتها. وفي تلك المرحلة بدأت المعركة على حجم العمولات البنكية الإسرائيلية، وجرى سن قوانين، وتم فرض أنظمة من بنك إسرائيل المركزي ووزارة المالية، ما أدى إلى تقليص حجم العمولات بشكل ملموس.

ويقول التقرير إنه مع اندلاع الأزمة الاقتصادية العالمية في العام 2008، بدأت تنقلب الأمور، حتى بات النشاط الاقتصادي العالمي للبنوك الإسرائيلية يتسبب بخسائر. وابتداء من ذلك العام شرعت البنوك في تقليص نشاطها تدريجيا في العالم. وبضمن هذا أن البنكين الأكبرين هبوعليم وليئومي، الغيا مخططات كانت جاهزة لفتح فروع ونشاطات في دول لم تكن ضمن نطاق عملهما. وحسب معطيات التقرير، فإنه حتى نهاية العام الماضي 2016، تقلص عدد الموظفين بنسبة 34% مقارنة بما كان حتى نهاية العام 2011، وبنسبة 47% مقارنة بما كان حتى نهاية العام 2007. وبات عدد موظفي البنوك الإسرائيلية في فروع الدول (عدا إسرائيل) 2115 موظفا.

ويستدل مما نشر، أن البنوك الإسرائيلية لم تنجح في الوصول إلى درجة المنافسة مع البنوك المحلية في كل واحدة من الدول، بمعنى أن تكون عنوانا للزبائن العاديين، وليس فقط أصحاب رأس المال والاستثمارات.

وأمر آخر كان لافتا للنظر في تقرير "ذي ماركر"، هو المناطق التي تعمل فيها البنوك في الولايات المتحدة، فبنك ليئومي، صاحب النشاط الدولي الأكبر من بين البنوك الإسرائيلية، يتركز نشاطه في الولايات المتحدة في نيويورك وكاليفورنيا وفلوريدا وإيلينوي. وهذه مناطق معروفة بأنها مراكز التجمع الأكبر للأميركان اليهود، وايضا لليهود المهاجرين من إسرائيل.

البنوك الإسرائيلية تتورط في العالم

 وكما ذكر، فإنه في السنوات الثلاث الأخيرة تورطت أربعة بنوك إسرائيلية من أصل خمسة، أمام سلطات الضريبة الأميركية، بعد أن اتضح أنها تدير حسابات بنكية لمتهربي ضرائب أميركان، بمسارات بنكية بعيدة عن أعين سلطة الضرائب المحلية، وأكبر المتورطين بنك ليئومي الذي تكبد غرامة بـ 400 مليون دولار. بينما تجري المفاوضات مع بنك هبوعليم، أكبر البنوك الإسرائيلية، وبنك مزراحي طفاحوت الذي يحل رابعا من بين البنوك الخمسة الكبار. أما البنك الأخير، فهو هبينليئومي هريشون، إلا أن قضيته لم تثر في الفترة الأخيرة، وليس واضحا إلى أي نقطة وصلت.

وكان بنك ليئومي قد تكبد في خريف العام الماضي 2016، غرامة بقيمة 400 مليون دولار، فرضتها عليه السلطات الأميركية، لتستره على متهربي ضرائب أميركان، في حسابات بنكية في الولايات المتحدة وأوروبا، وتم فرض الغرامة بعد مفاوضات بين البنك والسلطات الأميركية، تجنبا لصدور حكم قضائي في القضية. كما دفع البنك غرامة بقيمة 6ر1 مليون دولار، لسلطة الأوراق المالية الأميركية، في القضية ذاتها. في حين تتواصل الاجراءات القضائية الأميركية ضد بنكين إسرائيليين آخرين، هما بنك هبوعيلم، أكبر البنوك الإسرائيلية، وبنك مزراحي طفاحوت، الذي يحل في المرتبة الرابعة من بين البنوك الإسرائيلية.

وكانت قضية بنك ليئومي قد تفجرت في نهاية العام 2014، حينما تبين للسلطات الأميركية أن هذا البنك وبنوكا إسرائيلية أخرى، قد تسترت على متهربي ضرائب أميركان، بين العامين 2002 وحتى 2010، ويبدو أن جميعهم من الأميركان اليهود، بفعل القانون الذي تم سنّه في إسرائيل في العام 2003 لمدة خمس سنوات، إلا أنه تم تمديده في العام 2008 لعشر سنوات أخرى، وكان الهدف منه تشجيع هجرة أصحاب رأس المال اليهود إلى إسرائيل.

وحسب ما نشر في هذه الأيام، فإن السلطات الأميركية توصلت إلى مخالفات بنك ليئومي، ضمن تحقيقات أميركية واسعة طالت 80 بنكا ينشطون في الولايات المتحدة، ولكن حتى الآن، فإن بنك ليئومي وحده الذي لوحق جنائيا، وكما يبدو بسبب حجم نشاطه في هذه القضية. كما فرضت السلطات على البنك تعيين موظف خاص مسؤول عن تطبيق فعلي لكل الأنظمة والقوانين الأميركية ذات العلاقة بالضرائب، بعد أن اعترف البنك بما وجهته له السلطات الأميركية.

ويمنح القانون الإسرائيلي المذكور المهاجرين اليهود إلى إسرائيل، وحتى الإسرائيليين الذين هاجروا قبل سنوات وعادوا إلى إسرائيل، إعفاء من دفع الضرائب على كل نشاطهم الاقتصادي في الخارج لمدة عشر سنوات، حتى وإن كان الأمر متعلقا ببيع عقارات وأعمال في الخارج وما شابه، وهذا أحد الأنظمة التي سنتها إسرائيل في السنوات الأخيرة، بحثا عما يسمى بـ "الهجرة النوعية"، بمعنى استقدام مهاجرين يهود من ذوي الامكانيات المالية والعلمية.

وكان القانون في حينه يهدف إلى تحفيز الهجرة إلى إسرائيل، التي بدأت في تلك المرحلة بالتراجع بنسبة حادة، مقارنة مع معدلاتها التي كانت قائمة في سنوات التسعين من القرن الماضي. وكان هدف المُشرّع هو ضمان تأقلم المهاجرين اقتصاديا في إسرائيل، في سنوات هجرتهم الأولى، إلا أن هذا التعديل جعل كثيرين من كبار المستثمرين من يهود العالم يرون بإسرائيل "دفيئة لمتهربي دفع الضرائب".

وحسب تقارير صحافية إسرائيلية سابقة، فإن أكبر البنوك الإسرائيلية، بنك هبوعليم، يزداد تورطه، في المفاوضات التي يجريها مع وزارة العدل الأميركية، على خلفية دوره في فتح حسابات بنكية لأميركان، متهربين من دفع الضرائب للخزينة الأميركية. وتقول التقارير إن هبوعليم رصد مبلغ 189 مليون دولار، احتياطا لغرامات قد تفرض عليه لاحقا، كما أن بنك مزراحي طفاحوت رصد ميزانية أكثر من 44 مليون دولار للاحتمال ذاته.

وقد تفجرت قضية القانون الإسرائيلي من جديد، في خضم التحقيقات في شبهات الفساد ضد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، إذ تبين أنه في إسرائيل التي باتت دفيئة لمتهربي الضرائب، فإن المستفيدين الأساسيين من هذا القانون، هم بضعة أفراد من الأثرياء وعائلاتهم، وأن المستفيد الأبرز منه في هذه المرحلة هو الثري أرنون ميلتشين، المتورط بشبهة الفساد ضد نتنياهو المعروفة بكنية "الملف 1000". وقالت أنباء إسرائيلية إن نتنياهو يمنع في السنوات الأخيرة الغاء هذا القانون، ولذا هناك من يطالب الشرطة بالتحقيق في هذا الملف أيضا.

وأكدت سلسلة من التقارير الصحافية، وحتى تقارير شبه رسمية إسرائيلية صدرت بشكل دائم على مدى السنوات الماضية، أن إسرائيل باتت "دفيئة لمتهربي دفع الضرائب" من يهود العالم، الذين يستفيدون من قانون الاعفاء الضريبي المذكور. وتأجج الجدل الإسرائيلي حول هذا القانون، الذي لا يستفيد منه سوى بعض الأفراد مع عائلاتهم، على ضوء تقارير ومطالبات دولية من إسرائيل بوقف العمل بهذا القانون، الذي يقف حاجزا أمام تبادل المعلومات المالية لمحاصرة متهربي الضرائب في العالم.

ليئومي يتورط إسرائيليا

 وفي الأيام الأخيرة تبين أن كبار المسؤولين السابقين في لنك ليئومي سيخضعون لتحقيقات في وحدة الشرطة الخاصة، بأمر من المستشار القانوني للحكومة الإسرائيلية، بصفته المدعي العام الأعلى، في اعقاب استنتاجات وحدة خاصة في الشرطة أجرت فحصا لاحتمال أن يكون بنك ليئومي قد ساعد متهربي ضرائب إسرائيليين. وكان المستشار القانوني السابق للحكومة يهودا فاينشتاين قد شكّل في مطلع العام 2015 لجنة خاصة لفحص احتمال أن يكون بنك ليئومي متورطا ايضا في مساعدة متهربي ضرائب إسرائيليين، في فروع البنك في الخارج. وفي الأشهر الأخيرة، طلب المستشار القانوني الحالي للحكومة أفيحاي مندلبليت من سلفه فاينشتاين، أن يرأس طاقما ليبلور استنتاجات لجنة الفحص، وقد أوصى الطاقم في نهاية المطاف بإجراء تحقيق في الشرطة مع كبار مسؤولي بنك ليئومي السابقين، الذين غادروا مناصبهم خلال السنوات الثلاث الماضية تباعا.

يذكر في هذا المجال أنه مع استقالة المسؤولين إياهم، تكشفت أمر حصول بعضهم على تعويضات ومكافآت مالية أكثر مما يستحقون، وتم التوصل إلى اتفاق حل وسط، أقرته محكمة الشؤون الاقتصادية، ومن بين ما اتفق عليه، أن تعيد المديرة العامة لبنك ليئومي غاليا ماؤور 6ر2 مليون شيكل (ما يعادل حاليا 722 ألف دولار) لخزينة البنك، وأن يعيد الرئيس السابق لمجلس الإدارة إيتان راف 7ر1 مليون شيكل، ما يعادل 472 ألف دولار.

وبعد تكشف قضية التحقيقات المزمع اجراؤها، ظهرت انتقادات للمماطلة في الفحص وصدور قرار التحقيقات ضد المسؤولين السابقين في بنك ليئومي، خاصة وأن الحديث يجري عن أموال الجمهور، التي يشتغل بها البنك، الذي قد يحوّل عبء الغرامة على أصحاب الأسهم، رغم أن من ورط البنك بها هم المسؤولون في ادارتهم للبنك.

ويقول المحلل الاقتصادي عيدو باوم، في مقال له في صحيفة "ذي ماركر"، إنه بعد ثلاث سنوات على تفجر قضية بنك ليئومي أمام السلطات الأميركية، وبعد عامين ونصف العام على تعيين طاقم فحص لمنهج إدارة البنك، ورغم دعوى مدنية ضد مسؤولي البنك السابقين بشأن تعويضاتهم ومكافآتهم، فإن المستشار القانوني للحكومة، مندلبليت، لا يروي شيئا للجمهور العام. ولم يقل: ما هي الشبهات بالضبط؟ ومن هم المتورطون بمساعدة متهربي ضرائب، خلال فترة المديرة العامة غاليا ماؤور؟، وغيرهما من الأسئلة التي لا يجيب عليها المستشار.

ويشدد باوم على أن كل ضرر سيتكبده البنك سيعود بالضرر على أصحاب الأسهم فيه، ولذا فإن الجمهور هو جزء هام من القضية ومن حقه أن يعرف ما يجري.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات