تُصادف هذا الشهر ذكرى مرور 30 عاماً على انعقاد مؤتمر مدريد للسلام في الشرق الأوسط (30/10- 1/11/1991) والذي شارك فيه بنيامين نتنياهو عندما كان يشغل منصب نائب وزير الخارجية الإسرائيلي. ولا شك في أن العودة إليه وإلى ما تلاه من تطوّرات وصولاً إلى أيامنا الراهنة، من شأنها أن تُوضّح بعض ما يمكن وصفه بأنه ثوابت موقف إسرائيل حيال عملية التسوية التي ترمي إلى أن تحققها لقضية صراعها مع الفلسطينيين.
بيد أن هذه الوقفة تأتي، على وجه التحديد، في سياق نفض الغبار عن السردية الإسرائيلية الأكثر تداولاً لهذا المؤتمر من جهةٍ، وأيضاً من أجل تأصيل طرائق المقاربة والتأويل لما شهده المؤتمر من مُقدّمات ووقائع من جهةٍ ثانيةٍ.
ولعلّ أول ما يتعيّن التنويه به بهذا الصدد هو حقيقة أن إسرائيل أرغمت على المشاركة في هذا المؤتمر في حينه، بعد أن هدّد الرئيس الأميركي في ذلك الوقت جورج بوش الأب رئيس الحكومة الإسرائيلية آنذاك إسحق شامير بعدم منحه ضمانات لازمة لقروض طلبتها حكومته، ما يعني أن هذا الأخير كان رافضاً لعقده أصلاً. في الوقت نفسه يتعيّن أن نتوقف ولو بإيجاز أمام ما يلي: بدايةً نجمت معارضة إسرائيل لعقد مؤتمر دوليّ للسلام، كما يؤكد مقربون من شامير، عن حقيقة أن فكرة المؤتمر الدولي كانت فكرة عربيّة بالأساس، يُراد منها أن يُصار إلى تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 242 والذي، وفقاً لقراءة إسرائيل، يتحدث عن الانسحاب من أراضٍ محتلة (منذ العام 1967)، وحدود آمنة ومعترف بها، وحل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين.
باتت احتجاجات الأطباء في إسرائيل طقساً سنوياً تقريباً. كل احتجاج ومطالبه: تقصير ساعات العمل (مناوبات)، تغيير ظروف العمل، زيادة الأجور وما إلى ذلك. لكن جميع الاحتجاجات ذات قاسم مشترك واحد: الاستنزاف المهني.
يُعرَّف التآكل بأنه حالة من الإرهاق العقلي، والذي ينتج عن الإجهاد المستمر الناتج عن الشغل المهني. ويعاني العديدون من الإرهاق المهني في عالمنا، لكنه يشتدّ بشكل خاص بين أصحاب المهن التي تقوم على مُثُل الإيثار والتضحية الشخصية، مثل الطب. ولا يقتصر استنزاف الأطباء على إسرائيل وحدها. إنه يتفاقم في جميع أنحاء العالم الغربي، ويهدّد استقرار الأنظمة الصحية حتى في الفترات التي يتم فيها إصلاحها.
حتى الآن، تقوم هيئة حكومية إسرائيلية مؤلفة من وزراء بدور يمكن وصفه بالرقيب الأعلى، وهي صاحبة القرار الأخير في تقرير مصير ملفات ووثائق أرشيفية، انتهت مدة التكتّم عليها وفقاً للقانون. ويقول تقرير جديد لمعهد "عكيفوت"، الذي ينشط ضد فرض "السريّة" على وثائق ومعلومات أرشيفية حان وقت كشفها، إنه تم تفويض لجنة وزارية خاصة، برئاسة وزير العدل، للمصادقة على قرارات أرشيف الدولة الرسمي بمنع الكشف عن المواد الأرشيفية التي انقضت "فترة تقييدها"، والتبرير: أسباب تتعلق بالأمن القومي أو العلاقات الخارجية.
لسنوات طويلة خلت، كان الحديث عن حل الدولتين، أو شعار "دولتين لشعبين"، محورا للصراع والمواجهات السياسية والفكرية، بين من يسمون أنفسهم أنصار السلام في إسرائيل أو قوى اليسار عموما، ومعارضيهم من الأحزاب اليمينية ودعاة أرض إسرائيل الكاملة. وبدا أن القبول بدولة فلسطينية تعيش إلى جانب إسرائيل، وبصرف النظر عن طبيعة هذه الدولة وحدودها ومدى تمتعها بالسيادة أم لا، من المستلزمات الضرورية لإظهار الرغبة في السلام، حتى أن بنيامين نتنياهو اضطر لمجاراة هذا الميل في خطابه الشهير بجامعة بار إيلان. ولكن مع الوقت، ومع استقرار حكم اليمين في إسرائيل، والتغييرات العملية على أرض الواقع نتيجة توسيع الاستيطان والزيادة المطردة في أعداد المستوطنين، تراجع هذا الشعار تدريجيا، وخبا بريقه حتى لدى من يصنفون أنفسهم على أنهم "قوى السلام" في إسرائيل، فغاب عن المعارك الانتخابية الأخيرة، إلى حد الجهر بمعارضته الصريحة من قبل رئيس الحكومة الحالي نفتالي بينيت.
الصفحة 175 من 859