نجح الائتلاف الحاكم في إسرائيل، في الأيام الأخيرة، في اجتياز أزمة ليست سهلة، فتحت العديد من الملفات الخلافية في عمل الحكومة، إذ دار خلاف على مشروع قانون ينظم مسألة الزيادات في رواتب تقاعد العسكريين، وهو ما عرض الموضوع للمناقشة العامة، حول المستويات العالية لهذه الرواتب. وقد تعطل عمل الحكومة البرلماني في الأسبوع الماضي، ولم تستطع الحكومة تمرير أي قانون، بسبب مقاطعة كتلة "أزرق أبيض" التي يتزعمها وزير الدفاع بيني غانتس، لجلسات التصويت، وهذا الخلاف الذي انتهى كما يبدو، طرح من جديد مستقبل الحكومة الحالية.
وقد كان في مركز الخلاف مستويات الرواتب التقاعدية العالية للمتقاعدين العسكريين، والزيادات التي يتلقونها، وفي الغالب فإن الزيادات تتم بقرارات إدارية من قائد هيئة الأركان، ليتضح للحكومتين السابقة والحالية أنها ليست قانونية، فجاء مشروع القانون الحكومي ليقونن هذه الزيادة، ويزيد عليها أيضا.
وقد استغلت كتلتا العمل وميرتس الخلاف على هذا القانون، لتشترط موافقتهما عليه بأن توافق الحكومة على تعديل مشروع قانون زيادة راتب الحد الأدنى في إسرائيل، ليكون أعلى مما اتفق عليه مع اتحاد النقابات العامة، الهستدروت، وهو رفعه من 5300 شيكل حاليا، إلى 6 آلاف شيكل، على 5 دفعات تنتهي مع نهاية العام 2025. وترى أوساط عديدة، أن هذه الزيادة ليست جدية، وسيتآكل وزنها مع تقدم السنين، وارتفاع وتيرة التضخم المالي.
وأمام عدم قدرة الحكومة على تمرير قانون العسكريين، قررت كتلة "أزرق أبيض" بزعامة غانتس مقاطعة جلسات التصويت في الكنيست طوال الأسبوع الماضي، ما ألزم الحكومة بسحب مشاريع قوانينها لفقدانها الأغلبية، في حين مررت المعارضة عدة قوانين بالقراءة التمهيدية، ولكن هذه من شأنها أن تسقط في مسار التشريع، في اللجان والهيئة العامة للكنيست، في حال عاد تماسك الائتلاف.
في ظل هذا، فإن كتلة "القائمة العربية الموحدة" احتجت على سحب قانون حرمان العائلات الفلسطينية من لم الشمل، من لجنة الداخلية البرلمانية، التي يترأسها عضو القائمة وليد طه، وتحويل القانون لمعالجته في لجنة الخارجية والأمن. وقد هددت القائمة بعدم التصويت مع مشاريع الحكومة في الكنيست، إلا أنها سارعت إلى التراجع عن موقفها.
وفي خضم هذه الأزمة، قرر الوزير من دون حقيبة إيلي أفيدار، من كتلة "إسرائيل بيتنا"، الانسحاب من الحكومة والعودة إلى صفوف كتلته البرلمانية، بدون أن يهدد بالتمرد على الائتلاف الحاكم، وذلك احتجاجا على عدم توليه حقيبة فعلية. وهاجم أفيدار رئيس حكومته نفتالي بينيت، وقال إنه لا يتقدم في أي اتجاه، بل يواصل نهج سلفه بنيامين نتنياهو، "الذي تربى على أحضانه"، حسب تعبيره.
وهذا كله، فتح من جديد سؤال مستقبل الحكومة، فهل باتت تعد أيامها، أو أسابيعها؟ الغالبية الساحقة جدا من المحللين رأت أنه من السابق لأوانه الحديث عن نهاية هذه الحكومة، إلا أن ما حصل يؤكد أن هذا الائتلاف هش، مليء بالأزمات الداخلية والتناقضات بين أطرافه. ولكن في المقابل، وكما يُقال طيلة الوقت، فإن جميع مركّبات الحكومة على وعي كامل بأن حل هذه الحكومة سيتسبب في خسارة جميع الأحزاب المشاركة في الائتلاف، في الانتخابات المقبلة وبعدها، إما على مستوى القوة البرلمانية، أو على مستوى المكانة في الحكم، حتى للأحزاب التي قد تحقق تقدما في قوتها البرلمانية.
رواتب تقاعد العسكريين
تثور قضية رواتب العسكريين في الجيش النظامي الثابت، وليس المجندين في الخدمة الإلزامية، تقريبا في كل موسم معالجة الموازنة العامة، في الحديث عن ميزانية الجيش التي تزداد سنويا بنسب أعلى من النسبة العامة التي ترتفع فيها باقي بنود الميزانية. إذ أن الجدل حول ميزانية الجيش لا يتطرق أبدا لميزانيات التسلح والجهوزية العسكرية، بل إلى رواتب وامتيازات الجنود، التي هناك من يرى أنها زائدة عن كل حدود.
أقر الكنيست في الأيام الأخيرة رفع مخصصات جنود الخدمة الإلزامية، على ثلاثة مستويات: الجنود القتاليون، والجنود في الجبهات المختلفة، والجنود في السلك الوظيفي أو المساعد الخلفي. وهي تبقى مخصصات معيشة وليست رواتب.
أما القانون الذي يجري الحديث عنه، والذي من المفترض أن يدخل مسار التشريع في هذه الأيام، فهو يقونن حالة قائمة في الجيش ويزيد عليها. بحسب القانون فإن سن التقاعد من الخدمة النظامية هو 46 عاما، ويتقاضى المتقاعد 61% من معدل راتبه غير الصافي، وهو حوالي 17.3 ألف شيكل، أي ما يعادل حوالي 5390 دولار، خاضع للضريبة.
لكن هناك بند في النظام التقاعدي، يسمى "زيادة رئيس الأركان"، من أجل رفع الراتب غير الصافي بنسبة 9%، والقانون الجديد يطلب أن تكون 16%. ويقول الجيش إن هدف هذا القانون هو تشجيع من يتركون الجيش في جيل مبكر، وعادة من الأجيال الشابة في سنوات الثلاثين، على الاستمرار في الخدمة حتى عمر 46 عاما، لأن من هؤلاء من يمتلكون خبرة ومهنية في مجالات مهمة للجيش، ومن بينها التقنية العالية وغيرها. وهذه الزيادة ستكلف الميزانية العامة سنويا حوالي 1.1 مليار شيكل، أي ما يعادل 344 مليون دولار.
وقد شرع الجيش في حملة بين أعضاء الكنيست لدعم هذا القانون، لعدم الاعتراض عليه. وعلى الأغلب سيكون من الصعب على المعارضة البرلمانية اليمينية أن تعترض على قانون كهذا، لأن الحديث عن "البقرة المقدسة"، أي عن الجيش والجنود، في الساحة الإسرائيلية.
الاستعجال في ميزانيتي 2023 و2024
كما يبدو، في سعي من الائتلاف لحماية نفسه من التفكك، فإنه يسارع إلى تفكيك واحدة من القنابل الموقوتة الأهم التي قد تكون في طريقه. وهذا ما يمكن فهمه مما جاء على لسان مصادر في وزارة المالية لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، التي قالت إنه في الأيام القليلة المقبلة، سيتم عرض الخطوط العريضة وهيكلية ميزانية العامين المقبلين 2023 و2024 على وزير المالية أفيغدور ليبرمان، على أن تقرها الحكومة في شهر أيار المقبل، وأن تُقر بالقراءة الأولى في أواخر شهر أيلول المقبل، وبعدها بشهر يتم إقرار الميزانيتين كليا.
وبحسب ما نشر، فإن هذه رغبة ليبرمان ومعه قادة الحكومة في سعي لضمان استمرار الحكومة حتى انتهاء ولايتها في خريف العام 2025، إذ إنه من المفترض أن يتم التناوب على رئاسة الحكومة بين نفتالي بينيت وخلفه يائير لبيد يوم 23 آب العام 2023.
وحسب قادة الحكومة فإن إقرار الميزانية يساعد بقدر كبير على استمرار الحكومة، وعدم إغراق الدولة بفوضى اقتصادية، كما حصل في العام 2020، الذي مرّ لأول مرة منذ 72 عاما من دون ميزانية مقررة، في حين أن ميزانية 2021 تم إقرارها في نهايتها.
إلا أن التجارب أثبتت أن إقرار ميزانية بوقت مبكر جدا، يكون على أساس طرح ميزانية تقشفية، أو بشد الحزام أكثر، وهذا ما يضر بميزانيات الوزارات الاجتماعية على وجه الخصوص.
فعلى سبيل المثال، أقرت الحكومة ميزانيتي العامين الماضي والجاري على أساس تقديرات اقتصادية سيئة، مثل عجز في العام 2021 بنسبة 6.7%، ليظهر أنه أقل من 5% فعليا، وكذا كما يبدو في العام الجاري. كما أنه كان في تقديرات وزارة المالية أن يكون نمو العام الماضي بنسبة 7%، إلا أن النمو حسبما أعلن في هذا الأسبوع المنتهي كان في العام الماضي 8.1%.
والمفارقة، هو أن يائير لبيد الذي كان وزير مالية في حكومة نتنياهو القصيرة، 2013- 2015، كان معارضا جدا لإقرار ميزانية مزدوجة، إلا أنه في ظل هذه الحكومة، ولأجل ضمان منصبه المستقبلي، فإنه يدعم هذا النمط النادر جدا في العالم، في إقرار ميزانيات الدول.
النمو الاقتصادي ودور الحكومة
أعلن مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي، في الأيام الأخيرة، أن النمو الاقتصادي سجل في العام الماضي 2021 ارتفاعا بنسبة 8.1% وهي نسبة فاقت أعلى التوقعات الرسمية والعالمية للاقتصاد الإسرائيلي، التي كانت 7.1%، إلا أن هذا حصيلة نشاط اقتصادي بعيد عن الشارع نسبيا، إذ إن مؤثراته الأكبر هي الصادرات والارتفاع الحاد في شراء السيارات الجديدة، وغيرها. ويقول المحلل سيفر بلوتسكر إنه ليس للحكومة الحالية أي دور أساس في هذه الحصيلة الاقتصادية، التي احتفل بها قادة الحكومة.
وحسب تقرير مكتب الإحصاء المركزي، فإن الربع الأخير من العام الماضي، سجل نسبة نمو غير مسبوقة، 16.6%، عكست نفسها على حصيلة النمو العام، في حين أن الاستهلاك الفردي، في نهاية العام، سجل هو أيضا ارتفاعا بنسبة 19.2%، وجزء من هذا الارتفاع الحاد، يعود إلى ارتفاع شراء السيارات الجديدة، التي تجاوز عددها العام الماضي 300 ألف سيارة، كما أن الصرف الحكومي ارتفع هو الآخر بنسبة 17.3%، بسبب إقرار الموازنة العامة للعام الماضي، ما جعل الوزارات تصرف بناء على الميزانية المقررة، وليس بناء على حجم ميزانية العام 2019.
وارتفعت الاستثمارات الأجنبية بنسبة 14.1%، في حين أن مردود الصادرات إلى الخارج سجل ارتفاعا بنسبة 26.3%، على الرغم من انهيار سعر صرف الدولار وباقي العملات العالمية أمام الشيكل بنسبة 5.5%، خاصة في الربع الأخير من العام الماضي.
ويشار إلى أن النمو في العام قبل الماضي، 2020، سجل انكماشا (تراجعا) بنسبة 2.2%؛ وبما أن نسبة التكاثر السكاني في العامين الماضيين معا، لم تتجاوز نسبة 3.7%، فإن الحصيلة العامة للنمو في العام الماضي 2021، استطاعت أن تعوض عن انكماش العام الذي سبق، وتتجاوز نسبة التكاثر السكاني معا.
كذلك أعلن مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي أن نسبة البطالة حتى نهاية شهر كانون الثاني الماضي تراجعت إلى 5.6%، في حين أنها كانت في نهاية الشهر الذي سبق، كانون الأول، وعمليا نهاية العام 2021، بنسبة 6%.
ويقول التقرير إن عدد المحرومين من العمل حتى نهاية كانون الثاني كان حوالي 244 ألف عامل وعاملة. وأيضا بحسب ذات التقرير، فإن البطالة من دون تأثير جائحة كورونا 3.7%، يضاف لهم 1.9% معطّلين عن العمل بفعل تأثيرات جائحة كورونا على الاقتصاد، وبشكل خاص على قطاع السياحة بشكل عام، والسياحة إلى البلاد، والسياحة الداخلية بشكل خاص، وأيضا قطاع الاستضافة والمطاعم وغيرها.
ويقول المحلل الاقتصادي في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، إن حصة فرد في اسرائيل من الناتج العام، تجاوز في السنة الماضية حاجز 50 ألف دولار، وبلغ 51.5 ألف دولار. وهذا حلم اقتصادي تحقق. ولكن لمن الفضل؟ فرئيس الحكومة ووزير المالية يعزوان الانجاز لنفسيهما، إلا أن لحكومة بينيت- لبيد - ليبرمان مساهمة طفيفة للنتيجة الرائعة، وليس فقط لأنها بدأت بالتأثير اقتصاديا فقط مع إقرار الميزانية في تشرين الثاني.
ونشير هنا إلى أن تراجع سعر صرف الدولار أمام الشيكل، ساهم في هذه النتيجة العالية لحصة الفرد من الناتج بالدولار، بينما الارتفاع بالشيكل هو بنسبة أقل، حسب التقديرات.
وحسب بلوتسكر، فإن ما رفع الاقتصاد الاسرائيلي إلى مستويات عالية كانت سياقات متعددة السنين، على رأسها انتهاء الانتفاضة الثانية، وهاكم المعطيات: من 2009 وحتى 2021 ارتفع الناتج العام الحقيقي في إسرائيل بنسبة 60%، وهذا يشمل نمو العام الماضي بنسبة 8.1%. وتيرة نمو الاقتصاد كله كانت نحو 4% سنويا، ونمو القطاع التجاري نحو 4.5% في السنة. الناتج للفرد نما في الفترة كلها بنسبة 30% تقريبا. وإنتاجية العمل، التي تقاس بالتغيير في الناتج لساعة العمل، نمت بنسبة 3% سنويا. ومن العام 2016 وحتى 2021، رغم كورونا، تسارع النمو في إنتاجية العمل إلى نسبة 3.5% سنويا.
كما أن الأجر الحقيقي لوظيفة العامل الأجير ارتفع من 2009 بنسبة 26%. وفي فرع البناء ارتفع حتى بنسبة 33%. وفي فروع الضيافة والمطاعم بـ 26.4%، وفي التجارة بـ 21%.
ويقول بلوتسكر: "يعزو الناطقون بلسان الحكومة النمو الاقتصادي في 2021 إلى شكل معالجتهم لكورونا في الأشهر الأخيرة: بدون إغلاقات وفي ظل استخدام الأداة سيئة الصيت التي تسمى "العدوى الجماعية". وبخيبة أملهم، فإن أحدا لا يشتري تربيتهم الذاتي على الكتف. لا توجد في الإعلام العالمي مقالات ثناء وإعجاب بإسرائيل. بل يوجد الكثير من التساؤلات" عن حقيقة وضع الاقتصاد الإسرائيلي.
ويختم بلوتسكر أن "حكومة بينيت عالجت متحور دلتا لكورونا بحملة تطعيمات وبقيود متشددة. ولم تواصل الطريق ذاته في معالجة الأوميكرون أيضا. فليس لديها الآن ما تتبجح به".
المصطلحات المستخدمة:
يديعوت أحرونوت, الشيكل, لجنة الخارجية والأمن, الهستدروت, الكنيست, بنيامين نتنياهو, يائير لبيد, نفتالي بينيت, أفيغدور ليبرمان