"لم يكن دانيال على اتصال مع والديه المُقيمين في روسيا.... إذا تقرّر دفنه في البلاد؛ نطلب من كل شعب إسرائيل أن يأتي ويُقدّم له التحية الأخيرة!"- هكذا عقّب نوعام أفيتال، رئيس مجموعة "أناس طيبون من أجل جنود منفردين"، على مقتل الجندي دانيال فوكسوف (24 عاماً) الذي يحمل الجنسية الروسية، ووصل حديثاً إلى إسرائيل لتأدية "الخدمة العسكرية" بدون علم والده، وعمل ضمن وحدة الكلاب التابعة للجيش الإسرائيلي، قبل أن يلقى حتفه في حادث سير قبل عدّة أيام. وما يُثير الغرابة حقاً هنا، ليس الحادثة بعينها، وإنّما التعبير الذي يظهر في الإعلام الإسرائيلي بين الفينة والأُخرى: "الجندي المُنفرد".
بالإضافة إلى المحاولات الحثيثة التي من المتوقع أن تبذلها المعارضة خلال الدورة الحالية للكنيست الإسرائيلي والتي بدأت قبل أسبوع، والرامية إلى زعزعة استقرار حكومة بينيت- لبيد، على خلفيات شتيتة، ستشهد هذه الدورة أيضاً إقرار الميزانية الإسرائيلية العامة بالقراءتين الثانية والثالثة، وذلك حتى منتصف تشرين الثاني المقبل.
ولا شكّ في أن الكلام حول الميزانية العامة من شأنه أن يحيل، على نحوٍ مباشرٍ، إلى ما يرتبط بسياسة الحكومة الإسرائيلية في المجالين الاقتصادي والاجتماعي، وفيما إذا كانت هذه السياسة تنطوي على تغيير جوهري مغاير عما هو متبع منذ عدة عقود من سياسة تدور في فلك النيوليبرالية. ولعلّ من أبرز معالم هذا الدوران، حسبما تؤكد دراسات العديد من المختصين والخبراء، التخلّي أكثر فأكثر عن برامج الرفاه والإعانات التي تقدمها الدولة بحجّة تعزيز الحوافز التي تشجع الفقراء على الانخراط في سوق العمل، وخفض الضرائب ولا سيما التي تُفرَض على الشركات وعلى ذوي الدخل المرتفع من أجل تشجيع الأغنياء على البقاء في البلد، وتحرير أسواق العملات الأجنبية بغية تمكين الشركات العالمية من ممارسة قدر أكبر من النفوذ وزيادة قدرتها على تحقيق الأرباح في السوق المحلية، وخصخصة أصول الدولة ووضعها في أيدي القطاع الخاص وإزالة القيود التي كانت مفروضة على القطاع الخاص.. وما إلى ذلك.
إن منظر أكوام الطوب والإسمنت والحديد الصدئ المُلوّى والخشب الذي تفتتت أطرافه، التي تتناثر وسط فضاءات المنظر الطبيعي الوعري، لا بد أنه قد جرح أعين كثيرين وكثيرات. حيثما توجّه المرء يصطدم به، وخصوصاً فيما تبقى من أحزمة خضراء ضيقة حول البلدات العربية الفلسطينية في إسرائيل، التي تتلوث على نحو معتاد بمخلفات البناء أو ما يعرف بالنفايات الصلبة؛ هذه البلدات التي ضاقت مساحاتها بفعل وصول التوسع العمراني الى نهايات حدوده التي يرسمها قانون التخطيط والبناء، والتي انسدّ أفقها بسبب عمليات مصادرة الأراضي المتتالية، والسيطرة على الأراضي العامة وحجبها بمعظمها الساحق عن المواطنين العرب.
فيما يلي حقيقة يجب أن تزعجنا: ما يعادل نصف القوى العاملة في إسرائيل، أي حوالي 1.9 مليون عامل وموظف، يكسبون حالياً أقل من 40 شيكلاً في الساعة. وهذا يعني أن ما يقارب نصف العمال والموظفين في إسرائيل، إذا كانوا يعملون بدوام كامل (42 ساعة في الأسبوع)، يُحضرون في نهاية الشهر راتباً لا يتجاوز 7280 شيكلا. هذا الراتب المتواضع يجب أن يشتمل على ما يلي: دفع إيجار الدار وضرائب الممتلكات البلدية، وشراء الطعام وسائر احتياجات البقالة، ودفع الكهرباء والماء، وتغطية تكاليف تعليم الأطفال. هذا ليس مبلغاً كبيراً من المال، ومع ذلك فإن حوالي نصف العاملين في إسرائيل يكسبون أقل من ذلك.
الصفحة 178 من 859