فتحت الحرب الحالية ضد غزة الأبواب أمام التيار الديني القومي الأكثر تطرفا، أي التيار الحردلي، ليحتل مكانة أكثر بروزا داخل الجيش الإسرائيلي. فاستدعاء أكبر قدر من جنود الاحتياط، والدخول في حالة الحرب، وتجهيز أكثر من 600 "لجنة تأهب" مسلحة في مدن، وأحياء، وبلدات إسرائيل، بالإضافة إلى التجنيد الكامل للإعلام، ومؤسسات الدولة- كل ذلك رفع من مكانة الجيش الإسرائيلي في الحيز العام ليتحول إلى اللاعب الأبرز والموجود في كل مكان من الحياة اليومية في إسرائيل. ويمكن ملاحظة أن التيار الحردلي استفاد من حالة التجييش العامة وبدأ صوته، وثقافته، وأفكاره تظهر بشكل أكثر داخل فرق الجيش، وأحيانا بدون انتقادات.
غيّرت أحداث السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، والحرب على قطاع غزة، من التوجهات السياسية للمجتمع الإسرائيلي عموما، وأنماط التصويت على وجه الخصوص، على الأقل كما تبين استطلاعات الرأي العام التي نشرت في الفترة الأخيرة. تحاول هذه الورقة تحليل أهم التغيرات في المواقف السياسية، لا سيّما الانتخابية لدى الشارع الإسرائيلي من خلال الاعتماد على مجموعة من استطلاعات الرأي العام المنشورة التي حاولت أن تفحص ذلك. وتعتمد الورقة على هذه الاستطلاعات مع العلم والحذر في الوقت نفسه بأن الاستطلاعات تعبّر عن المزاج السياسي العام في هذه الفترة، وعلى الرغم من أهميتها كمؤشر مهم لفهم التوجهات المستقبلية بعد الحرب، فإنها لا تكفي بالضرورة لاستشراف المستقبل، المتعلق بمتغيرات عديدة قد تؤثر على المواقف والتوجهات العامة.
سعى محافظ البنك المكزي في إسرائيل أمير يارون، في مؤتمر لصندوق النقد الدولي عقد في الولايات المتحدة الأميركية قبل أيام، لطمأنة العالم بشأن ما وصفه "متانة الاقتصاد الإسرائيلي"، إلا أن أسواق المال العالمية تراقب قلقا تجاه إدارة الاقتصاد الإسرائيلي، بحسب تقارير إسرائيلية، كما حذر محللون من أن سوء إدارة حكومة بنيامين نتنياهو ووزير ماليته بتسلئيل سموتريتش للاقتصاد، سيخفض مستوى الثقة العالمية بالاقتصاد الإسرائيلي، وفي الوقت نفسه ازداد طرح سؤال: من أين سيأتي التمويل لهذه الحرب بمختلف جوانبها؟ في المقابل، فإن التقارير الجديدة تشير إلى اتساع البطالة، إذ تم إخراج حوالي 120 ألف عامل وعاملة إلى البطالة بفعل الحرب.
جرت العادة أن تتسابق الدول والجيوش على عقد صفقات لشراء واقتناء الأسلحة والمعدّات العسكرية أو إلغاء عقد بعضها في أعقاب الحروب والمواجهات العسكرية، حيث تُختبر هذه الأنظمة والأسلحة بشكلٍ حقيقي بعيداً عن الاختبارات التجريبية. وقد أشرنا في مساهمة سابقة حول منظومة الدفاع الخاصة بالدبابات الإسرائيلية- "معطف الريح"[1] - إلى أن التقنيات العسكرية والأمنية الإسرائيلية شكّلت على مدار العقود الأخيرة "ذخراً لإسرائيل"، التي استطاعت بسببها أن تتقدّم الصفوف في قائمة الدول المصنّعة للأسلحة والتقنيات العسكرية والأمنية، كما أشرنا إلى أنها تنفرد- دون غيرها- في القدرة على اختبار وتجربة وتطوير الأسلحة، والتقنيات (الأمنية على وجه الخصوص كالتجسّس والتنصّت والمراقبة) إلى جانب التقنيات الدفاعية من التهديدات الصاروخية (التي سنتناول إحداها) بسبب طبيعتها العسكريتارية واستمرار احتلالها للأراضي الفلسطينية والسيطرة على الجزء الأكبر من الشعب الفلسطيني في حدود فلسطين الانتدابية بشروط مختلفة.
الصفحة 90 من 883