قال تيودور هرتسل، مؤسس الحركة الصهيونية الحديثة، في رسالة كتبها لخلفه قبيل وفاته عن اربعة واربعين عاماً، في العام 1904: <لا ترتكب اي اخطاء غبية بعد مماتي!>. كانت تلك ملاحظة للاغاظة فقط وانا اذكرها هنا لأن مشروع هرتسل كان المشروع الاكثر غرابة والاكثر صعوبة من بين كل مشروعات الدول القومية الجديدة الاخرى في القرن التاسع عشر، لانه ان كان هناك مشروع قومي يمكن له ان يفرز الاخطاء الغبية بسبب تعقيداته وما يحيط به من غموض فهو مشروع هرتسل.كانت الصهيونية مشروعاً قومياً لا يشبه اي مشروع آخر في اوروبا او خارجها. فقد كان يتضمن الاستعمار في غياب وطن او بدون دعم قوة حكومية. كان مهمة صعبة بأقل وصف ممكن في بلد قاحل بدون موارد طبيعية ولا عوامل جذب للتمويل. وكان احد اصدقاء هرتسل قد طلب النصيحة من سيسل رودس الامبريالي البريطاني الكبير. وكان جواب رودس: <قل للدكتور هرتسل ان يضع المال في جيبه!>. لم يكن لدى هرتسل الا القليل من المال. وذات مرة كتب يقول: <السر الذي اخفيته عن الجميع هو انني اتزعم حركة من المتسولين والحمقى>.
ليست هذه هي المرة الاولى التي يقف فيها حزب الليكود، بعد فوز انتخابي كبير، أمام التحدي أو الإغراء المثير بتطبيق ما ينادي به الحزب من أهداف وشعارات. وبعبارة اخرى: هل يجرؤ الليكود الآن، بعدما أجهز على اتفاق اوسلو نهائياً، وألحقَ هزيمة ماحقة بأجندة اليسار، على ترجمة ما حفلت به دعايته الانتخابية من شعارات ومواقف سياسية؟جميع الدلائل، وليس في ذلك مفاجأة، تشير الى أن الليكود سيتهرب في هذه المرة أيضاً، من هذا التحدي وسيتملص بألف ذريعة من لحظة الحقيقة المخجلة، اللحطة التي يتعين فيها عليه الوقوف لوحده وراء دفة القيادة ليجسد اللغو الخطابي الذي يتشدق به (الليكود) منذ ما يربو على الثلاثين عاماً. ففي هذه الحقيقية سيتبين، كالمعتاد، أن المهمة غير قابلة للتنفيذ، ذلك لأن الليكود يفتقد في الواقع الى اجدنة خاصة ذات احتمالات للتحقق على أرض الواقع.
يذكر أعضاء الكنيست الليكوديون القدامى جلسات لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست في العام 1994، التي حارب فيها وزير الخارجية شمعون بيرس من أجل كسب ثقة أعضائها، بصحة إتفاق "غزة أريحا أولا". الليكوديون الشّكّاكون سألوا وزير الخارجية: "وماذا سيحدث لو أن الفلسطينيين أطلقوا قذائف الكاتيوشا على أشكلون؟". "سندوسهم مثل القمل"، أجاب بيرس بحزم، وجسّد طريقة تطبيق ذلك بحركة من أصابعه. مع الأيام، تحققت نبوءة نواب اليمين التشاؤمية، ووقف بيرس على رأس مجموعة الوزراء التي حاولت قدر الامكان لجم الحملات العسكرية التي بادر إليها الجيش الاسرائيلي، كرد على الصواريخ من غزة.هذا التذكير مقدم كخدمة لبيرس لتوضيح الانطباع السيء الذي يثيره، في سعيه لإقناع زملائه في الحزب بالانضمام مرة أخرى إلى حكومة برئاسة أريئيل شارون. من المؤسف قول ذلك، لكن بيرس يبدو كمن أصيب بعوارض الظاهرة المعروفة عند السياسيين الذين حققوا البطولات: هم لا يعرفون متى عليهم التوقف، هم لا يشعرون بأن تصرفاتهم تبدو فجأة منقطعة عن الواقع؛ لا تتحدث ثانية إلى القلب ولا تثير الاحترام كما كانت تفعل.
زار مستشار رئيس الوزراء الاسرائيلي لشؤون الأمن القومي، افرايم هليفي، في نهاية الاسبوع الماضي، العاصمة الامريكية واشنطن، والتقى مع كبار الموظفين في الادارة الامريكية، وبضمنهم مستشارة الأمن القومي كونداليسا رايس، ومساعد وزير الخارجية ريتشارد أرميتاج، وكبار المسؤولين في الاستخبارات الأمريكية.
ودارت محادثات هليفي، رئيس "الموساد" السابق، حول خطط الهجوم الأمريكي على العراق. وقالت "هآرتس" التي اوردت النبأ (2 شباط) ان رئيس الحكومة الاسرائيلية ارئيل شارون كلّف هليفي بعرض موقف اسرائيل وتقديراتها المتعلقة بخطط الإدارة الأمريكية حيال الأزمة مع العراق.
الصفحة 829 من 860