في حين حذرت الصحافة الاسرائيلية من مغبة التصعيد في سياسة الاغتيالات التي تتبعها حكومة شارون بحق القادة والناشطين في المقاومة الفلسطينية، كما تمثل في اليومين الاخيرين باغتيال عدد من القادة والكوادر في المقاومة الاسلامية، واصلت اسرائيل الرسمية تهديداتها التي ارتفعت وتيرتها بعد عمليه حيفا الانتحارية (الاربعاء 5 آذار - وقد راح ضحيتها 16 اسرائيلياً)، بمواصلة ضرب <<قواعد الارهاب>> الفلسطينية، مؤكدة، على لسان وزير الدفاع الإسرائيلي شاؤول موفاز وعدد اخر من المسؤولين السياسيين والعسكريين، انه <<ليست هناك حصانة لقادة "الإرهاب"، وبالتحديد لقادة "حماس">>.
عندما زرت رام الله في الأسبوع المنصرم، كان مكسوة بوشاح ناصع البياض. حتى بعد عدة أيام مشمسة، بقيت مناطق واسعة مكسوة بغطاء من الثلج، ما أخفى آثار الاحتلال والدمار والخلاء. سافرت على مهل وتمتعت بالمنظر الهادئ، وفجأة، أثار اهتمامي بعض الفتيان رمقتهم بطرف عيني، ينحنون محاولين التقاط شيء ما، على الفور رأيت شيئا ما يُقذف على الزجاج الأمامي بقوة كبيرة. بعد برهة قصيرة عاودني الهدوء، لان هذا الشيء لم يكن حجرا بل كرة ثلجية.أومأت إلى الفتيان وردوا التحية بدورهم، وذلك رغم الرقم الأصفر الموجود على سيارتي. كانت هذه هي اللحظة المريحة الوحيدة التي شعرت بها أثناء زيارتي للمدينة. أتيت لسماع ما يقوله ممثلو الجمهور المدني في المدينة عن المخاطر المحدقة التي تحيق بالسكان الفلسطينيين فيما إذا هاجمت الولايات المتحدة العراق فعلا.
لم يكونوا واهمين، فمن بين الزعامة السياسية - العسكرية الإسرائيلية هناك من يخطط منذ زمن بعيد استغلال مثل هذه الحرب للقيام بأعمال لا يستطيعون القيام بها في الأوقات العادية. إن الكوابح الأخلاقية التي ما زالت موجودة لدى بعض فئات الشعب الإسرائيلي، تمنعهم حتى الآن من القيام بذلك، أضف إلى ذلك التخوف من رد الفعل الدولي المرتقب لمثل هذه الأعمال.
كل هذا يمكن أن يتغير في حال نشوب الحرب، فأنظار العالم ستتوجه إلى ما يحدث في العراق، ويمكن أن تسود الولايات المتحدة حالة من الفوضى، تبعد الأنظار عما يحدث في المناطق الفلسطينية. وستكتنف الجمهور في إسرائيل حالة من الخوف من قدرات صدام، ولذلك سيكون أقل اهتماماً (أقل مما هو عليه الآن!) تجاه مصير الفلسطينيين.
ماذا يمكن أن يحدث؟
القائمة طويلة وكل عنصر في هذه القائمة أسوأ من سابقه.
العمل الأول، المؤكد تقريبا، سوف يتم تنفيذ إغلاق ومنع تجول مستمرين على المناطق المحتلة. للفلسطينيين تجربة طويلة وقاسية في مثل هذه الحالات، التي تعني أنه خلال أيام وأسابيع لن يكون بإمكان المدن والقرى التزود بالأغذية والأدوية، وخاصة تلك القرى النائية والمنقطعة عن غيرها. هناك تخوف من قطع الكهرباء قطعا تاما وعزلها عن العالم. لن يستطيع المرضى الوصول إلى المستشفيات لتلقي العلاجات اليومية (مثل غسل الكلى ومعالجة السرطان)، وتلقي العلاج في حالات الطوارئ (مثل الجروح والولادة وما شابه ذلك.) في الكثير من الحالات يمكن أن تكون المسألة مسألة حياة أو موت.
يمكن للفلسطينيين أن يستعدوا لمواجهة بعض هذه المشاكل مسبقا. يمكن تزويد القرى بما تحتاجه من المؤن قبل وقوع الحدث.
من الواضح بالنسبة للفلسطينيين أن الحرب ستتيح لقوى الاحتلال إمكانية تنفيذ ما ينفذونه الآن يوميا ولكن بنطاق أوسع: تصفية النشطاء وغيرهم، هدم المنازل بالجملة، اقتلاع كروم الأشجار. من المستحيل التكهن بحجم ما يمكن أن تصل إليه هذه الأعمال.
إلا أن الكلمة التي تخيم على أجواء المناقشات والتفكير هي كلمة ترانسفير.
إن الترانسفير بمفهومه البسيط، هو طرد جماعي للشعب الفلسطيني كما حدث في عام 1948 وعام 1967، وفي حالة 2003 سيكون هذا الأمر أكثر قسوة فما من مكان يمكن أن يذهبوا إليه. سيغلق الأردنيون الحدود، وطرد حشود الفلسطينيين إلى الأردن سيكون بمثابة إعلان الحرب على المملكة الهاشمية. من الصعب الاعتقاد بان الأمريكيين سيسمحون لشارون بالقيام بذلك، في الوقت الذي يستخدمون فيه الأردن كإحدى قواعدهم في الهجوم على جارتها العراق. أما طردهم إلى لبنان فسيكون هو الآخر أمرا مستحيلا بدون خلق حالة حرب على الحدود الشمالية.
إلا أن هناك شكلا آخر للترانسفير: طرد الفلسطينيين من مكان إلى آخر داخل المناطق المحتلة ذاتها.
على سبيل المثال: طرد السكان من المدن والقرى المتاخمة للجدار الفاصل المزمع إقامته (قلقيلية، وطولكرم) إلى داخل الضفة الغربية (نابلس). لقد حدث ذلك من قبل، ففي حرب الأيام الستة أفرغ موشيه ديان أحياء كاملة من قلقيلية وطرد سكانها إلى نابلس. وقد بدأ هدم الأحياء فعلا. قمت آنذاك باستغلال نفوذي كعضو كنيست لاستدعاء شخصيات من قيادة الدولة وقد تم إيقاف العملية. تم إرجاع اللاجئين إلى المدن وبناء الأحياء من جديد. في الساعة ذاتها نقل السكان من طول كرم بالحافلات إلى جسور العبور على نهر الأردن.
هناك مثال آخر: تحيك عدة المستوطنات مؤامرة للاستيلاء على مناطق فلسطينية كثيرة متاخمة لها. فإذا استخدم المستوطنون سلاحهم لدب الرعب في القرى المجاورة، يمكن لذلك أن يتسبب في هرب جماعي على غرار دير ياسين.
من الواضح أن الكثيرين في القيادة الأمنية ينتظرون الفرصة بفارغ الصبر لإبعاد ياسر عرفات. "الإبعاد" معناه القتل، فلا أحد يؤمن بأن عرفات يمكن أن يتحرك من مكانه دون إبداء أية مقاومة. إذا كان الأمريكيون يسعون إلى "تغيير السلطة" في العراق ولا يخفون نواياهم في قتل صدام، فلماذا يُمنع شارون من ذلك؟
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل سيسمح الأمريكيون لشارون ولبعض حاشيته بالقيام بمثل هذه الأعمال أو بعض منها؟
ليست هناك إجابة قاطعة على هذا السؤال. المنطق يقول لا. فالأمريكيون لن يقبلوا بأن تعيقهم حكومة شارون أثناء الحرب. حتى بعد انتهاء هذه الحرب، سيكون من مصلحة الأمريكيين عدم احتدام النزاع بين إسرائيل والعرب. ستقيم الولايات المتحدة في العراق سلطة احتلال لسنوات طويلة. ولن تكون معنية بإثارة غضب العرب ضدها.
إلا انه شتان ما بين أمريكا والمنطق. لان للمجموعة الحاكمة الآن في الولايات المتحدة – مجموعة مختلطة من المتطرفين المسيحيين واليهود ذوي العلاقة باليمين المتطرف في إسرائيل – منطق خاص بها. إن من شأنها أن تشجع شارون وربما تدفعه إلى القيام بأعمال متطرفة. من الواضح أن كل الأعمال المذكورة آنفا تشكل جرائم حرب وفق معاهدة جينيف وسائر القوانين الدولية. وجزء منها يشكل انتهاكا للقانون الإسرائيلي أيضا، بكونها "أوامر غير قانونية واضحة وترفرف فوقها راية سوداء". ويمكن أن يجد منفذو هذه الأعمال أنفسهم، في يوم من الأيام، أمام محكمة دولية أو إسرائيلية، والوقت هنا غير محدد.
لا يقتصر الأمر على ذلك فقط، فان كل عمل من هذه الأعمال سيكون بمثابة كارثة تحل بدولة إسرائيل. فإن من يؤمن بأن أمن إسرائيل ونموها متعلقين، على المدى البعيد، بالسلام الإسرائيلي-الفلسطيني وبالمصالحة بين الشعبين، عليه أن يفعل كل ما في وسعه لمنع مثل هذه الأعمال، التي من شأنها تعميق هوة الكراهية بيننا، وإثارة العالم العربي والإسلامي ضدنا. ويمكن أن تحدث أمور من شأنها هدم أية إمكانية لبناء جسر فوق الهاوية.
لذلك علينا عدم الاتكال على الأمريكيين في كبح جماح شارون. علينا، نحن الإسرائيليين، أن نفعل كل ما في وسعنا – كل ما نستطيع عمله! لمنع مثل هذه الأعمال. باعتقادي هذا هو واجب وطني من الدرجة الأولى.
(مترجم عن موقع اوري افنيري على الشبكة)
وظف الاسرائيليون والفلسطينيون خلال الايام الاخيرة جهودًا جبارة ومكثفة في سبيل قتل بعضهم البعض.. حيث قام انتحاري فلسطيني، ذو هيئة او ملامح اوروبية حسب ما وصف، بتفجير حافلة ركاب في حيفا، ليصرع 15 اسرائيليا ويجرح العشرات (العدد ارتفع لاحقاً الى 16 – المحرر). وفي ليل الجمعة – السبت الفائت تنكر انتحاريان فلسطينيان على هيئة طلاب مدرسة دينية يهودية في الخليل، وقتلا امرأة وزوجها من مستوطنة كريات اربع واصابا تسعة اخرين بجروح.في المقابل شن الجيش الاسرائيلي سلسلة من عمليات التوغل في عمق قطاع غزة، اوقع خلالها اكثر من عشرين قتيلا وعشرات الجرحى في صفوف المدنيين الفلسطينيين، واقام "حزاما امنيا" يصل عمقه الى عشرة كليومترات الى الغرب من "سيدروت" (داخل اراضي قطاع غزة)، وذلك وسط قيامه (اي الجيش الاسرائيلي) بهدم العديد من البيوت واقتلاع مساحات واسعة من البيارات في منطقة بيت حانون، اضافة الى أسره (اعتقاله) اعضاء في حركة "حماس" من كبار السن (تزيد اعمارهم عن 60 عاما)، وبالأمس (السبت) اغتالت مروحيات عسكرية اسرائيلية في ساعات الصباح، بصواريخ متطورة اطلقت من مسافة بعيدة، ابراهيم المقادمة، ( قيادي بارز في حركة "حماس") وثلاثة من مرافقيه في سيارته.
في مجيئه إلى صندوق الاقتراع، كان معظم الجمهور الاسرائيلي راضيًا عن قراره حول تصويته. من بين هؤلاء الذي بلّغوا عن عدم تصويتهم، شاع جدًا التفسير أنه لم يكن هناك أي حزب، تبعث طريقه السياسية على الرضى، وفي المكان الثاني فقط من ناحية التفسيرات، جاء الاحتجاج على تصرف الأحزاب والسياسيين. التقدير السائد بين مواطني إسرائيل اليهود هو أن السبب الأساسي لسقوط أحزاب اليسار هو طريقها السياسي في كل ما يتعلق بالفلسطينيين، والسبب الثاني هو إنعدام القيادية في هذه الأحزاب. مقابل ذلك، يُفسر فوز "الليكود"، بالأساس، بالزعيم الذي على رأسه، فيما تحتل طريق الحزب السياسية المكان الثاني.
الصفحة 764 من 860