كان القتال الذي شهدته الجبهة الشمالية (مع لبنان) في الأسبوع الماضي هو "الأعنف" منذ بداية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وفي هذه الجبهة أيضاً يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وذلك بحسب توصيف أكثر من وسيلة إعلام إسرائيلية خلال الأيام الأخيرة.
ووفقاً للمراسل العسكري لصحيفة "يديعوت أحرونوت" (29/3/2024)، لم يظهر هذا التطوّر على نحو جليّ في التغطية الإسرائيلية الإعلامية عموماً، ولم يثِر اهتمام المواطن العادي الذي يعيش في جنوب حيفا، لكن سكان منطقتي الجنوب اللبناني وشمال إسرائيل شعروا بذلك جيداً، حيث أن عشرات القذائف الصاروخيّة أُطلقت على كريات شمونه، وعلى هضبة الجولان، كما أُطلقت صواريخ مضادة للدروع على قواعد عسكرية ومستوطنات مجاورة للسياج الحدودي، وأدت إلى تفعيل عشرات صافرات الإنذار.
يختتم الكنيست الإسرائيلي، في الأسبوع الأول من شهر نيسان الجاري، دورته الشتوية، في ظل الحرب المستمرّة على قطاع غزة، وحالة وأنظمة الطوارئ الثانية، التي تعلنها إسرائيل خلال 76 عاما. انعكست هذه الأجواء على الأجواء البرلمانية، وأدت إلى انعدام صوت المعارضة من الكتل الصهيونية، في كل ما يتعلق بالحرب وقوانين الطوارئ، التي منها ما هو غير مسبوق. وعلى الرغم من أن بنيامين نتنياهو يتمتع بائتلاف متماسك، لا يهدد استمرارية حكومته، فإنه سعى من خلال توسيع الائتلاف في فترة الحرب، لبث رسالة سياسية للعالم والشارع الإسرائيلي. وعلى الرغم من ما نشاهده من جدل سياسي صاخب، خاصة في الآونة الأخيرة، حول قانون تجنيد شبان الحريديم، فإن الائتلاف الأساس الذي يرتكز على 64 نائبا، ما زال متماسكا، إذ إن تلاقي المصالح فيه يمنع تفككه.
شكّلت الحروب الإسرائيلية على مدار العقود السبعة الماضية، بما في ذلك الحروب المتلاحقة التي شنّتها على قطاع غزة منذ العام 2006، فرصة من أجل تطوير وابتكار تقنيات ووسائل عسكرية وتكنولوجية بالنسبة للشركات الإسرائيلية العاملة في مجال الصناعات العسكرية والأمنية على اختلاف أنواعها. وليس مبالغة القول إن استمرار الاحتلال الإسرائيلي حوّل التجمّعات الفلسطينية المحتلّة إلى مختبر حيّ للتجارب والاختبارات لمختلف الأسلحة والتقنيات حيث يتم تحديد كفاءتها وفعاليتها والترويج لها على مستوى الدول والجيوش حول العالم. وعلاوةً على المكاسب الأمنية والعسكرية المترتبة على هذه العملية، فإن هناك فوائد اقتصادية ضخمة وهو ما يُفسّر التحالف الوثيق بين هذه الشركات والمستثمرين والنخب العسكرية في كثير من الأحيان.
تُعتبر الحرب على الرأي العام العالمي من أصعب التحديات التي تواجهها إسرائيل في الوقت الراهن. فقد شهدت الدولة انحداراً يومياً في مستويات الدعم الدولي التي تحظى بها، وذلك بسبب انتشار صور القتل والدمار التي خرجت من قطاع غزة إلى أرجاء العالم، بالإضافة إلى المحاكمات القضائية التي جرت في لاهاي ضدها، بغض النظر عن نتائجها النهائية.
لمواجهة هذا التحدي، اعتمدت إسرائيل منذ نشأتها على استراتيجية "القوة الناعمة" في جهودها الدبلوماسية والثقافية والاقتصادية والتكنولوجية، بهدف كسب الشرعية الدولية. وتُعتبر الدبلوماسية الثقافية واحدة من أهم الاستراتيجيات التي تستخدمها إسرائيل لتحقيق هذه الغاية، حيث تولي اهتماماً كبيراً للمشاركة في الأحداث الثقافية والفنية والرياضية والتكنولوجية من حول العالم أجمع، بغرض ترويج صورتها كدولة ديمقراطية ومتحضرة وليبرالية ومتعددة الثقافات وأنها جزء من نادي دول غرب أوروبا، وإخفاء قدر الإمكان نظام الأبرتهايد الذي تحكم به الفلسطينيين.[1]
الصفحة 37 من 859