مع اقتراب حرب الإبادة والتدمير الإسرائيلية المتواصلة ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة من دخول شهرها الحادي عشر، على التوالي، بما زرعته من قتل ودمار في الجانب الفلسطيني وما مُنيت به من فشل ذريع في الجانب الإسرائيلي في ما يتعلّق بتحقيق أي من أهدافها المُعلَنة، والسيرورة التراكمية لهذه الحرب من حيث انعكاساتها وآثارها التدميرية على الاقتصاد الإسرائيلي والمجتمع الإسرائيلي وعلى مكانة إسرائيل الدولية؛ هذه الانعكاسات والآثار التراكمية التي بدأت تطفو على السطح بحدّة، كما يظهر من نتائج استطلاع "مؤشر الصوت الإسرائيلي" الأخير، لشهر تموز الماضي، التي تأتي لتؤكد هذه السيرورة وتجسّدها في صورة سوداوية قاتمة عن تقييم المواطنين في إسرائيل لـ "الوضع العام" الذي تعيشه دولتهم هذه الفترة، عن "المزاج القومي العام" السائد بينهم في سياق نظرتهم إلى كِلا مُرَكِّبَيّ هذا "المزاج القومي": مستقبل "النظام الديمقراطي" ومستقبل "الأمن القومي"، وعن نظرتهم السلبية إلى حكومتهم وموقفهم منها ومن أدائها، الأمر الذي يظهر في مشاعر الإحباط، الغضب وخيبة الأمل.
من أبرز ما حملته نتائج مؤشر الصوت الإسرائيلي" الأخير، ضمن مركّبات الصورة المذكورة، أنّ حوالي الثلثين من المواطنين الإسرائيليين يعتقدون بأنّ "وضع دولة إسرائيل اليوم، بشكل عام، هو سيء أو سيء جداً"، وهو ما يشكل رقماً قياسياً غير مسبوق، لم يُسجَّل في دولة إسرائيل من قبل. فردّاً على سؤال "ما هو، برأيك، الوضع العام لدولة إسرائيل اليوم؟"، قال 62,5 بالمائة إن هذا الوضع هو "سيء" أو "سيء جداً"، وهو ما قاله 58 بالمائة من المشاركين اليهود و84,7 من المشاركين العرب في الاستطلاع. في المقابل، قال 11,9 بالمائة فقط من مجمل المشاركين في الاستطلاع و13,6 بالمائة من المشاركين اليهود و3,2 بالمائة من المشاركين العرب إن وضع دولة إسرائيل بشكل عام هو "جيد" أو "جيد جداً"، بينما قال 25,2 بالمائة من مجمل المشاركين في الاستطلاع و28 بالمائة من المشاركين اليهود و11,7 بالمائة من المشاركين العرب إن وضع دولة إسرائيل اليوم هو "متوسط".
يُذكر أنّ "مؤشر الصوت الإسرائيلي" هو الاستطلاع الذي يجريه "مركز فيطربي للرأي العام والسياسات في إسرائيل" (في إطار "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية" وكجزء منه) مرة كل شهر، ابتداء من نيسان 2019. وقد شمل استطلاع المؤشر لشهر تموز الأخير عينة من المستطلَعة آراؤهم تكونت من 750 شخصاً من الذكور والإناث (600 منهم من اليهود و150 من العرب، في سن 18 عاماً وما فوق) جرى استطلاعُ آرائهم خلال الفترة بين اليوم الأخير من تموز الماضي واليوم الرابع من آب الجاري. وتناول هذا الاستطلاع مجموعة من القضايا والأسئلة المطروحة على جدول الأعمال الإسرائيلي العام وتشكل القضايا المركزية التي يتداولها الإعلام الإسرائيلي بكثافة عالية، وأبرزها: المزاج القومي العام ـ مستقبل النظام الديمقراطي في إسرائيل ومستقبل الأمن القومي الإسرائيلي؛ مشاعر ومواقف الجمهور الإسرائيلي تجاه حكومته؛ مشاعر ومواقف الجمهور الإسرائيلي تجاه الحملات الاحتجاجية؛ احتمالات التوصل إلى اتفاق يضمن الإفراج عن المختطَفين الإسرائيليين لدى المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة؛ الوضع على الجبهة الشمالية، مع حزب الله اللبناني؛ خطاب رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، في الكونغرس الأميركي والآلية المفضلة للتحقيق في أحداث يوم 7 تشرين الأول الماضي.
تراجع آخر حادّ في "المزاج القومي"
في ما يتعلق بـ "المزاج القومي" العام (الإسرائيلي)، دلت نتائج الاستطلاع على استمرار التراجع، شهراً بعد شهر، إلى حضيض جديد غير مسبوق، في كلا مركّبيّ "المزاج القومي" ـ شعور المواطنين الإسرائيليين حيال وضع إسرائيل الأمني وحيال النظام الديمقراطي الإسرائيلي خلال المستقبل المنظور. ويؤكد معدّو الاستطلاع أن هذين المركّبين أصبحا مترابطين بشدة، من حيث ديناميكية التأثير والتأثر المتبادلين التي نشأت بينهما عقب أحداث السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 ثم تعززت بصورة عميقة جرّاء الحرب على قطاع غزة ومع استمرارها من دون جدوى تُذكر من وجهة النظر الإسرائيلية، من جهة، وجرّاء التصعيد الحاصل على الحدود الشمالية بين إسرائيل و"حزب الله" واحتمال تدهوره السريع إلى حرب شاملة، قد تتسع لتكون حرباً إقليمية، من جهة أخرى.
ويشير معدّو الاستطلاع، من الباحثين في "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية"، إلى أن النتائج الجديدة تدل على أن نسبة المتفائلين بشأن مستقبل الأمن القومي كانت، في الاستطلاع الأخير، أدنى منها في أي استطلاع آخر خلال الأشهر الأخيرة، بينما كانت نسبة المتفائلين بشأن مستقبل النظام الديمقراطي الأدنى على الإطلاق منذ البدء بإجراء هذا الاستطلاع ومنذ البدء بتضمينه الأسئلة حول "مستقبل النظام الديمقراطي" و"مستقبل الأمن القومي". ثم نوّه هؤلاء، مباشرة، إلى توقيت تسجيل هذه النتائج: بعد سقوط الصاروخ على ملعب كرة القدم في بلدة مجدل شمس في هضبة الجولان السورية المحتلة والذي أسفر عن استشهاد 12 طفلاً وفتى من أبناء البلدة، لكن قبل اغتيال القائد العسكري في حزب الله اللبناني، فؤاد شكر، ورئيس المكتب السياسي في حركة حماس، إسماعيل هنية، وهما جريمتا الاغتيال اللتان تبعتهما تهديدات إيرانية رسمية ولبنانية (حزب الله) بالرد عليهما، الأمر الذي رفع منسوب الخوف والترقب والقلق بين الجمهور الإسرائيلي. كما لفت معدّو التقرير، أيضاً، إلى "واقع تعبّر عنه النتائج المتكررة، شهراً بعد شهر" ويتمثل في "كما في السابق، نسبة المتفائلين بين المواطنين اليهود (وهي نسبة متدنية) هي أعلى من نسبتهم بين المواطنين العرب، بالنسبة لمستقبل النظام الديمقراطي وبالنسبة لمستقبل الأمن القومي".
في السؤال عن "الشعور حيال النظام الديمقراطي في إسرائيل في المستقبل المنظور"، قال 29,8 بالمائة فقط من مجمل المشاركين في الاستطلاع (و32,8 بالمائة من المشاركين اليهود و15,6 بالمائة من المشاركين العرب) إنهم "متفائلون" أو "متفائلون جداً"، بينما قال 66,5 بالمائة من مجمل المشاركين و62,8 بالمائة من المشاركين اليهود و84,5 بالمائة من المشاركين العرب إنهم "متشائمون" أو "متشائمون جداً". وفي السؤال عن "الشعور حيال وضع الأمن القومي في إسرائيل في المستقبل المنظور"، قال 26,1 بالمائة من مجمل المشاركين في الاستطلاع (و29,8 بالمائة من المشاركين اليهود و8,1 بالمائة من المشاركين العرب) إنهم "متفائلون" أو "متفائلون جداً". في المقابل، قال 70,1 بالمائة من مجمل المشاركين في الاستطلاع و65,9 بالمائة من المشاركين اليهود و88,7 بالمائة من المشاركين العرب إنهم "متشائمون" أو "متشائمون جداً".
في سؤال جديد تضمنه استطلاع الشهر المنصرم، طُلب من المشاركين فيه اختيار شعورهم، من قائمة المشاعر المرفقة، حيال الحكومة الإسرائيلية الحالية وأدائها. وفي الإجابة على هذا السؤال، جاءت النتائج على النحو التالي: "خيبة الأمل" في رأس القائمة بواقع 29,5 بالمائة من مجمل المشاركين في الاستطلاع، 28,3 بالمائة من المشاركين اليهود و35,3 بالمائة من المشاركين العرب؛ تلاه "الإحباط" بواقع 26,7 بالمائة من مجمل المشاركين في الاستطلاع، 26,4 بالمائة من المشاركين اليهود و28,5 بالمائة من المشاركين العرب؛ ثم "الغضب" بواقع 24,8 بالمائة من مجمل المشاركين في الاستطلاع، 24,1 بالمائة من المشاركين اليهود و28,5 بالمائة من المشاركين العرب.
وفي أسفل القائمة جاء: "الرضى" بواقع 6,1 بالمائة من مجمل المشاركين، 6,7 بالمائة من المشاركين اليهود و3,2 بالمائة من المشاركين العرب؛ ثم "الثقة" بواقع 4,8 بالمائة من مجمل المشاركين، 5,6 بالمائة من المشاركين اليهود و0,5 بالمائة من المشاركين العرب؛ ثم "الاعتزاز" بواقع 1,9 بالمائة من مجمل المشاركين، 2,1 بالمائة من المشاركين اليهود و0,9 بالمائة من المشاركين العرب.
صفقة لتحرير المخطوفين وحرب شاملة ضد لبنان!
للإجابة على السؤال "ماذا يتعين على إسرائيل أن تفعل، برأيك، بشأن صفقة لتحرير المخطوفين؟"، اقترَح نص الاستطلاع على المشاركين فيه ثلاثة خيارات، جاءت مع نتائجها على النحو التالي: 1. الموافقة على صفقة لتحرير جزء من المخطوفين في مقابل وقف مؤقت لإطلاق النار في قطاع غزة ـ أيّد هذا الخيار 28,3 بالمائة من مجمل المشاركين في الاستطلاع، 32,4 بالمائة من المشاركين اليهود و8,6 بالمائة من المشاركين العرب؛ 2. الموافقة على صفقة شاملة لتحرير كل المخطوفين في مقابل إنهاء الحرب والانسحاب الكامل من قطاع غزة ـ أيّد هذا الخيار 53,4 بالمائة من مجمل المشاركين في الاستطلاع، 46,2 بالمائة من المشاركين اليهود و88,8 بالمائة من المشاركين العرب؛ 3. لا أعرف ـ هذا ما أجاب به 8,3 بالمائة من مجمل المشاركين في الاستطلاع، 21,4 بالمائة من المشاركين اليهود و2,6 بالمائة من المشاركين العرب.
في سؤال آخر، طُلب من المشاركين في الاستطلاع اختيار واحد من أربعة خيارات للإجابة على سؤال "ماذا ينبغي على إسرائيل أن تفعل اليوم في الجبهة الشمالية، برأيك؟". وجاءت الإجابات على النحو التالي: 1. مواصلة القتال بالوتيرة الحالية والتركيز على قوات حزب الله ـ أيّد هذا الخيار 12,4 بالمائة من مجمل المشاركين في الاستطلاع، 11,5 بالمائة من المشاركين اليهود و16,8 بالمائة من المشاركين العرب؛ 2. تشديد الردّ ضد حزب الله لكن مع تجنب المسّ بالبنى التحتية في لبنان ـ أيّد هذا الخيار 24,8 بالمائة من مجمل المشاركين في الاستطلاع، 27 بالمائة من المشاركين اليهود و14,1 بالمائة من المشاركين العرب؛ 3. لا أعرف ـ كانت إجابة 21,2 بالمائة من مجمل المشاركين في الاستطلاع، 13,9 بالمائة من المشاركين اليهود و57,1 بالمائة من المشاركين العرب. أما الإجابة التي كانت خيار الجزء الأكبر من مجمل المشاركين في الاستطلاع (41,6 بالمائة منهم) ومن المشاركين اليهود (47,6 بالمائة منهم) بينما أيّدها 12 بالمائة من المشاركين العرب فكانت: شنّ هجوم شامل (حرب شاملة!) على العمق اللبناني، بما في ذلك ضرب المؤسسات العامة والبنى التحتية!
لم تغب انتخابات الرئاسة الأميركية الوشيكة أيضاً عن هذا الاستطلاع، فسُئل المشاركون فيه "من حيث المصالح الإسرائيلية، أي من بين المرشحين للرئاسة في الولايات المتحدة هو الأفضل؟"، وعلى ذلك جاءت الإجابات: 56 بالمائة من مجمل المشاركين (و63,5 بالمائة من المشاركين اليهود و18,7 بالمائة من المشاركين العرب) قالوا إنه دونالد ترامب، مقابل 12,6 من مجمل المشاركين (و11,5 من المشاركين اليهود و17,9 بالمائة من المشاركين العرب) قالوا إنها كاميلا هاريس. أما "لا أعرف" فكانت إجابة 15,1 بالمائة من مجمل المشاركين في الاستطلاع، 7,9 بالمائة من المشاركين اليهود و50,6 بالمائة من المشاركين العرب.