المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
صورة تعبيرية. (صحف)
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 491
  • هشام نفاع

في أواسط الأسبوع الفائت، توجه رئيس منظمة المعلمين في إسرائيل ران إيرز، برسالة إلى وزير التعليم يوآف كيش، أكّد له فيها عدم استعداد النقابة لمواصلة المفاوضات حتى بدء العام الدراسي، وحدد يوم الأربعاء من هذا الأسبوع كآخر يوم للتوصل إلى اتفاق، وإلا فلن تُفتتح المدارس.

وجاء في نص الرسالة: "لا نريد أن نكرر مرة أخرى المشهد الذي سبق افتتاح العام الدراسي الماضي، بتاريخ 31/8/2023 عندما كان علينا في اللحظة الأخيرة قبول الاتفاق على افتتاح العام الدراسي بناء على وعود شفهية ومن دون اتفاقية موقعة. نحن لسنا معنيين بتمديد المفاوضات إلى ما بعد 27/8 أو 28/8. فإذا لم يتم التوقيع على اتفاقية جماعية بحلول ذلك الوقت، سنضطر إلى تعطيل بدء العام الدراسي، مثلما سبق أن أخبرناكم عدة مرات وكما قلنا في وسائل الإعلام". وشدّد إيرز: طالما ليس هناك اتفاق جماعي، فلن تكون اتفاقيات بشأن أي موضوع. هذا الموقف سبق أن أعلنته نقابة المعلمين قبل نحو شهرين، حيث أكدت أنه بدون اتفاق على الراتب، أي إذا لم يتم العثور على مصدر لتمويل الاتفاق، فالاحتمال الأكبر هو تعطيل افتتاح العام الدراسي المقبل في مطلع أيلول. وحتى الآن، مع اقتراب بدء العام الدراسي، لم تقدّم الحكومة أي بديل.

يقدّر موقع القناة التلفزيونية 12 أيضاً بأن افتتاح العام الدراسي لن يتم في المدارس الثانوية. أصبح الإضراب حقيقيًا، عندما باءت المفاوضات ليلة الخميس الماضي بين رئيس منظمة المعلمين ران إيرز ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش بالفشل مرة أخرى، وكانت الفجوات ضخمة – فليس هناك أموال في وزارة المالية لدفع مستحقات المعلمين، لأن كل الميزانية المخصصة لهم ذهبت لتغطية نفقات الحرب. كذلك، تقول القناة، هناك أيضاً مشاكل أساسية جداً ومن سيدفعون أثماناً باهظة هم أهالي الأطفال حتى سن الثالثة.

رئيس الحكومة وعد في الانتخابات بمجانية التعليم حتى سن الثالثة..!

وكانت الحكومة أقرت اقتطاع 525 مليون شيكل من الميزانية المخصصة لتنفيذ اتفاق رواتب معلمي المدارس الثانوية، وخصصت هذه الأموال لمواصلة تمويل إخلاء سكان الشمال والجنوب. وقالت صحيفة "ذي ماركر" في حينه، أواسط حزيران الماضي، إن خفض الميزانية سيسمح للحكومة بالامتناع عن تنفيذ اتفاقية زيادة الرواتب بالكامل خلال الفترة المقبلة، باعتباره مصدر التمويل الأساس لذلك. علماً بأن معلمي المدارس الثانوية يعملون منذ أكثر من عامين ونصف العام بدون اتفاق على الراتب.

وفسّرت: 80% من الأطفال حتى سن 3 سنوات في رياض الأطفال الخاصة والحضانات، في حين يتراوح متوسط ​​القسط للطفل بين 4000 إلى 5000 شيكل شهرياً. ومن المهم ملاحظة أنه في بعض الأحيان يكون هناك أكثر من طفل واحد في الأسرة. وفي السنوات الأربع الماضية كانت هناك زيادة بنسبة 20 في المائة، وكل عام 5 في المائة، وكذلك هذا العام.

وتذكّر الصحافية في القناة ياعيل أودم أن رئيس الحكومة وعد في الانتخابات بمجانية التعليم حتى سن الثالثة، لكن هذا لم يحدث. وبدلاً من ذلك، عُقد مؤتمر صحافي كبير أطلقت فيه الوعود بأمور كثيرة من شأنها أن تؤدي فعلياً إلى تحسين جودة التعليم. فماذا حدث منذ ذلك الحين؟ تم التخطيط لميزانية قدرها 400 مليون شيكل لهذا الغرض، ولكن سيتعين على الأهالي عمليا الاكتفاء بميزانية قدرها 200 مليون شيكل فقط. معطى آخر مهم بشكل خاص هو أن 70% من الحاضنات في إسرائيل لم يتلقين مطلقاً أي تأهيل مهني. وكان الوعد بتأهيل ما لا يقل عن 12 ألف مربية سنويا - ولكن من الناحية العملية هناك ميزانية لتأهيل 5000 مربية فقط. الحاضنات في رياض الأطفال الخاصة حصلن على 10 ساعات تأهيل شهرياً خلال العام الماضي. في العام الدراسي القريب سيكون هناك أقل من 4 ساعات في الشهر.

وزارة التعليم تسعى لتقويض حقوق نقابيّة واجتماعية أساسية للمعلمين

إذا كانت هذه هي حال حضانات ورياض الأطفال فإن التعليم فوق الإبتدائي حاله شبيهة من حيث المصاعب والمشاكل وإن اختلفت في تفاصيلها بطبيعة الحال. وكتب بهذا الشأن د. غيل غرطل، المتخصص في التربية، مقالا نشره في موقع "سيحا ميكوميت" اتهم فيه وزارة التعليم بالسعي لتقويض حقوق أساسية للمعلمين، بوصفهم عاملين، في التنظم النقابي والنضال الجماعي (اتفاقيات رواتب جماعية مثلا).

ويقول: انتهى نفاد اتفاقية عمل المعلمين في التعليم الثانوي فعليا في شباط 2022. ومنذ ذلك الحين، وعلى مدار عامين ونصف العام، لم تنجح وزارتا المالية والتعليم (هذا لو حاولتا أصلا) في التوصل إلى اتفاقيات مع نقابة المعلمين. الخلاف معروف: وزارة المالية معنية بنقل قسم من المعلمين للعمل بعقود شخصية، بحيث يحرمون من حق الانتساب إلى التنظيمات والنقابات العمالية. يروون لنا قصصاً مفادها أنه من خلال العقود الشخصية سيكون من الممكن رفع الراتب، وبالتالي تحفيز المعلمين المتميزين على التدريس في مناطق الأطراف. وهذا بالطبع وَهْم خالص. فليست هناك نيّة لإضافة ميزانية لرواتب المعلمين، لذلك للعقد الشخصي أن يكون أكثر سخاء من الراتب العام فقط حيث ستتم جباية المزيد من الأموال من الأهالي. في هذه الحالة، من الواضح أن العقود الشخصية ستخدم المجموعات السكانية الأقوى فقط، بينما ستتضخم الفجوات في التعليم.

ويضيف الباحث والمحاضر: قدم وزير التعليم نفسه كوسيط في الصراع، لكن موقفه مكشوف. لقد قال في مناسبات مختلفة إن التهديد بالإضراب غير شرعي ويعبر عن "اللامسؤولية القصوى"، وبالتالي يجب على رئيس منظمة المعلمين أن يتنازل. ونذكر أيضاً أن الوزير كيش عين ممثلاً عن منظمة "منتدى كوهيلت" الذي يسعى إلى الخصخصة الكاملة لجهاز التعليم، بمنصب رفيع في إدارة الوزارة.

ويتساءل: "إذا كان لا بد من التسوية، فلماذا لا يوجه المطلب إلى وزارة المالية؟ لقد قال ممثل نقابة المعلمين في جلسة للجنة التربية والتعليم البرلمانية بحق أنه إذا كانت الحرب هذا العام حدثاً خاصاً جداً، فلتتفضل وزارة المالية وتؤجل مطلب فرض عقود شخصية للعام المقبل. الوزير ادعى في الجلسة أن العقود الشخصية ليست هي القضية الأساسية في المفاوضات بالمرة، والواقع أن المعلمين يريدون المزيد من الزيادات في الرواتب. لكن محاولة حرف النقاش إلى مكان آخر لم تنجح". ويضيف غرطل ساخراً: "الوزير لم ينسّق الخدعة مع مدير عام وزارته الذي قال صراحة في الجلسة إن العقدة الصعبة في المفاوضات هي العقود الفردية".

مدارس تفتقر جزئياً أو كلياً لوسائل الحماية والملاجئ والمساحات الآمنة

إحدى المشاكل واسعة النطاق التي تهدد أو تعيق افتتاح السنة الدراسية تتعلق بالأوضاع الناجمة عن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، إذ توجد بلدات هجرها سكانها في الجنوب والشمال، وبلدات أخرى تفتقر مدارسها جزئياً أو كلياً إلى وسائل الحماية والملاجئ والمساحات الآمنة. ووفقاً لتقرير مسحي صدر عن معهد الأبحاث والمعلومات التابع للكنيست فإن 42% من المدارس في حيفا، و36% من المدارس في حتسور، و33% في بيت شان ليست محمية أو أنها تتمتع بحماية منخفضة على الرغم من إمكانية تعرض هذه البلدات أو تعرضها فعلا للصواريخ وغيرها. البلدتان اللتان تتمتعان بأدنى نسب الحماية هما بلدتا القسوم العربية البدوية، التي تبلغ نسبة مدارسها غير المحمية 52%، ونفيه مدبار بنسبة 48%. كما أن الوضع في الخضيرة مقلق للغاية، حيث تفتقر 36% من المدارس إلى الحماية أو تتمتع بحماية منخفضة. وفي بئر السبع، هناك خمس مدارس غير محمية، وفي تل أبيب 21% (33 من أصل 160 مدرسة) غير محمية أو تتمتع بحماية منخفضة.

يكشف مركز الأبحاث أن عدد التحذيرات في الأشهر الستة الأولى من الحرب كان مرتفعا بشكل خاص. مسؤولية بناء المؤسسات التعليمية، بما في ذلك إنشاء المساحات المحمية، تنقسم، بين وزارة التربية والتعليم، المسؤولة عن الخطط والميزانية، والسلطة المحلية، المسؤولة عن البناء الفعلي. وبحسب وزارة التربية فإن الفوارق الكبيرة هي "نتيجة لوضعية مستمرة ولقرارات الدولة على مر السنين، وكذلك نتيجة لاعتماد سيناريو يتحدث عن حرب ستستمر نحو ثلاثة أسابيع". ووفقاً لهذا السيناريو، الذي تبين أن لا أساس له (فالحرب دخلت شهرها الحادي عشر) يمكن ترك الأطفال في المنزل لمدة ثلاثة أسابيع، وبالتالي فإن الاستثمار في الحماية ليس مجدياً. بحسب تحليل وزارة التربية والتعليم، في 15% من المدارس في إسرائيل لا توجد حماية على الإطلاق، وفي 21% مستوى الحماية منخفض أو متوسط. والمقصود بالحماية المنخفضة مؤسسة تكون فيها المساحات الآمنة أقل بالنصف أو أكثر من المعيار المنصوص عليه.

أحد الأسباب الرئيسة لغياب الحماية عن المدارس، وفقاً لوثيقة معهد الأبحاث التابع للكنيست، هو التعليم الخاص للحريديم والذي غالبا ما يتم تشغيله في مبان غير مناسبة. وفي أشدود، وهي أكبر مدينة في المنطقة الجنوبية، التي تتعرض لهجمات متكررة بالصواريخ والقذائف، هناك 16 مدرسة بدون حماية أو ذات حماية منخفضة، منها 13 مدرسة في التعليم الحريدي. وفي بني براك يعاني 41% (77 من أصل 186 مدرسة) من هذا الوضع. وفي القدس، 40% من المدارس، وهي 251 مؤسسة، تفتقر إلى الحماية أو تتمتع بحماية منخفضة، منها 134 مدرسة تابعة للتعليم الحريدي و102 مدرسة للتعليم العربي.

بيانات وزارة التعليم منقوصة جداً بخصوص وضع حماية المدارس والحضانات

الوثيقة التي تناولت فجوات الحماية في المؤسسات التعليمية في إسرائيل حسب المنطقة الجغرافية، مبنية على بيانات منذ بداية الحرب. ووفقاً لصحيفة "كلكاليست" الاقتصادية، يبدو من ردود أفعال مختلف الأطراف، وخاصة وزارة التعليم، أنه لم يحدث أي تغيير يذكر منذ ذلك الحين. كما تكشف الوثيقة أن الوزارة لا تملك بيانات عن وضع الحماية في الحضانات، ولديها بيانات عن حوالي 14% فقط من رياض الأطفال.

تقول "كلكاليست" إنه يوجد في وزارة التعليم تقليد يمتد على فترة طويلة ويتمثل في تجنب جمع البيانات المهمة. لدى الوزارة فقط بيانات عن 3000 روضة أطفال (تتراوح أعمارهم بين 3 و6 سنوات) من أصل حوالي 22000 روضة أطفال في المناطق البلدية، وليس لديها أية معلومات عن حالة مراكز الرعاية النهارية. وتتوقع الوزارة الانتهاء من مسح الحماية في رياض الأطفال خلال عام ونصف العام.

في ردها على هذه الإخفاقات قالت وزارة التربية والتعليم: "إن فجوات الحماية في المؤسسات التعليمية تبلغ حوالى 20% في المتوسط في جميع أنحاء البلاد، وهي نتيجة للوضع المستمر وقرارات الدولة على مر السنين. ويتطلب سد فجوات الحماية رصد ميزانيات ضخمة وأخرى خارجية للقطاع الخاص. هناك خطة حكومية لسد ثغرات الحماية في المؤسسات التعليمية بقيادة قيادة الجبهة الداخلية وبالتعاون مع منطقة الشمال التابعة لوزارة التربية والتعليم".

(ملاحظة: يتبع قسم ثانٍ حول الموضوع يتناول خصيصاً جهاز التعليم العربي أمام سياسات الحكومة، ومشاكله المادية والبنيوية وما يتعلق بسياسات المضامين).

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات