في الطريق نحو تشكيل "حكومة تغيير" في إسرائيل، خاض ممثلو الأحزاب الثمانية مفاوضات ماراثونية تضمنت محاولات لتسجيل مكاسب حزبية ذات بعد استراتيجي كشرط للانضمام إلى الحكومة. وأحد أهم هذه المعارك الداخلية التي دارت في كواليس تشكيل الائتلاف الحكومي، تعلقت بالسلطة القضائية. فلقد أصرت أييلت شاكيد (حزب "يمينا") على الحصول على عضوية "لجنة تعيين القضاة"، وهي عضوية تم منحها في وقت سابق إلى ميراف ميخائيلي (حزب العمل) ضمن المفاوضات الائتلافية نفسها. وتمترست شاكيد خلف مطلبها بشكل عنيد مهددة بإفشال مساعي تشكيل الحكومة الجديدة في مشهد لم يخل من الاستعراضية. لكن في حقيقة الأمر، هناك العديد من المصالح التي تقف خلف إصرار شاكيد على الاستحواذ على هذا المنصب، وهي مصالح يتشارك فيها، بالإضافة إلى حزب شاكيد، معظم الأحزاب اليمينية واليمينية الجديدة.
تتجه الأنظار في الأيام القليلة المتبقية حتى يوم الاثنين المقبل 14 حزيران الجاري، نحو الكنيست، لمعرفة ما إذا سيكون بإمكان الائتلاف الحكومي الهش، تجاوز حاجز الثقة البرلمانية بأي أغلبية كانت، إذ إن الإعلان عن تشكيل الائتلاف أظهر حجم الصعوبات والتناقضات التي فيه، ما يجعله مهددا في كل لحظة بفقدان أغلبيته، خاصة على ضوء الضغوط الجمّة التي تُمارس على نواب يمين استيطاني في الائتلاف، من جهة، ومن جهة أخرى الشروط الكبيرة التي فرضتها كتل اليمين الاستيطاني حتى تكون الحكومة تحت سطوتها في مفاتيح أساسية معني بها هذا اليمين، الذي وجد ركيزة حكومته في كتلة "القائمة العربية الموحدة"، التي شطبت كل ذكر سياسي من مطالبها، لتدعم ائتلافا يُبرز بنودا سياسية واستيطانية، وأخرى تستهدف الحريات السياسية والديمقراطية.
في هذا العدد من "المشهد الإسرائيلي" ثمة تركيز خاص على علاقة إسرائيل والأكثرية اليهودية فيها بالفلسطينيين في الداخل، وذلك بعد أن أعادتهم الهبّة الشعبية الفلسطينية المتدحرجة إلى صدارة الاهتمام مرة أخرى.
وهو تركيز نقوم به من زاويتين، مع العلم بأنه ممكن أيضاً من زوايا عديدة أخرى: الأولى، زاوية النظرة الإسرائيلية العامة حيالهم والتي لا تنفك ترى فيهم بمثابة عدو داخلي وطابور خامس ومثار قلق استراتيجي، ما يستلزم استمرار التعامل معهم بمقاربة أمنية فقط. والزاوية الثانية، هي التنائي عن الاستثمار في التربية على مناهضة العنصرية حيال الفلسطينيين والعرب عموماً، كما تثبت ذلك التقارير الإسرائيلية الرسمية على نحو دوري، بما يخدم تكريسها ضدهم كجنس بشري أدنى، غير مستحق لأي حقوق جماعية. وبموجب ما يقرّ به حتى عدد كبير من الباحثين الإسرائيليين فمن الخطأ الجسيم الاعتقاد بأن المؤشرات إلى تغلغل فكرة دمج فلسطينيي الداخل في الاقتصاد الإسرائيلي داخل صفوف جهات مسؤولة كثيرة بمن فيها بعض صناع القرار، من شأنها أن تنطوي على مؤشر إلى استبطان فكرة استحقاقهم حقوقا جماعية. وهذا ما يؤكده مثلا المقال الخاص المترجم في هذا العدد لأحد هؤلاء الباحثين.
من المتوقع أن يصوّت الكنيست هذا الأسبوع، أو في مطلع الأسبوع المقبل، على أول حكومة منذ 12 عاماً ليست برئاسة بنيامين نتنياهو، هذا إذا لم تتفجّر الاتفاقيات المبرمة قبل طلب الثقة من الهيئة العامة للكنيست؛ والحكومة الافتراضية ستكون برئاسة تناوبية بين زعيم حزب "يمينا" نفتالي بينيت، وزعيم حزب "يوجد مستقبل" يائير لبيد، وهي لا أكثر من لملمة كتل برلمانية صغيرة، مليئة بالتناحرات السياسية والاجتماعية، تلاقت في ما بينها، على موقف رفض استمرار حكم نتنياهو، لا أكثر. وفي حين سيرى الجمهور الإسرائيلي أن الانتخابات الخامسة قد زالت عن جدول الأعمال، على الأقل لعدة أشهر أو أكثر، فإنه سيبدأ بالاصطدام أكثر مع واقع سوء الأوضاع الاقتصادية وارتفاع أسعار البضائع الاستهلاكية الأساسية، وبالتالي ارتفاع كلفة المعيشة ككل.
الصفحة 223 من 878