المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
تظاهرة يمينية ضاغطة على نواب "يمينا" في تل أبيب يوم 3 الجاري. (أ.ف.ب)
تظاهرة يمينية ضاغطة على نواب "يمينا" في تل أبيب يوم 3 الجاري. (أ.ف.ب)
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 1169
  • برهوم جرايسي

تتجه الأنظار في الأيام القليلة المتبقية حتى يوم الاثنين المقبل 14 حزيران الجاري، نحو الكنيست، لمعرفة ما إذا سيكون بإمكان الائتلاف الحكومي الهش، تجاوز حاجز الثقة البرلمانية بأي أغلبية كانت، إذ إن الإعلان عن تشكيل الائتلاف أظهر حجم الصعوبات والتناقضات التي فيه، ما يجعله مهددا في كل لحظة بفقدان أغلبيته، خاصة على ضوء الضغوط الجمّة التي تُمارس على نواب يمين استيطاني في الائتلاف، من جهة، ومن جهة أخرى الشروط الكبيرة التي فرضتها كتل اليمين الاستيطاني حتى تكون الحكومة تحت سطوتها في مفاتيح أساسية معني بها هذا اليمين، الذي وجد ركيزة حكومته في كتلة "القائمة العربية الموحدة"، التي شطبت كل ذكر سياسي من مطالبها، لتدعم ائتلافا يُبرز بنودا سياسية واستيطانية، وأخرى تستهدف الحريات السياسية والديمقراطية.

حتى مطلع الأسبوع، لم يكن الائتلاف المتبلور واثقا من أن لديه أغلبية 61 نائبا، والعقبة الأساس موجودة في كتلة "يمينا" بزعامة نفتالي بينيت، التي فقدت واحدا من نوابها السبعة، رافضا لهذه الحكومة، في حين أن الضغوط تتعاظم، وفق التقارير الصحافية، على نائب آخر، كي يرفضها ويصوّت ضدها، وفي هذه الحالة ستفقد الحكومة أغلبية 60 نائبا.

في المقابل، فإن كتل اليمين الاستيطاني "يمينا" بزعامة بينيت، و"أمل جديد" بزعامة جدعون ساعر، وأيضا "إسرائيل بيتنا" بزعامة أفيغدور ليبرمان، ترفض أي ارتكاز جزئي على كتلة "القائمة المشتركة"، بسبب مواقفها السياسية، في حين تقبل بكتلة القائمة العربية الموحدة، برئاسة عضو الكنيست منصور عباس، التي تخلت عن أي مطلب سياسي، إن كان على مستوى القضية الفلسطينية والقدس، أو حتى مطلب إلغاء قانون القومية العنصري.

وقد أعلن حزبان من أحزاب المشتركة الثلاثة: الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة (3 نواب)، والتجمع الوطني الديمقراطي (نائب واحد)، رفضهما دعم حكومة يسيطر عليها اليمين الاستيطاني، فيما الحزب الثالث، الحركة العربية للتغيير برئاسة النائب أحمد طيبي (نائبان)، لم يصدر بيانا رسميا بشأن موقفه.

ومن المفترض أن تكون هناك محطة برلمانية مهمة، قبل التصويت على الثقة، وهي انتخاب رئيس الكنيست، على الرغم من أن تقديرات في الكنيست تقول إن كتل اليمين الاستيطاني، وخاصة "يمينا" و"أمل جديد"، تريد ضمان الثقة على الحكومة، قبل التصويت على رئيس الكنيست، إذ إن مرشح الائتلاف لتولي رئاسة الكنيست هو النائب ميكي ليفي من حزب "يوجد مستقبل".

وقد ظهر ارتباك في تقديم الطلب باسم الائتلاف، إذ إن النائب غير الثابت في كتلة "يمينا"، طلب سحب اسمه بداية من الطلب، وبهذا يكون الطلب موقعا من 60 نائبا، وهذا لا يكفي لعقد جلسة للهيئة العامة للكنيست لانتخاب رئيس جديد.

في المقابل، قدمت كتلة القائمة المشتركة طلبا موازيا لعقد جلسة لانتخاب رئيس للكنيست، دون أن يسبق هذا أي مفاوضات مع الائتلاف، بل إن هذا الطلب نابع من إزاحة رئيس الكنيست الحالي ياريف ليفين، الذي يستهدف بشكل خاص نواب القائمة المشتركة، كما أن رئيس الكنيست ليس سلطة تنفيذية حكومية.

المفارقة أن كتلتي اليمين الاستيطاني "يمينا" و"أمل جديد" ترفضان أن يكون انتخاب رئيس الكنيست بأغلبية تضمنها أصوات القائمة المشتركة، وتوافقان على دعم القائمة العربية الموحدة التي باتت جزءا من الائتلاف الحاكم.

وبموجب قانون الكنيست، فإن الأيام المتبقية لعرض الحكومة على الكنيست للحصول على الثقة، يومي الأربعاء والخميس من هذا الأسبوع، واليوم الأخير الممكن هو يوم الاثنين المقبل، وفي حال لم تعرض الحكومة على الكنيست لنيل الثقة، يكون الكنيست أمام احتمالين: حل الكنيست تلقائيا والتوجه لانتخابات، أو إعادة مهمة تكليف الحكومة للكنيست مدة 3 أسابيع.

بات واضحا، في اليومين الأخيرين، وحتى الساعة الأخيرة للإعلان عن تشكيل الحكومة، قبل منتصف ليلة الأربعاء/ الخميس، من الأسبوع الماضي، إلى أي مدى تفرض كتل اليمين الاستيطاني إملاءاتها على الائتلاف، وهذا يبرز في حجم الوزارات والمناصب التي تتولاها الكتلة الأصغر المليئة بالقلاقل، "يمينا"، التي ستولى زعيمها بينيت رئاسة الحكومة لأكثر من عامين، ليكون أول شخص متدين من التيار الديني الصهيوني يصل إلى منصب رئيس الحكومة، والأمر الآخر أنه رئيس واحدة من أصغر الكتل البرلمانية.

حتى مطلع الأسبوع لم يتم نشر اتفاقيات الائتلاف، لكن من بين ما رشح لوسائل الإعلام، كان بند خطير يدعو لتشديد الرقابة على المناطق (ج) في الضفة الغربية المحتلة، وتبلغ مساحتها 60% من الضفة، وهي المنطقة الأكثر استهدافا من اليمين الاستيطاني. والقصد بتشديد الرقابة هو محاصرة الوجود الفلسطيني فيها، بما يرافق هذا من مشاريع اقتلاع قرى، مثلا في غور الأردن، والمنطقة الواقعة بين مدينتي القدس وأريحا.

طريق الحكومة مليء بالألغام

حتى مطلع الأسبوع، كانت هذه الحكومة ما تزال في إطار فرضية، قد تحصل على الثقة هذا الأسبوع، كما ذكر، وفي حد أقصى بموجب القانون حتى يوم الاثنين المقبل، 14 حزيران الجاري، أي بعد 12 يوما من يوم إعلان يائير لبيد عن نجاحه بتشكيل الحكومة.

وعلى ضوء كل التعثرات التي اصطدمت بها عملية تشكيل الحكومة، والإعلان عنها قبل 40 دقيقة فقط، من انتهاء اليوم الـ 28 لمهلة التكليف، فإن هذا يشير إلى ما ينتظرها، على الرغم مما يعلنه قادتها بأنهم سيؤجلون كل القضايا الخلافية مدة عام.
ولكن قادة الحكومة، وعلى افتراض أنهم بالفعل معنيون باستمرار عمل الحكومة حتى كامل مدتها القانونية، وبتركيبتها الحالية، لن تكون آلية عمل الكنيست تحت سيطرتهم بالكامل، وبإمكان المعارضة، وبالذات المعارضة اليمينية الاستيطانية- الليكود وحلفاؤه- أن يطرحوا تحديات أسبوعية أمام هذه الحكومة من خلال سلسلة مشاريع قوانين ذات طابع عنصري، وأخرى تستهدف جهاز القضاء والحريات السياسية، وأيضا بطبيعة الحال، مشاريع قوانين لفرض ما تسمى "السيادة الإسرائيلية" على الضفة المحتلة. كما أن أطراف الائتلاف لكل منهم أجندته السياسية والاجتماعية والاقتصادية، يلوحون بها على مدى سنوات، وحتى عشرات السنوات، ويعرف كل طرف أن الانتخابات البرلمانية قد تداهم في أي وقت، وهي ستكون مناسبة لمحاسبة الحزب على مدى إخلاصه لأجندته، لذا فإن الحديث عن تأجيل كل القضايا الخلافية إلى عام كامل، هو لا أقل من نكتة أمام واقع الحلبة السياسية الإسرائيلية ونمط عملها.

وفي ما يلي أبرز نقاط الصدام المفترضة:

- الصراع الديني العلماني: على رأس القضايا الخلافية، قوانين وأنظمة السبت العبري، والقيود على المواصلات والحركة العامة، ومسألة الحلال اليهودي، وطلب كسر احتكار الحريديم والمؤسسة الدينية الرسمية له، وقضية الزواج المدني، وصولا إلى سلسلة من مشاريع القوانين المتعلقة بجمهور المثليين.

في هذا الائتلاف أربع كتل برلمانية، لديها أجندة علمانية واضحة، وتصطدم بشكل مباشر مع كتل دينية أو محافظة، أو تلك التي تدعو للحفاظ على الوضع القائم لمنع خلخلة أي حكومة، وعدم خلق مسار صدامي مع الجمهور الديني.

والكتل الأربع هي: "يوجد مستقبل" ولها 17 مقعدا، ولكن هذه الكتلة بموجب تجربتها بالشراكة في حكومة بنيامين نتنياهو (2013- 2015)، على استعداد لتغليب الحفاظ على الحكومة، على أن تطالب بتطبيق أجندتها أو جزء منها. والكتلة الثانية "إسرائيل بيتنا"، ولها 7 مقاعد، التي زعيمها ليبرمان يلوح بأجندته العلمانية حينما يكون في المعارضة، وليس واضحا اتجاهه الآن. والكتلة الثالثة حزب العمل ولها 7 مقاعد، وليس واضحا كيف سيكون أداؤها، بعد الانقلاب الكلي الذي حصل في قيادة الحزب وكتلته البرلمانية، ما يعني أن تقليد نهج هذا الحزب في الحكومات ليس مضمونا أن يستمر، وهو تغليب الحفاظ على الحكومة على قضايا خلافية. والكتلة الرابعة ميرتس، التي تدخل إلى الحكومة لأول مرّة منذ 20 عاما، وهي الكتلة الأكثر علمانية، وستكون أمامها تحديات شديدة.

على الأغلب هذا الملف سيكون من السهل تأجيله لعام، ولكن سيكون من الصعب رؤية عدم فتحه، إذا ما طال عمر الحكومة لأكثر من عام. وسيكون هذا لغما غير صغير في طريق الحكومة.

- مشاريع الاستيطان والضم: لم تكن أي حكومة إسرائيلية منذ العام 1967 لم تعمل على توسيع الاستيطان، حتى تلك الحكومات التي خاضت المفاوضات مع الجانب الفلسطيني، وظهر وكأن لديها نوايا لدفع المفاوضات إلى الأمام. وهذه الحكومة لن تكون مختلفة عن سابقاتها، على العكس.

ولكن الجديد، في السنوات الأخيرة، إن صح التعبير، هو أن مشاريع ضم الضفة باتت على رأس جدول الأعمال، وهي مطلب ملح لأحزاب اليمين الاستيطاني، وبالتأكيد أن تركيبة الحكومة الحالية لا تسمح لها بدفع مشاريع الضم للأمام، علما أنه لو أعطيت حرية التصويت في الكنيست، في الولاية القائمة، لحصل كل واحد من مشاريع الضم، إن كان جزئيا، أو جارفا، على أصوات لا تقل عن 65 نائبا، وحتى 72 نائبا، وفي حالات معينة، قد يخترق التأييد حاجز 80 نائبا من أصل 120 نائبا. وبما أن موضوع الضم سيكون صعبا في هذه الحكومة، فإن فريق اليمين الاستيطاني سيكون معنيا "بالتعويض"، من خلال توسيع الاستيطان أكثر.

وهنا نقول إن موضوع الاستيطان ليس خلافيا كليا، فعلى سبيل المثال في حال كانت مشاريع الاستيطان في الكتل الاستيطانية الكبرى، وداخل المستوطنات الواقعة بين جدار الاحتلال وخطوط 1967، لن يجد معارضة، حتى من حزب ميرتس.

فالخلاف سيكون حول مشاريع الاستيطان في ما يسمى خلف جدار الاحتلال، وفي المناطق المفتوحة، المسماة "مناطق ج" في الضفة، مثل مخطط إخلاء قرى غور الأردن، وأيضا التجمعات الفلسطينية في المنطقة الواقعة بين شرقي القدس المحتلة ومدينة أريحا، مثل قرية الخان الأحمر وغيرها.

- الحريات الديمقراطية وجهاز القضاء: هذا الملف سيكون واحدا من أكثر الملفات سخونة، إذ إن المواقف فيه متضاربة بين فريقين، يجاهر كلٌ منهما بموقفه الرافض للموقف الآخر. فموقف كتل اليمين الاستيطاني في الائتلاف: "يمينا" و"أمل جديد" و"إسرائيل بيتنا"، ولها 20 مقعدا من أصل 61 نائبا، يؤيد تقليص صلاحيات المحكمة العليا، وخاصة في جانب صلاحية نقض قوانين وقرارات حكومية. والفريق الآخر: "يوجد مستقبل" و"أزرق أبيض" والعمل وميرتس، ولها مجتمعة 38 مقعدا من أصل 61 مقعدا، وهي تعارض مشاريع قوانين اليمين الاستيطاني في كل ما يتعلق بضرب جهاز القضاء والمحكمة العليا.

وما يؤكد على أولوية ضرب الجهاز القضائي وتقويض الحريات في هذه الحكومة، هو أنه منذ فتح باب تقديم مشاريع القوانين للكنيست في الثالث من أيار الماضي، وحتى الآن، فإن من هم مرشحون لتولي حقائب وزارية، ونواب في الائتلاف، كانوا قد بادروا لمشاريع قوانين تخدم توجهاتهم في هذا الباب.

وأبرز هؤلاء من سيتولى حقيبة العدل في هذه الحكومة، وعمليا سيكون رئيس اللجنة الوزارية لشؤون التشريعات، جدعون ساعر، رئيس حزب "أمل جديد"، الذي بادر لعدة مشاريع قوانين، منها ما يجعل من الصعب جدا نقض قرارات لجنة الانتخابات المركزية في المحكمة العليا، التي سيكون عليها بموجب اقتراح القانون أن تتخذ قرارات تنقض قرارات لجنة الانتخابات بأغلبية لا تقل عن ثلثي هيئة القضاة، وأن تكون الهيئة تضم 9 قضاة على الأقل. وهذا يقول كل شيء، بعد أن نعلم أنه في السنوات الأخيرة بات القضاة الـ 15 في المحكمة العليا بأغلبية ساحقة من اليمين المتشدد. كما بادر ساعر لمشروع قانون يقلص صلاحيات المستشار القانوني للحكومة الذي هو أيضا بمثابة المدعي العام الأعلى في النيابة، في قضايا منتخبي الجمهور وكبار المسؤولين في جهاز الحكم.

وثمة جانب آخر افتراضي لاحتمال خلخلة الأغلبية الهشة لهذه الحكومة، وهو في حال شنت هذه الحكومة عدوانا على الشعب الفلسطيني، والقيام بخطوات خطيرة أخرى في القدس وغيرها، ونشوب رد فعل مقاوم مناهض، وحينها ستتجه الأنظار إلى موقف وتصرف كتلة القائمة العربية الموحدة، التي أسقطت كل ذكر لقضية شعبها الفلسطيني، وقضية القدس، أو أي قضية سياسية، ضمن مطالبها للانخراط في الائتلاف الحاكم.

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات