المدير العام الأسبق لوزارة الخارجية الإسرائيلية: أغلبية الإسرائيليين ليست قلقة من الدولة ثنائية القومية
* حتى لو تم تمديد المفاوضات فإنه لا توجد أي نية إسرائيلية لمناقشة المواضيع التي ينتظر الفلسطينيون الوصول إليها وبحثها مثل الحدود والقدس وغيرهما*
كتب بلال ضاهر:
ليس واضحا بعد ما إذا كان رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، سيطرح قضية إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين القدامى، بمن فيهم أسرى 48، للتصويت في حكومته، خلال الفترة القريبة المقبلة. فقد تلقى تحذيرا من جانب رئيس حزب "البيت اليهودي" ووزير الاقتصاد، نفتالي بينيت، هدد فيه بأنه في حال إطلاق سراح أسرى 48 فإن حزبه سينسحب من الحكومة. ويطالب بينيت بأن يتم سحب الجنسية الإسرائيلية من الأسرى كي لا ينسحب من الائتلاف، لكن محللين يرون أن المحكمة العليا لن تصادق على قرار كهذا.
وفي حال انسحاب حزب "البيت اليهودي" فإن ولاية حكومة نتنياهو ستنتهي وستتجه إسرائيل إلى انتخابات مبكرة، خاصة أنه من المستبعد تغيير تركيبة الائتلاف، على ضوء رفض حزب العمل وحزبي الحريديم شاس و"يهدوت هتوراة" الانضمام إليها. كما أن تغيير تركيبة الائتلاف يتعارض مع سياسة نتنياهو فيما يتعلق بحل الصراع.
حول هذه المواضيع أجرى "المشهد الإسرائيلي" المقابلة التالية مع المدير العام الأسبق لوزارة الخارجية الإسرائيلية والسفير الإسرائيلي السابق الدكتور ألون ليئيل،.
(*) "المشهد الإسرائيلي": كيف تنظر إلى الأزمة الحاصلة في المفاوضات، وهل يتوقع أن يصادق نتنياهو وحكومته، برأيك، على إطلاق سراح الدفعة الرابعة من الأسرى القدامى، وبضمنهم الأسرى الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية؟
ليئيل: "ليست لدي معلومات كاملة حول ذلك، إذ أن المفاوضين لم يتحدثوا كثيرا حول هذا الموضوع، كما أنه لم تنشر أنباء كثيرة حوله بسبب حلول عيد الفصح [اليهودي]. رغم ذلك فإنه بإمكاني أن أتحدث عن صورة الوضع بشكل أوسع قليلا. وشعوري هو أن الأميركيين والإسرائيليين يريدون تمديد المفاوضات لمدة شهر أو شهرين، ولذلك فإني أعتقد أنه حتى لو تم تحقيق ذلك، فإني لا أرى أنه توجد أي نية إسرائيلية لمناقشة المواضيع التي ينتظر الفلسطينيون الوصول إليها وبحثها، وهي الحدود والقدس وغيرهما. وسيستمر الإسرائيليون بالمطالبة بأن يعترف الفلسطينيون بالدولة اليهودية والبقاء في غور الأردن. ولذلك فإني أعتقد أنه حتى لو تم الإفراج عن الأسرى وتمديد المفاوضات لشهر أو شهرين، لن يكون هناك تقدم. الجانبان متمترسان في مواقفهما، ولا أرى أحدا يتناول القضايا الحقيقية. والوضع حاليا صعب، وعلى سبيل المثال، أنا أعلم أنه عقد لقاء بين المفاوضين في الأيام الأخيرة ولم يتم نشر أي شيء عنه في وسائل الإعلام. وكل موضوع الإفراج عن الأسرى غير واضح الآن".
(*) هل سيوافق نتنياهو على البحث في قضية مثل الحدود؟
ليئيل: "هناك ذلك الشرط المسبق بأن يعترف الفلسطينيون بالدولة اليهودية. وهو يضع ذلك كشرط مسبق ولا أعتقد أن الفلسطينيين سيوافقون عليه. وسلم الأولويات لدى نتنياهو هو أنه يجب في البداية الاتفاق على المواضيع الأمنية والدولة اليهودية وبعد ذلك يأتي دور قضايا الحل الدائم. بينما سلم الأولويات لدى الفلسطينيين معاكس، وهم يريدون البدء من قضية الحدود. وأعتقد أنه ينبغي النظر إلى الصورة الكبرى، إذ أن النظر إلى الصورة الضيقة، أي ماذا سيحدث بعد يومين أو في الأسبوع المقبل، مليئة بالتكهنات حاليا. ولكن فيما يتعلق بالصورة الكبرى، فإن شعوري هو أنه لا توجد الشجاعة الكافية، لا لدى نتنياهو ولا لدى أبو مازن، ولا توجد القدرة القيادية الضرورية من أجل الذهاب نحو القضايا الكبيرة، ولا حتى البحث فيها. هذا يعني أنه توجد الآن اتصالات حول مواصلة حالة الهدوء النسبي الحاصلة الآن من خلال المفاوضات، ولكن لا توجد مفاوضات حول القضايا نفسها. وبالنسبة لي فإن من الأفضل أن يتوقف هذا الوضع. لأنه عندما تستمر فيه فإنك تكسب شهرا أو شهرين، ولكنك ترجئ طوال الوقت حل المشكلة. فنحن نعلم أن البناء في المستوطنات مستمر. وأعتقد أن على الأميركيين أن ينشروا الآن خطتهم للتسوية، التي نشروها في صحيفة نيويورك تايمز، على أنها خطتهم الرسمية وبعد ذلك القول للجانبين إنه إذا كنتم جديون فاتصلوا بنا وإلا فعلى كل طرف أن يلعب لعبته. وأعتقد أنه يجب الوصول إلى لحظة الحقيقة، لأن هذه المحادثات مستمرة منذ شهور ولم تصل إلى المواضيع الحقيقية، وكلها تكتيك ومماطلة، وإذا لم يفهم الجمهور الإسرائيلي، وكذلك الجمهور الفلسطيني، أننا ذاهبون إلى كارثة فإنه لن يكون هناك تقدم. وأنا لا أتحدث عن انتفاضة وإنما عن خطوات سياسية. فإذا توجه الفلسطينيون إلى العالم ولم يوقفهم الأميركيون فإن إسرائيل ستواجه مشاكل جدية جدا. والجمهور لا يفهم هذا ويستخف بالأمور. وهناك أيضا الإنذار الذي وضعه بينيت، ونتنياهو يخاف كثيرا من إجراء تغيير في تركيبة الائتلاف، لأنه يعلم أنه إذا أجرى تغييرا كهذا سيتعين عليه الوصول إلى البحث في القضايا الحقيقية".
(*) هل ترى وضعا ينسحب فيه بينيت من الحكومة؟
ليئيل: "نعم. أعتقد أنه إذا تم الإفراج عن الإسرائيليين [أي أسرى 48] من دون سحب جنسيتهم الإسرائيلية منهم، فإن بينيت سينسحب من الحكومة. ولذلك أعتقد أنه سيتم القيام بخطوة ضد هؤلاء الأسرى، وستكون سحب الجنسية منهم والإفراج عنهم. ونتنياهو يتخوف من تغيير تركيبة الائتلاف، وإذا انسحب بينيت فإنه ستكون هناك انتخابات، وفي هذه الحالة قد تتغير الأجندة في إسرائيل وقد تطرح مواضيع وقضايا لا يريد نتنياهو الوصول إليها. وبالمناسبة، عيد الفصح هذا يشل كل النشاط السياسي في الحكومة، خاصة وأن معظم أعضاء الائتلاف الحكومي هم متدينون".
(*) أبو مازن قال في مقابلات صحافية نشرت في الأيام الماضية إن عليه تسليم الراية إلى الجيل الشاب، الذي لم يعد يؤمن بحل الدولتين وإنما بحل الدولة الواحدة ثنائية القومية. هل يوجد استعداد في إسرائيل لخطوات كهذه في الجانب الفلسطيني؟
ليئيل: "كنت أعتقد منذ مدة، بأنه إذا فهم الجمهور الإسرائيلي أن الأمور تتجه نحو الدولة الواحدة فإنه سيهلع. لكن الأمور بكل بساطة ليست بهذا الشكل. ربما جزء من الجمهور المثقف والحمائمي يعلم أن الدولة الواحدة هي كارثة لأنه ستكون هذه دولة واحدة ويعيش فيها مواطنون من درجتين. ولكن بالنسبة لأغلبية الإسرائيليين فإن وضعا كهذا لا يهمها ولا يقلقها. وبالإمكان رؤية ما يحدث في القدس الشرقية، حيث أن الفلسطينيين هناك هم مقيمون وليسوا مواطنين، وهذا الوضع قائم بصورة ليست سيئة. أي أنهم يحملون بطاقة الهوية الزرقاء ويحصلون على حقوق، والأمور تسير بشكل جيد نسبيا. ولذلك فإنهم يقولون إذا كان هذا الوضع ناجحا مع 300 ألف فلسطيني في القدس الشرقية فلماذا لا يكون ناجحا مع 5ر2 مليون فلسطيني في الضفة الغربية".
(*) لكن وضعا كهذا لا يمكن أن يدوم لوقت طويل.
ليئيل: "أنا أميّز بين الإسرائيليين والعالم. ويعتقد الإسرائيليون أنه مع قوتنا، ومع ضعف الفلسطينيين، بإمكاننا أن نوافق على الدولة الواحدة وأن تكون للفلسطينيين منطقة شبه حكم ذاتي من دون استقلال حقيقي ومن دون دولة. وأعتقد أن الإسرائيليين يعتقدون أن بالإمكان تسوية أمر كهذا. لكن العالم سينظر إلى وضع كهذا على أنه نوع من الأبارتهايد. وأعتقد أنه إذا غير الفلسطينيون وجهتهم وسيطالبون بالحصول على الجنسية فإنه سيكون بإمكانهم أن يسوقوا للعالم أن الوضع هنا هو أبارتهايد. وإذا دخل إلى الوعي العام أنه يوجد هنا أبارتهايد جديد فإن وضعنا سيسوء جدا. وأعتقد أن نتنياهو يفهم هذا الوضع، لكن معظم القيادة في اليمين تستخف بخطورة وضع كهذا. ولذلك توجد لا مبالاة في البلاد".
(*) بصفتك دبلوماسيا كبيرا سابقا ومديرا عاما سابقا لوزارة الخارجية الإسرائيلية، هل توجد للولايات المتحدة مصلحة في حل الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، وهل لدى الأميركيين القدرة على ممارسة ضغوط من أجل حل الصراع؟
ليئيل: "بالتأكيد توجد مصلحة أميركية في حل الصراع. ومن الجهة الأخرى فإنه، برأيي، ليس لدى الأميركيين القدرة والجرأة لممارسة ضغوط. ونحن نرى اليوم ضعفا من هذا النوع لدى الرئيس باراك أوباما في مناطق أخرى، مثل أوكرانيا. لكني أعتقد أنه لو مارس أوباما ضغوطا أكثر لحقق نتائج أفضل. لكن على ما يبدو هناك قرار أميركي بأن إسرائيل هي حليفة وهناك حدود للضغوط التي بالإمكان ممارستها عليها. وأعتقد أن هذا نابع أيضا من سياسة أميركية داخلية، بأن ضغطا زائدا على إسرائيل سيلحق ضررا بالحزب الديمقراطي، وهناك ضغوط من جانب الكونغرس لمنع ممارسة ضغط زائد على إسرائيل، إذ أن وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، اتهم إسرائيل، أمام الكونغرس، بأنها المسؤولة عن فشل المفاوضات، وبعد ذلك تراجع لأنه توجد ضغوط عليه وهناك سيناتورات يؤيدون إسرائيل وهناك اللوبي اليهودي وهناك الجمهوريون والمسيحيون الجدد، وجميع هؤلاء يمنعون ضغوطا على إسرائيل. وأعتقد أن ما سيحدث على أرض الواقع إذا انهارت المفاوضات هو أن الأميركيين لن يمنعوا الفلسطينيين من التوجه إلى الأمم المتحدة. الأميركيون لن يؤيدوا ذلك لكنهم لن يمنعوا الفلسطينيين، مثلما حدث في تشرين الثاني من العام 2012، عندما صوتت 138 دولة وعارضت 9 دول الاعتراف بفلسطين، وكانت أميركا بين الدول التسع المعارضة. لكن هذا لا يشكل ضغطا على إسرائيل ليدفعها إلى البحث في القضايا الحقيقية من أجل التوصل إلى حل الدولتين. كذلك فإن الأميركيين يواجهون قضية أهم، ربما، من الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني وهي الصراع مع روسيا بعد الأزمة الأوكرانية. رغم ذلك، مهم للولايات المتحدة أن يتم التوصل إلى حل للصراع هنا. فنحن نتحدث عن إدارة ديمقراطية، وليس جمهورية، وكانت مهتمة دائما بحل الصراع. وهذا مهم لأوباما والدوائر المحيطة به، وهم يرون أن حل الصراع يصب في مصلحة إسرائيل، وفي مصلحة الفلسطينيين أيضا".