*دبلوماسية اللكمات التي يتبعها ليبرمان تلحق
أضرارًا كبيرة بإسرائيل حتى لدى أصدقائها*
كتب بلال ضـاهـر:
هاجمت وزارة الخارجية الإسرائيلية بشدة الدول الأوروبية الأعضاء في مجلس الأمن الدولي، وهي بريطانيا وفرنسا وألمانيا والبرتغال، التي نددت بالمشاريع الاستيطانية واعتداءات "جباية الثمن" التي ينفذها مستوطنون متطرفون ضد الفلسطينيين ومقدساتهم وأملاكهم، ووصفت الوزارة الإسرائيلية هذه الدول بأنها "فقدت صدقيتها" ولم "تعد ذات صلة بالواقع".
وجاء هذا في بيان صادر عن وزارة الخارجية الإسرائيلية، يوم الأربعاء، أن "هذه الدول الأوروبية اختارت القيام بالسهل وغير الضروري بدلا من حشد الشجاعة والقيام بما هو صعب وضروري".
وطالب البيان الدول الأوروبية أن تركز اهتمامها على سورية وإيران وليس على إسرائيل.
وتطرق وزير الخارجية الإسرائيلية، أفيغدور ليبرمان، أول من أمس الأحد، إلى بيان وزارته من الأسبوع الماضي، وقال إنه لا يتعين على إسرائيل الاعتذار أمام الدول الأوروبية، وإنه ليس بالإمكان التوصل إلى اتفاق سلام بين إسرائيل والفلسطينيين، وإن المصالحة الفلسطينية هي خدعة.
من جانبه قال رئيس حكومة إسرائيل، بنيامين نتنياهو، إنه إذا انضمت حركة حماس إلى الحكومة الفلسطينية فإن حكومته لن تجري مفاوضات مع السلطة الفلسطينية.
من جهة أخرى عقد في الكنيست، أمس، اجتماع للجنة التربية والتعليم تم خلاله البحث في مجزرة الأرمن. وأفادت تقارير إسرائيلية بأن ديوان نتنياهو ووزارة الخارجية طلبا من رئيس الكنيست، رؤوفين ريفلين، عدم بحث موضوع مجزرة الأرمن، التي ارتكبت في نهاية عهد الإمبراطورية العثمانية وخلال الحرب العالمية. وفسرت الحكومة طلبها بأن بحث الموضوع من شأنه أن يؤدي إلى تدهور آخر في العلاقات مع تركيا.
حول العلاقات بين إسرائيل وأوروبا، وبينها وبين تركيا، أجرى "المشهد الإسرائيلي" المقابلة التالية مع المدير العام الأسبق لوزارة الخارجية الإسرائيلية، الدكتور ألون ليئيل.
(*) "المشهد الإسرائيلي": ما الذي أراد ليبرمان تحقيقه من هجومه على الدول الأوروبية في مجلس الأمن الدولي؟
ليئيل: "ليبرمان، الذي اخترع نوعا جديدا من الدبلوماسية، ينتهج أسلوب دبلوماسية اللكمات. فالدبلوماسيون يستخدمون عادة الكلمات في حديثهم، لكن ليبرمان يعتبر الأمر أنه ملاكمة، ويعتبر أن من يوجه انتقادات له لا ينبغي التحدث معه وإنما مهاجمته بلكمات. وهذا ليس أمرا جديدا، فقبل سنتين، خلال اجتماع للسفراء الإسرائيليين، قال إنه لا يحب الدبلوماسية التي يعطون فيها الكف الأيسر وأن عليك أن ترد على من ينتقدك بهجوم شديد. وفعلا، وجهت أربع دول أوروبية بينها ثلاث دول هامة، هي ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، احتجاجًا على موضوع الاستيطان واعتداءات ’جباية الثمن’، وليبرمان قرر الرد بالقول إن هذه الدول أصبت غير ذات صلة بالصراع، والمس بها. أنا لا أحب هذا الأسلوب وأعتقد أنه أسلوب غير صحيح في العمل الدبلوماسي، وأن استخدام هذا الأسلوب يلحق أضرارا بإسرائيل. وبشأن سؤالك حول ما يقف وراء هذه الإستراتيجية، فإن قسما من الأسباب التي دفعت ليبرمان إلى الرد بهذا الأسلوب هو عدم الدخول في الموضوع نفسه. لأنه إذا بدأ يوضح ما هي ’جباية الثمن’ والدخول في موضوع المستوطنات، فإنه عندها سيبحث الموضوع. وهكذا هو يقول ’أنتم لستم على صلة بالواقع’ وعندها ينشغلون بعدم الصلة بالواقع وليس بالموضوع نفسه".
(*) وهل من شأن هجوم ليبرمان أن يمس بمكانة إسرائيل في أوروبا؟
ليئيل: "إن ما يمس بمكانة إسرائيل هي الأفعال والانتقادات بحد ذاتها. فهذه الأمور تلحق ضررا متواصلا، وليس عجيبا أن مكانتنا في الشرق الأوسط هي على هذا الشكل. والمس بمكانة إسرائيل في العالم أقل ضررا مما هو في الشرق الأوسط، رغم أنه لا يوجد شك في أن هذا السلوك يسبب ضررا. ولكني لا أعتقد أن مسألة رد الفعل الإسرائيلي هي المسألة الأخطر، رغم أن البريطانيين والألمان والفرنسيين قد يجتمعون ويقررون: ’دعونا نؤدبهم’، وإنما الأفعال التي تنفذها الدولة هي التي تلحق الضرر بها".
(*) لماذا لم يعقب رئيس حكومة إسرائيل، بنيامين نتنياهو، على بيان وزارة الخارجية بهذا الخصوص؟
ليئيل: "نتنياهو، بقدر ما نجحت في أن أفهمه، أعطى دعما لليبرمان، ولوزارة الخارجية في هذا السياق، لأن البيان ضد الدول الأوروبية أصدره المتحدث باسم الوزارة، وهذا بسبب الادعاء الأساس لديوان رئيس الحكومة وليبرمان أن أوروبا تبالغ في انتقاداتها. لكن القول إن هذه الدول الأوروبية ليست ذات صلة بالواقع هو أمر سخيف. وقبل ثلاثة شهور كانت فرنسا وألمانيا وبريطانيا ذات صلة بالواقع بشكل كبير جدا حيث قرر مجلس الأمن الدولي رفض الطلب الفلسطيني بضم فلسطين كدولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة، أو على الأقل عدم المصادقة على الطلب الفلسطيني. وألمانيا وبريطانيا وفرنسا كانت إلى جانبنا في أيلول الأخير، وعندها ليبرمان لم يقل إنها ليست ذات صلة بالواقع".
(*) ما الذي دفع الأوروبيين إلى التنديد بسياسة الاستيطان الإسرائيلية واعتداءات المستوطنين؟
ليئيل: "ما دفع هذه الدول إلى التنديد هو التقارير الأخيرة حول استمرار البناء في المستوطنات في الضفة الغربية والقدس الشرقية. وتحدثت عدة تقارير عن إضافة ألف وحدة سكنية للمستوطنات في كل مرة. وكذلك تصاعد عنف المستوطنين. والأميركيون ينددون بالاستيطان منذ سنوات أيضا. فهذا ليس شيئا جديدا. لكن هذه المرة كان التنديد بإسرائيل مختلفا لأنه جاء من داخل مجلس الأمن وليس بواسطة الاتحاد الأوروبي. وكل العالم يندد بنا بسبب المستوطنات ومنذ سنوات طويلة. وهذا إضافة إلى غياب العملية السياسية وتوقف المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين. ومما لا شك فيه أن الاستيطان وتوقف عملية السلام هما أمران مرتبطان ببعضهما. ولكن الأمر الآن ليس عدم وجود عملية سلام وإنما لا تظهر في الأفق بوادر لاستئناف عملية السلام. ولم نكن في وضع كهذا منذ سنوات طويلة. وحتى في الماضي كنا نعرف دائما أن المواقف الإسرائيلية والفلسطينية قابلة للجسر، أو على الأقل كان هناك أمل كهذا، أما اليوم فإنه لا يوجد أمل بأن المواقف لدى الجانبين قابلة للجسر. ولذلك فإن أوروبا أخذت تيأس وهي تدرك أن الأمور تسير باتجاه مكان ليس جيدا".
(*) نتنياهو لا يتطرق بصورة جدية إلى احتمال استئناف المفاوضات وعملية السلام. وليبرمان قال خلال اجتماع السفراء الإسرائيليين، أول من أمس، إنه لا يوجد احتمال للتوصل إلى اتفاق سلام بين إسرائيل والفلسطينيين خلال العقد المقبل. ماذا ينتظر الإسرائيليون؟
ليئيل: "قبل فترة كُتب في تقرير رسمي لوزارة الخارجية [الإسرائيلية] أنه لا يمكن التوصل لاتفاق طالما أن أبو مازن [الرئيس الفلسطيني محمود عباس] هو رئيس السلطة الفلسطينية. وهذه التصريحات تتكرر. لكني أريد قول أمر ما متعلق بالانتقادات الأوروبية. نحن نقف في نقطة لا أذكر مثيلا لها. إنها نقطة يوجد فيها يأس، ولدى الجمهور الإسرائيلي أيضا، ووفقا لما فهمته فإنه يوجد يأس لدى الفلسطينيين أيضا من إمكانية قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة. وأعتقد أنه تتزايد عدد الجهات التي أخذت تيأس من هذه القضية. لهذا أعتقد أنه يجب وضع الأمور على الطاولة، لأن هذا الخيار، حل الدولتين، ينتهي وربما أنه انتهى. لذلك ينبغي التحدث عن الأمر الحقيقي، وهو: إذا لم تقم دولة فلسطينية فكيف سيعيش الفلسطينيون؟ هل بإمكاننا أن نعيش معا، في دولة واحدة؟ إسرائيل لا تتحدث عن ذلك، وبالتأكيد ليس نتنياهو. والأميركيون لا يتحدثون حول ذلك ويستمرون في ترديد اللازمة حول حل الدولتين، والآن أخذوا إجازة لمدة 15 شهرا حتى الانتخابات الرئاسية لديهم. وأوروبا لا تتحدث عن هذا الأمر، والأمر الأهم هو أن الفلسطينيين لا يتحدثون عن ذلك، بل إن الفلسطينيين لا يقولون كلمة في هذا السياق، وما زالوا يكررون الحديث عن حل الدولتين فيما هم يعلمون أنه لن تكون هناك دولتان... الجميع يزيف. يجب التحدث عن الأمر الحقيقي، أي أن إسرائيل مستمرة بالاستيطان ولا يوجد دولتان، ولم يعد بالإمكان الفصل بين هذين التوأمين السياميين، لذا يجب التحدث عن كيف بإمكان هذين التوأمين السياميين أن يعيشا معا".
(*) لكن هذا الوضع، استمرار الاستيطان وعدم التوصل إلى حل، من شأنه أن يؤدي إلى تفجر الأوضاع.
ليئيل: "كل هذا الوضع الذي لا يوجد فيه حل من شأنه أن يؤدي إلى الانفجار وإلى انتفاضة. والانفجار قد يأتي في أي لحظة. وليس بالضرورة أن يأتي من جانب الفلسطينيين فقط. قد يأتي من جانب حزب الله أو غزة أو الضفة. وحتى ما كان سائدا فيما يتعلق باتفاقيتي السلام مع مصر والأردن لم يعد قائمًا. وعلينا أن نرى ما سيحدث بين إسرائيل ومصر بعد نصف سنة، وعلى أثر ذلك ما سيحدث بين إسرائيل والأردن. وبين إسرائيل وتركيا لا يوجد شيء تقريبا. لذلك فإن الشرق الأوسط كله يرفض هذا العبء الذي اسمه دولة إسرائيل، ويبدو الوضع قابلا للاشتعال".
(*) ما هو جوهر التدهور في العلاقات مع تركيا الذي تتخوف منه إسرائيل بعد بحث في الكنيست حول مجزرة الأرمن؟
ليئيل: "أعتقد أن التخوف الأكبر هو من قطع العلاقات. ففي حال حدوث ذلك فإنه سيشكل ضربة كبيرة جدا. فقد كانت هناك علاقات بين الدولتين منذ قيام إسرائيل تقريبا. وقطع العلاقات هو أمر ينطوي على خطورة بالغة، علمًا بأن العلاقات في المستوى الرسمي اليوم سيئة جدا، والجيشان توقفا عن التدرب سوية. لا شيء تقريبا بيننا وبين تركيا. وحتى أنه لا توجد محادثات هاتفية بين الجانبين، حسبما علمت".
(*) ما هو موقف إسرائيل من مجزرة الأرمن؟
ليئيل: "الحديث يدور الآن عن بحث في الكنيست وفي حال اتخاذ أي قرار في الكنيست لن يكون موقفا رسميا إسرائيليا. ومما أعرفه، أنه في كل مرة كان يتم الحديث فيها حول الموضوع في الكنيست كانت حكومات إسرائيل تبلغ الأتراك بأن ما يصدر عن الكنيست من قرار أو تصريح متعاطف مع الأرمن لا يعبر عن الموقف الرسمي الإسرائيلي. وإذا ما قال الكنيست إن مجزرة الأرمن هي عبارة عن تطهير عرقي، فإني أكاد أكون مقتنعا بأن وزارة الخارجية الإسرائيلية ستستدعي السكرتير الثاني في السفارة التركية في تل أبيب وتؤكد له أن هذا ليس قرارا رسميا لإسرائيل. وهذه السياسة الإسرائيلية نابعة من العلاقات الإستراتيجية الوطيدة للغاية التي كانت بين إسرائيل وتركيا".