المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • على هامش المشهد
  • 1788

روت ديان هي أرملة الوزير الإسرائيلي الأسبق موشيه ديان، تجاوزت الثمانين من عمرها بيد أنها لا تزال نشيطة في تقديم المساعدات الإنسانية للفلسطينيين الذين أمضى زوجها عقودا في محاربتهم. غير أن سلوكها سكة الاتجاه المعاكس لطريق زوجها كان قد بدأ قبل وفاته وربما كان أحد أسباب طلاقهما من بعضهما البعض كما ستروي لاحقا. في منزلها شمال تل أبيب الذي بدا متحفا مليئا بالرسومات والجداريات والمكتبات التقينا روت ديان التي استعادت سيرة ارتباطها بزوجها في مستوطنة نهلال خلال عهد الانتداب وأطلعتنا على شخصيته وعلاقاته مع شخصيات عربية ويهودية. وأفادت ديان أنها ولدت في حيفا وترعرعت في لندن مع والديها اللذين عادا للإقامة في القدس العربية حيث عملت والدتها حاضنة في روضة كانت تابعة لعائلة الدجاني. وأشارت روت إلى أن والدها استحضر لها معلما خاصا للغة العربية قبل أن تنتقل وهي في السابعة عشرة من عمرها إلى مستوطنة نهلال في مرج ابن عامر لتعلم الزراعة لافتة إلى أنه كان يعتاد على قراءة القرآن والروايات العربية للاطلاع على ثقافة العرب. في نهلال التقت روت بموشيه ديان وتزوجت منه بعد عام منوهة إلى انه كان قد جاء من مستوطنة "دغانيا" وكان قد انتمى إلى "الهاجناه" وهو في الرابعة عشرة بعد أن قتل مسلحون من عيلوط والمجيدل والده وشقيقه عام 1932 في نهلال.

 

 

فقد عينه في لبنان

وروت روت أنها تعرفت على ديان بفضل عرب المزاريب. وأضافت "كانت قد نشبت خلافات بين اليهود في نهلال وبين أبناء عشيرة المزاريب المجاورة الذين هاجموه وهو يعمل في الحقل وأصابوه بجرح في رأسه بواسطة عصا ما زلت أحتفظ بها فقمت بمعالجته لمعرفتي بالإسعافات الأولية وسرعان ما بدأت قصة حب بيننا، وبعد إجراء الصلح مع العرب قمنا بدعوتهم لحفل زفافنا".

وأشارت روت إلى أن زوجها كان فقد عينه عام 1941 خلال مشاركته قوة من الجيش الانجليزي في عملية عسكرية ضد النازيين بالقرب من صيدا أثناء الحرب العالمية الثانية بعدما كان قد سجن في مستهل الحرب في سجن عكا على يد سلطات الانتداب وحينها كانت ابنتهما ياعيل ابنة تسعة شهور. ولا تزال روت تحتفظ بـ200 رسالة تبودلت بينهما أثناء مدة الاعتقال وهي باللغة الانجليزية. وأضافت "اتفقنا على مراسلة بعضنا بالانجليزية كي أعلمه اللغة حيث كنت أصحح أخطاءه". وأوضحت روت أن مهمة زوجها كانت إرشاد وحدة من الجنود الاستراليين ضمن الجيش الانجليزي خلال مهاجمة مواقع للنازيين في سوريا ولبنان. وتابعت "في ذاك اليوم رافقت موشيه حتى كيبوتس حنيتا شمال الجليل حيث أقمت هناك ولم يعد في الليلة الأولى، وفي الصباح حضر شخص وأبلغني أن زوجي جرح وتم نقله إلى مستشفى في حيفا. وقد روى لي انه أصيب بعيار في عينه حينما كان ينظر عبر منظار خلال اقتحام حصن على شاطئ البحر بجوار مدينة صيدا وأن عملية نقله للمستشفى استغرقت 13 ساعة ولولا المنظار لكان لقي حتفه كونه قد امتص الضربة". وأشارت روت إلى أن زوجها روى لها أنه عشية العملية المذكورة توجه إلى عرب العرامشة في أعالي الجليل واستعان بدليل من القرية وهو الذي حمله على كتفيه بعد إصابته بعينه. وأضافت "زرت ذوي ذلك الدليل العام الماضي وقد حللت ضيفة عليهم وتناولت وجبة الغداء لديهم برفقة أبنائه وأحفاده".

 

أصدقاء في الناصرة

واستذكرت روت أنها لا تكن العداء للفلسطينيين وعملت على التعاون معهم بشكل مكثف عقب احتلال عام 67 حيث كانت تدخل غزة بسيارة جيب حازت عليها من الأمم المتحدة لتشجيع صناعة السجاد وتقديم مساعدات إنسانية للمرضى. وأضافت "عندما احتفلنا بزفاف ابنتنا ياعيل وابننا آسي بنفس اليوم شاركنا الكثيرون من الفلسطينيين من الضفة ومن إسرائيل منهم رئيس بلدية الخليل وكنت قد اقتنيت ملابس العرس من بيت لحم. وتربطني علاقات طيبة متينة مع أصدقاء في الناصرة خاصة أسرة ناصر نصار. وهذه صداقة لا تنتهي وسبق أن سافرت إلى تورنتو للمشاركة في حفل زفاف بعض أبنائها". واعتبرت ديان أن الفلسطينيين في إسرائيل قد مروا بـ"عملية شكنزة" (تحولوا إلى أشكناز) لافتة إلى أنهم عندما التقوا أهاليهم في الضفة وغزة اكتشفوا أنهم "شعبان مختلفان". وأضافت "بات الآلاف من الشباب والصبايا العرب يتخرجون من الجامعات وأنا مطلعة على حجم التغييرات التي شهدها المواطنون العرب في إسرائيل وأنا لست بحاجة لقراءة جدعون ليفي في "هآرتس" بغية التعرف على العرب".

ونوهت روت إلى أنها انتمت لأسرة يسارية لكنها اعتبرت صداقاتها مع العرب صداقة نظيفة من الاعتبارات السياسية. وأضافت "آمنت ولا زلت أن الحل يكمن بالتفاهم والحوار وإعطاء الفلسطينيين حقهم في تقرير مصيرهم عبر إنهاء الاحتلال". وأوضحت ديان أن المواجهة تستنزف الشعبين وتدخلهما دائرة مفرغة مبللة بالدماء. واستذكرت مقتل شقيق زوجها، زوهر ديان، والد الجنرال عوزي ديان (الذي كان ابن 11 شهرا وقت مقتله) حينما كان شابا بالقرب من مستوطنة "رمات يوحنان" عام 48 على يد متطوعين دروز قدموا ضمن قوات شكيب وهاب من جبل العرب في سوريا. وأضافت "غير أن موشيه وبدلا من الانتقام منهم نجح في تجنيدهم إلى جانب الهاجناه. وفي العام 1954 التقيت بعض رجال الشرطة الدروز الذين أبلغوني أن قاتلي زوهر ديان يقيمون في عسفيا ثم التقيت بهم واعترف أحدهم بالمشاركة في القتل وهذا اللقاء لم يرق لوالد موشيه الذي صدم به".

 

العلاقة مع عبد المجيد مزاريب قبل تحوله إلى عاموس يركوني

كما استذكرت روت أن زوجها التقى داخل السجن قبل العام 48 عبد المجيد خضر مزاريب الذي نشط وقتذاك في المقاومة الفلسطينية وشارك في عملياتها منوهة أنه شارك في زفافهما لاحقا. وأضافت "داخل المعتقل الانجليزي نسج موشيه علاقات طيبة مع عبد المجيد مزاريب الذي أصبح بطل إسرائيل واسمه عاموس يركوني دون أن يتهود. وقد شاركت في تشييع جنازته حيث دفن في مقبرة خاصة بغير اليهود بعيدا عن قريته".

وردا على سؤال عما إذا كانت تعرف نفسها كيسارية إسرائيلية قالت ديان إن الموضوع لا يتعلق بالتوجهات اليسارية إنما بنهج حياة. ومضت تقول "الإنسان هو إنسان بصرف النظر عن كونه عربيا أو يهوديا".

وترى ديان في نفسها مناضلة ضد الاحتلال حتى اليوم. وهي منخرطة ضمن جمعية جديدة تدعى "هناك قانون" تنشط فيها برفقة النائبة اليسارية السابقة شولاميت ألوني ورئيس بلدية تل أبيب السابق شلومو لاهط وأرملة قاضي محكمة العدل العليا ميخال كوهين. ورغم مواقفها اليسارية لم تخف ديان التزامها بالتوجهات الصهيونية التقليدية حيال قضايا الصراع فلفتت أنها ترى بأن حرب الأيام الستة قد فرضت على إسرائيل واستذكرت أنها كانت تسمع دافيد بن غوريون يقول إن الحكومة الإسرائيلية تستعد لإعادة الأراضي المحتلة.

 

التقت وصفي التل ورقصت مع عبد الله التل

وكشفت ديان أن زوجها كان سنوات طويلة يزعم أنه لا شريك عربيًا للسلام حتى حصل الانقلاب في نهاية السبعينيات بانجاز السلام مع مصر والذي تعتبره غير ممكن لولا مساهمة زوجها. واكتفت ديان بالإشارة إلى زيارات موشيه ديان للأردن ولقاءاته السرية مع الملك عبد الله عامي 1949 و 1950 ومع الملك حسين لاحقا. وأضافت "كان موشيه يرافق غولدا مئير وأحيانا رافقته في المناسبات السعيدة واذكر أنني شاركت في حفلات أيام العيد بحضور ضباط أردنيين كما رقصت مع وصفي التل. وفي لقاء آخر في منطقة المجامع الحدودية رافقت موشيه والتقينا عبد الله التل والتقطت صورة مشتركة لنا".

وديان التي لا تزال تحتفظ بشال أهداه لها الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات تستذكر أنها رافقت زوجها إلى منطقة الفالوجة جنوب البلاد وشاهدت عبر المنظار الرئيس المصري جمال عبد الناصر حينما كان ضابطا في الجيش المصري.

 

"فتح" تسببت بطلاقها من زوجها

واستذكرت ديان، التي تحاشت الإسهاب في سرد تفاصيل حول قضايا تخص زوجها، أنها زارت مدينة نابلس بعد احتلالها في العام 67 وقدمت الألعاب لمؤسسة عربية كانت ترعى الأولاد المعاقين والأيتام. وأضافت "فور وصولي إلى نابلس عام 1970 بسيارة محملة بالألعاب زرت مقر الحاكم العسكري الإسرائيلي وتناولت وجبة الغداء هناك وزرت سجينات فلسطينيات انتمين إلى حركة "فتح". ولما عدت للبيت أعددت لموشيه الطعام في المساء وأخبرته أنني عازمة على مرافقة صديقتي لمشاهدة مسرحية في يافا وعندها أجاب غاضبا بعد أن علم بزيارتي لنابلس بواسطة الجيش: كيف تقدمين على زيارة "مخربات" فلسطينيات قمت بنفسي بإصدار التعليمات باعتقالهن؟ وعندها نشب نقاش بيننا وبشكل عفوي دعوته إلى تقديم طلب للطلاق إذا لم تعجبه تصرفاتي، ولما عدت من يافا وجدته قد طلب إلى محاميه الشروع في إجراءات الطلاق وانفصلنا. هذه هي الحقيقة خلافا لما اعتقده الجمهور الواسع الذي ظن أن الطلاق وقع على خلفية معاقرته النساء علما أنني كنت أعلم بعلاقاته الغرامية وكنت أتعامل مع الموضوع بتسامح".

 

وردا على سؤال حول ما إذا كانت نادمة أجابت بالنفي مؤكدة على أهمية الحرية بالنسبة لها لافتة إلى أنه هو أيضًا غيّر توجهاته السياسية في آخر أيامه. وأضافت "في كتابه "محطات على الطريق" كتب موشيه أنه يؤيد إعادة الأراضي الفلسطينية المحتلة وقد تميّز بقدرته على تغيير أفكاره كما تجلى في موقفه من منطقة شرم الشيخ التي أوضح تغيير موقفه حيالها بالقول "حمار من لا يغير رأيه" بعدما صرح مرات أن شرم الشيخ بدون سلام أفضل من السلام بدونه".

 

المصطلحات المستخدمة:

الصهيونية, كيبوتس, نهلال, هآرتس, عوزي, دغانيا

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات