يسود قلق كبير في إسرائيل من امتناع إدارة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، عن التزامها بتعهدات إدارة الرئيس الأميركي السابق، جورج بوش، لإسرائيل بخصوص الكتل الاستيطانية الكبرى. وذكرت صحيفة هآرتس، اليوم الأحد – 31.5.2009، أن التوتر بين الولايات المتحدة وإسرائيل آخذ بالتصاعد على خلفية المطالب الصارمة من جانب إدارة أوباما بتجميد مطلق لأعمال البناء في المستوطنات، وخصوصا في القدس الشرقية والكتل الاستيطانية الكبرى في الضفة الغربية. وأضافت الصحيفة أن القلق في إسرائيل يتصاعد خصوصا على ضوء فشل المحادثات التي أجراها مبعوثون من قبل رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، مع المبعوث الأميركي الخاص إلى الشرق الأوسط، جورج ميتشل، ومستشاريه، في لندن الأسبوع الماضي.
ونقلت هآرتس عن مصدر سياسي إسرائيلي رفيع المستوى قوله "إننا خائبو الأمل لأن جميع التفاهمات التي كانت معنا في فترة إدارة بوش، أصبحت تساوي قشرة ثوم بنظر الأميركيين". وقال مسؤول حكومي إسرائيلي آخر للصحيفة، إن الولايات المتحدة ترفض في هذه المرحلة أي اقتراح إسرائيلي لبلورة تفاهمات جديدة حول موضوع البناء في المستوطنات، وأن "الولايات المتحدة تقود خطا يتمثل بمنح إعفاءات للفلسطينيين وهذا توجه ليس عادلا تجاه إسرائيل".
من جهة ثانية ذكرت صحيفة معاريف، اليوم، أن وزارة الخارجية الأميركية "تتهرب" من الإعلان عن أن إدارة أوباما ملتزمة ب"رسالة الضمانات"، التي سلمها بوش لرئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق، أرييل شارون، في 14 نيسان العام 2004، وكرر التأكيد على التزامه بمضمونها لرئيس الحكومة السابق، ايهود أولمرت. وتقضي "رسالة الضمانات" بأن الولايات المتحدة تتعهد لإسرائيل بأن تبقى الكتل الاستيطانية الكبرى بأيدي إسرائيل في أي اتفاق مستقبلي بين إسرائيل والفلسطينيين. واعتبرت إسرائيل أن هذه الرسالة تتيح تنفيذ أعمال بناء واسعة النطاق داخل الكتل الاستيطانية، علما أن بوش شدد في زيارته الأخيرة لإسرائيل، في أيار من العام الماضي، على أن خطة خارطة الطريق، التي أطلقها في العام 2003، تقضي بتجميد البناء في المستوطنات والقدس الشرقية وان إسرائيل التزمت بذلك.
وقالت هآرتس إن القيادة الإسرائيلية تعتبر أن دوافع الموقف الأميركي تكمن في الرغبة بالاقتراب من العالمين العربي والإسلامي، وأن أوباما سيوجه رسالة مصالحة إلى هذين العالمين خلال خطابه المرتقب في القاهرة، يوم الخميس المقبل. ونقلت الصحيفة عن المسؤول الحكومي الإسرائيلي قوله إنه "نتواجد الآن في عملية استيضاح مع الأميركيين حول ما يريدون تحقيقه. ولا يزال من غير الواضح لنا في هذه المرحلة ما الذي يحركهم وما الذي يريدون تحقيقه".
وأفادت معاريف بأن مسؤولين سياسيين إسرائيليين عبروا عن عدم ارتياح من العلاقات التي ينسجها أوباما مع زعماء دول عربية ومن الضغوط التي يمارسها على إسرائيل. ونقلت الصحيفة عن هؤلاء المسؤولين قولهم إن "أوباما يضغط على إسرائيل ويغازل العرب لكي يمنحهم شعورا بأنه ليس في جيب إسرائيل".
وأشارت هآرتس إلى أن الخلافات بين إسرائيل والولايات المتحدة برزت خلال لقاء عقد في لندن، الأسبوع الماضي، بين مبعوثي نتنياهو وبين ميتشل ومستشاريه، وتم خلاله استعراض التفاهمات بين بوش وبين شارون وأولمرت، فيما أوضح ميتشل ومستشاريه أن هذه التفاهمات ليست مقبولة على إدارة أوباما. ونقلت هآرتس عن مصدر سياسي إسرائيلي اطلع على تفاصيل المحادثات الأميركية – الإسرائيلية في لندن، قوله إن "الأميركيين أخذوا شيئا ما كان متفق عليه طوال سنوات وهم ببساطة أوقفوا كل شيء". وأضافت الصحيفة أنه عندما قال الوفد الإسرائيلي لميتشل إن مطلب تجميد الاستيطان هو مطلب "غير إنساني" وان إسرائيل أخلت ثمانية آلاف مستوطن من قطاع غزة، رد ميتشل قائلا "لقد دونت ذلك أمامي".
وتابعت هآرتس أن إسرائيل تأمل بأن تدرك إدارة أوباما أن "القيود السياسية الداخلية المفروضة على نتنياهو"، بسبب تشكيلة حكومته المؤلفة بالأساس من أحزاب يمينية ويمينية متطرفة، لن تحقق شيئا وأن "أية ضغوط عليه لن تحقق أية نتائج". وفي غضون ذلك يتوجه وزير الدفاع الإسرائيلي، ايهود باراك، إلى الولايات المتحدة، مساء اليوم، وسيحاول إقناع المسؤولين الأميركيين الذين سيلتقي معهم، وبينهم نائب الرئيس جو بايدن ووزير الدفاع روبرت غيتس، بتخفيف الضغوط على إسرائيل وأنها لن تحقق نتائج.
وكان الدبلوماسي الأميركي ومستشار ميتشل، مارتن إنديك، قد رد على الادعاء الإسرائيلي بأن ضغوط أميركية لن تحقق شيئا بسبب تركيبة حكومة نتنياهو، وقال ليديعوت أحرونوت، الأسبوع الماضي إن "بيبي (أي نتنياهو) لا يمكنه أن يتصرف مع واشنطن مثل الولد الذي قتل والديه وأخذ يطلب الرحمة لأنه أصبح يتيما. فهو لا يستطيع القول إنه لأن (رئيس حزب "إسرائيل بيتنا" ووزير الخارجية أفيغدور) ليبرمان في ائتلافي الحكومي فإنه لا يمكني تنفيذ تنازلات".
وقال موظف إسرائيلي رفيع المستوى "إننا نريد التوصل إلى تفاهم مع الولايات المتحدة حول طريقة دفع عملية السلام، لكن أي محاولة أميركية لإرغامنا ستؤدي إلى عرقلة العملية وستؤدي إلى توتر وجمود (سياسيين) ستخسر إسرائيل والولايات المتحدة جرائه". من جهة ثانية تأمل إسرائيل بأن إخلاء 22 بؤرة استيطانية سيرضي الإدارة الأميركية ويمنع حدوث أزمة ومواجهة مباشرة بين الجانبين حول مواصلة إسرائيل أعمال البناء في المستوطنات.