المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • ارشيف الاخبار
  • 825

 

انتقد الدبلوماسي الأميركي، مارتن إنديك، سياسة رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، وتذرعه بالتخوف من سقوط تحالفه الحكومي في حال استجاب لمطلب إدارة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، باستئناف العملية السياسية وتجميد الاستيطان. وقال إنديك في مقابلة أجرتها معه صحيفة يديعوت أحرونوت ونشرتها، اليوم الخميس – 28.5.2009، إن "نتنياهو وصل في زيارته الحالية لواشنطن (الأسبوع الماضي)، إلى مدينة تختلف عن تلك التي عرفها في العام 1996 (خلال ولايته الأولى في رئاسة الحكومة)، فعندها شكل الجمهوريون الأغلبية في كلا مجلسي الكونغرس. ونتنياهو جمهوري أكثر من كونه ليكودي (نسبة لحزب الليكود الذي يتزعمه)، والجمهوريون يعتبرونه واحد منهم، والجمهوريون اليوم في وضع صعب وأوباما، كسياسي محنك،يدرك ذلك. وبيبي (أي نتنياهو) لا يمكن أن يتصرف مع واشنطن مثل الولد الذي قتل والديه وأخذ يطلب الرحمة لأنه أصبح يتيما. فهو لا يستطيع القول إنه لأن (رئيس حزب "إسرائيل بيتنا" ووزير الخارجية أفيغدور) ليبرمان في ائتلافي الحكومي فإنه لا يمكني تنفيذ تنازلات".

 

ويذكر أن إنديك أشغل في الماضي منصب مساعد وزيرة الخارجية الأميركية السابقة لشؤون الشرق الأوسط والسفير الأميركي في إسرائيل. وهو اليوم مستشار المبعوث الأميركي الخاص إلى الشرق الأوسط، جورج ميتشل، ورئيس مركز صبان للسياسة الشرق الأوسطية. وأضاف إنديك "أعتقد أن بيبي يعاني من أن الكثيرين في إدارة أوباما يعرفونه جيدا، فقد كانوا هناك خلال فترة (الرئيس الأميركي الأسبق بيل) كلينتون، وهم لم ينسوا، ولا أعرف ما إذا كان هذا الأمر يؤثر على أوباما، فهو رجل يقرر رأيه بنفسه. ولذلك فإن بإمكان نتنياهو أن يبني علاقات ثقة معه شريطة أن ينفذ ما يقول. إذ أن المثابرة كانت مشكلة نتنياهو الكبرى معنا خلال ولايته السابقة".

وتابع إنديك أنه "في أميركا يقدرون كثيرا أن إسرائيل هي دولة ديمقراطية. ومن الجهة الثانية فإنه إذا لم تُرد أن تفعل شيئا فلماذا علينا مساعدتك، خصوصا إذا كنت أنت الذي تطلب المساعدة". ونفى إنديك أن يكون هذا التوجه سيستدعي صداما بين الإدارة الأميركية والحكومة الإسرائيلية "بل على العكس، فالمبدأ الذي ينبغي أن يوجه إدارة أوباما هو العمل مع حكومة إسرائيل وليس ضدها". لكنه شدد على أن "إسرائيل تمسك بأكثر من 50 بالمائة من المشكلة وبأكثر من 50 بالمائة من الحل، لأن الضفة الغربية بأيديها. ولا يمكن إقناع إسرائيل بتقديم تنازلات من خلال زيادة مخاطرها وأوباما لا يلوح بعصا أمام نتنياهو. لكن منذ ولاية (وزيرة الخارجية الأميركية السابقة) كوندوليزا رايس تجذر الرأي هنا بأن قيام دولة فلسطينية هو مصلحة أميركية. ومنذئذ لم تعد المسألة تتعلق بمصلحة إسرائيل فقط وإنما ما الذي يخدم المصلحة الأميركية".

ولفت إنديك إلى أن "الوضع مختلف عما كان عليه في فترة كلينتون لأنه في حينه كانت السلطة الفلسطينية مسيطرة ميدانيا وكان (رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق إسحاق) رابين مفوضا بأن يقترح سلاما، لكن في هذه الأثناء تزايدت الشكوك لدى غالبية الإسرائيليين وأيضا لدى غالبية الفلسطينيين". ورأى أنه "توجد اليوم ثلاث نوافذ من الفرص، الأولى هي التخوف المشترك من إيران، وينبغي التيقن مما إذا كانت هذه المصلحة المشتركة كافية لحل الصراع الإسرائيلي – العربي، والنافذة الثانية التي يجدر البحث فيها هي هل شعوب المنطقة منهكة من المعاناة والحروب إلى درجة أنها مستعدة للمضي نحو حل، والنافذة الثالثة هي سورية، ويجب التدقيق في مقترحاتهم بجدية".

يشار إلى أن كتابا من تأليف إنديك حول السياسة الأميركية في المنطقة، بعنوان "ساذج في خارج البلاد"، صدر مؤخرا في الولايات المتحدة. وقال انديك ليديعوت أحرونوت في السياق السوري "لقد قلت في الكتاب إن (الرئيس السوري السابق) حافظ الأسد كان مهتما طوال سبع سنوات بالعملية (التفاوضية مع إسرائيل) وليس بالنتيجة. لكن قبيل موته حدث تغير لديه وأراد التوصل إلى صفقة. وتدل على ذلك حقيقة أنه رفض إيفاد شخصية رفيعة لإجراء مفاوضات مباشرة مع إسرائيل طوال سنوات. لكن قبيل موته أرسل إلى المحادثات وزير خارجيته فاروق الشرع" الذي التقى مع رئيس الحكومة الإسرائيلية في العام 2000، ايهود باراك.

وانتقد إنديك باراك وقال إنه "عندما وصل الشرع إلى واشنطن من أجل التفاوض مع باراك، انشغلنا في مسائل مثل لماذا لم يصافحه ولماذا ندد بإسرائيل في خطابه، وتجاهلنا الأمر الأهم الذي قاله وهو أن هذا خلاف على الحدود وليس صراعا وجوديا، فقد كان السوريون على استعداد لتقديم سلسلة تسويات". وأضاف أن "أشخاصا قرؤوا كتابي يقولون إن باراك لم يكن يملك الشجاعة للتوصل إلى اتفاق مع سورية. وباراك هو رجل شجاع ولا نقاش في هذا. لكن المشكلة كانت بالتوقيت، واللحظة التي كان بالإمكان فيها التوصل إلى اتفاق مع الأسد كانت بين كانون الأول 1999 وشباط 2000، ولو أن باراك ترفع في الوقت المناسب لتغير كل شيء".

وتحدث إنديك عن انطباعه من زيارة سورية، مؤخرا، ولقائه مع وزير الخارجية، وليد المعلم. وقال إنه "يوجد في سورية اليوم ليونة أكبر من الماضي، لكن ليس فيما يتعلق بالأرض، وسيكون من الخطأ التفكير أنهم غيروا موقفهم وهم لن يتنازلوا عن سنتيمتر واحد من الأرض. لكن إذا اعترفت إسرائيل بالسيادة السورية على كل الجولان، فإنهم سيكونون مستعدين للحديث عن كل ما تبقى وبضمن ذلك وجود مستوطنات إسرائيلية تحت السيادة السورية".

وحول السياسة الأميركية تجاه الصراع في الشرق الأوسط قال إنديك إنه "لسنا الوحيدين الذين فشلوا، وأنتم أخطأتم وفشلتم أيضا، ومن بين أسباب فشلنا أن الرئيس كلينتون عمل كل ما بوسعه من أجل إرضاء رؤساء حكوماتكم. وكانت هناك أسباب أخرى، مثل افتقار الأسد للقيادة، والأخطاء التي ارتكبها (الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر) عرفات، وإهدار فرص من جانب إسرائيل. وهناك الكثير من الفشل الذي بالإمكان تقاسمه. والعبرة هي أن علينا أن نكون أكثر تواضعا واقل سذاجة وغطرسة". وأضاف أن "على نتنياهو الإنصات لأوباما لأن أوباما يقول له، باختصار، إن حل الصراع هو مصلحة أميركية. وما يحدث الآن هو أن الصراع الإسرائيلي – العربي هو أداة بأيدي أعداء أميركا، أي إيران وحزب الله وحماس. والوقت لا يعمل في صالح إسرائيل ولا في صالح السلام". وتابع أن "أميركا كانت تعزز قوتكم طوال السنوات الماضية من أجل أن تتمكنوا من المخاطرة وصنع السلام. كيف بإمكان الفلسطينيين القضاء عليكم؟ إن الخطر الوجودي الحقيقي هو ألا تنجحوا في الانفصال عنهم".

ورفض إنديك الادعاء الإسرائيلي بأن إسرائيل انسحبت من قطاع غزة وفي المقابل سيطرت حماس على القطاع، وأن إسرائيل لا يمكنها أن تسمح لنفسها بإقامة "حماستان" ثانية في الضفة الغربية. ورد إنديك على ذلك قائلا إن "هذا ادعاء جيد للنقاش لكنه ليس وصفة لتنفيذ سياسة. فقد خرجتم من غزة من جانب واحد ومن دون اتفاق، ولا أحد يتحدث عن انسحاب أحادي الجانب من الضفة".

كذلك اعترض إنديك على الادعاء الإسرائيلي بأن عرفات رفض مقترحات "كريمة" لحل الصراع، طرحها عليه باراك خلال مفاوضات كامب ديفيد في العام 2000، وقال إنه "كان بالإمكان أن تسير الأمور بشكل مختلف". وأوضح أن "الإستراتيجية المشتركة لنا ولكم كانت تقضي بأن سورية أولا. وعندما أهدرنا فرصة التوصل إلى سلام مع السوريين خلال مؤتمر شيفردستاون في كانون الثاني العام 2000، طرأ تحول لدى عرفات. فحتى ذلك الحين كان يخشى من البقاء في الخلف، وبعد الفشل مع السوريين فإن باراك وكلينتون، ومثلما قال بحق الرئيس (الأميركي السابق جورج) بوش، أخذوا يحيطون بعرفات عبثا. لكن لو تم الاتفاق مع سورية لكانت المعادلة مختلفة".

وحول الحوار الأميركي – الإيراني، الذي تحاول إسرائيل تحديده بفترة زمنية قصيرة، قال إنديك إن "المسالة ليست الموعد النهائي وإنما ما إذا كان هناك تقدم في المفاوضات. وبقدر معين فإن السياسة الإسرائيلية تخرب، بحملتها ضد إيران. وبين حين وآخر أنتم تقولون إنهم وصلوا إلى نقطة اللاعودة، وعندها تنسخون النقطة إلى الأمام. لكن المباحثات يجب أن تستند إلى التقدم، مثل هل بالإمكان إقناع الروس بالانضمام إلى العقوبات، وإذا نجحنا في منع بيع صواريخ مضادة للصواريخ من روسيا لإيران فإننا سنشتري الوقت". وأضاف "علينا أن نبحث فيما إذا كان بالإمكان ضم سورية إلى معسكر السلام، والإيرانيون يريدون المماطلة وفي المقابل فإن ساعة إسرائيل والدول العربية أخذت تدق بسرعة وهي تشعر أنه إذا تجاوزت إيران السقف (التكنولوجي لصنع قنبلة نووية) سيكون الوقت متأخرا لوقفها، والساعة الأميركية موجودة في مكان ما بين الساعتين".

وقال إنديك إن على الولايات المتحدة أن توفر مظلة نووية لمنطقة الشرق الأوسط لأنه "أحد المخاطر في هذه الفترة هو بأن تدخل جهات أخرى سلاحا نوويا إلى المنطقة، وهجوم إسرائيلي على إيران سيؤجل إنهاء المشروع لسنتين أو ثلاث، وربما تكون العملية العسكرية في نهاية المطاف أفضل الشرور، لكن من الصواب الآن الذهاب إلى محادثات مع إيران".

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات