المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

* المداخيل من الضرائب تسجل مستويات قياسية * التضخم المالي في الشهر الأول من العام الجاري- صفر بالمئة * البدء باحتساب جدولين إضافيين للتضخم المالي، واحد للفقراء وآخر للأغنياء *

قال بنك إسرائيل المركزي، في تقرير جديد صادر عنه، إن الاقتصاد الإسرائيلي لا يشهد أي بوادر تباطؤ اقتصادي في العام الجاري، 2008، مستندا بالأساس إلى سلسلة من معطيات شهر كانون الثاني الماضي.

وقال البنك إن كل المؤشرات تدل على أن نسبة النمو الاقتصادي العام ستبقى وفق التقديرات السابقة، وستتراوح ما بين 6ر3% إلى 4ر4%.

وتؤكد معطيات البنك ووزارة المالية أن خزينة الدولة شهدت فائضا في الشهر الماضي بقيمة 5 مليارات شيكل (38ر1 مليار دولار)، في حين أن الفائض في خزينة الدولة في نفس الشهر من العام الماضي بلغ نحو مليار دولار.

وهذا الفائض ناجم عن أن مجموع مداخيل الدولة في الشهر الماضي بلغ 2ر19 مليار شيكل، وهذا يفوق بخمسة مليارات شيكل الميزانية المحددة للصرف في الشهر الماضي، ونجم بالأساس عن زيادة مداخيل الخزينة من الضرائب، إذ بلغت هذه المداخيل 1ر17 مليار شيكل، ولأن الميزانية التي خصصت للشهر الماضي كانت في حدود 5ر13 مليار شيكل، وذلك لأن مسؤولي وزارة المالية أعدوا ميزانية العام الجاري 2008 على أساس أنها ستشهد عجزا بقيمة نحو 3 مليارات دولار (5ر11 مليار شيكل)، وهو ما يعادل 6ر1% من الناتج العام.

وزعم مسؤولو وزارة المالية أن الصرف الحكومي في الشهر الأول من كل عام عادة يكون أقل من معدل الصرف في باقي أشهر السنة، في مقابل ارتفاع معهود للمداخيل الضريبية في الشهر الأول من كل عام.

ولكن مزاعم مسؤولي وزارة المالية لا تتلاءم مع معطيات السنوات الأخيرة بالنسبة لمداخيل الضرائب في إسرائيل.

ويتضح من معطيات وزارة المالية أن الخزينة الإسرائيلية ضاعفت مداخيلها من الضرائب خلال 12 عاما، ففي حين كان مدخول الدولة من الضرائب في سنة 1996 قرابة 95 مليار شيكل، ما يعادل في حينه 28 مليار دولار حسب سعر الصرف في ذلك العام، فإن هذه المداخيل وصلت في السنة الماضية 2007 إلى 191 مليار شيكل، وهو ما يعادل نحو 48 مليار دولار، وفق معدل سعر صرف الدولار للعام الماضي.

ولكن وتيرة ارتفاع مداخيل الضرائب في تلك السنوات تعكس أيضا وتيرة النمو الاقتصادي، ونرى أنه منذ سنة 1996 وحتى سنة 2000 كان هناك ارتفاع متزايد في مداخيل الضرائب، 95 مليار شيكل في سنة 96، و108 مليارات في سنة 97، و116 مليار في سنة 98، و128 مليار في سنة 99، و146 مليار شيكل في سنة 2000.

لكن منذ سنة 2000 وحتى سنة 2003 شهدنا استقرارا في المداخيل بسبب الركود الاقتصادي، ثم عادت المداخيل ترتفع من سنة 2004 حين بلغت 152 مليار شيكل، إذ شهد النصف الثاني من هذا العام نموا اقتصاديا لا يزال مستمرا حتى العام الجاري، ففي سنة 2005 وصلت المداخيل إلى حوالي 162 مليار، وشهدت في سنة 2006 قفزة كبيرة بوصولها إلى مستوى 178 مليار شيكل، كذلك فإن قفزة مماثلة شهدها العام الماضي، إذ بلغت المداخيل 192 مليار شيكل.

وقال المحلل الاقتصادي في صحيفة "ذي ماركر"، موطي باسوك، إن مسؤولي وزارة المالية يتخوفون من انتهاء مرحلة زيادة مداخيل القطاع الاقتصادي المتواصلة منذ أربع سنوات ونصف السنة، بعد أن يتأثر هذا القطاع من الضربات الاقتصادية الجارية في الغرب.

وكتب باسوك أن "شخصا ما قال في الماضي إن مسؤولي وزارة المالية ولدوا متشائمين، صحيح أن شهر كانون الثاني هو الشهر الأول من 2008، وهناك خطورة في الاعتماد عليه كمقياس للسنة كلها، لكن واضح أيضا أن المداخيل من الضرائب تظهر جانبا واحدا من الأوضاع الاقتصادية، ومن الصعب تجاهل حقيقة أن باقي معطيات الاقتصاد إيجابية في هذه المرحلة".

واضاف باسوك أن هناك عادة لدى قسم الميزانيات والمحاسب العام للدولة في وزارة المالية، وهي أنهما لا يحولان ميزانيات للوزارات المختلفة وفق الحصة الشهرية، وهذا رغم انتقادات بنك إسرائيل ومراقب الدولة لهذا النهج. وما يحدث هو أن وزارة المالية تترك جميع الوزارات تعمل من دون سيولة مالية طيلة العام، وفي نهايته يحولون الميزانيات دفعة واحدة، ما يجعل السيطرة عليها أمرا صعبا.

كذلك فإنه من الممارسات الخلافية لوزارة المالية أنها لا تحول ميزانيات للوزارات التي تقدم خدمات اجتماعية، وهذا يعود أيضا لضعف مكانة الوزراء والمدراء العامين في تلك الوزارات في مواجهة موظفي وزارة المالية.

وهذا الأمر ينسجم مع ما ينشر تباعا، وهو أن وزارة المالية ترفض رصد الفائض في مداخيلها للصرف العام في الدولة، أو على الأقل لإلغاء تقليصات أقرتها الحكومة بزعم عدم وجود ميزانيات كافية، وتفضل تحويلها لتسديد الدين العام، الداخلي والخارجي، الذي يقدر بنحو 142 مليار دولار.

تضخم مالي للفقراء والأغنياء

من جهة أخرى وعلى صعيد المعطيات الاقتصادية، فقد أعلنت دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية أن التضخم المالي في شهر كانون الثاني الماضي، بقي على حاله، وسجل صفرًا بالمئة، في حين أن السقف الذي وضعته الحكومة الإسرائيلية لإجمالي التضخم في العام الجاري، هو نفس السقف الذي وضعته في العامين الماضيين ويتراوح ما بين 1% إلى 3%.

لكن هذه النتيجة لم تُحدث أي مفاجأة لأنه تقليديا يكون التضخم المالي في الشهر الأول من كل عام منخفضا، متأثرا بتراجع الأسعار الموسمي، ولولا ارتفاع الأسعار في قطاع الخضراوات والفواكه بسبب موجة البرد السيبيرية التي ضربت البلاد في منتصفه، لكان التضخم سجل تراجعا.

والملفت للنظر، هو أنه ابتداء من هذا العام سنبدأ بقراءة ثلاث نسب للتضخم المالي في إسرائيل، الأولى هي نسبة التضخم الرسمي العام المعتمد في كل المداولات، أما النسبتان الأخريان فواحدة متعلقة بذوي المداخيل العالية، وأخرى متعلقة بالفقراء والشرائح الفقيرة.

ويتم هذا بحسب قرار من الحكومة اتخذته قبل بضعة أشهر، في إطار "السعي" لمكافحة دائرة الفقر. وهذا الحساب سيتم على أساس اختلاف توزيعة سلة المشتريات للعائلات ذوي المداخيل العالية، وسلة عائلات الفقراء والشرائح الضعيفة، والاختلاف الأساس في هذه السلة الأخيرة يكمن في حصة المواد الاستهلاكية الأساسية، من مواد غذائية وصحة واحتياجات يومية أساسية مثل الطاقة والماء، تشكل أضعاف نسبتها من سلة المشتريات لدى الأغنياء. وعلى أساس معطيات جدول التضخم المالي الخاص بالفقراء ستحدد الحكومة كيفية تعويضهم، وأيًا من الشرائح يجب تعويضها.

وقد شهدنا مثالا على هذا في تضخم الشهر الماضي، إذ ارتفع التضخم المالي للفقراء بنسبة 4ر0%، في حين أن التضخم للأغنياء سجل تراجعا بنسبة 1ر0%، وهذا نابع من ارتفاع أسعار المواد الغذائية وتراجع أسعار المعدات والبضائع المستوردة والتي تكون أسعارها مرتبطة بسعر صرف الدولار المتراجع باستمرار.

ومع الإعلان عن نسبة التضخم المالي طالب أرباب الصناعة بتخفيض نسبة الفائدة البنكية التي يطرحها بنك إسرائيل، ليساهم هذا أيضا في رفع سعر صرف الدولار أمام الشيكل.

بنك إسرائيل وخبراء اقتصاديون يتوقعون انخفاض نسبة النمو في العام 2008

يذكر أن فور انتهاء الأسبوع الثاني من العام الجديد، 2008، شرعت المؤسسات الاقتصادية الرسمية والخاصة تعدل تقديراتها لنسب النمو والتضخم المالي في العام الجاري، على ضوء الضربات الجديدة التي تلقتها أسواق المال (البورصة) الإسرائيلية، التي تأثرت بشكل مباشر من تراجع البورصة في نيويورك، وأيضا على ضوء ارتفاع أسعار المواد الغذائية نظرا لعدة عوامل ومؤثرات.

وانتشرت التقارير الصحافية في الصحف والملاحق الاقتصادية لكبرى الصحف في إسرائيل، التي عبرت عن قلق مسؤولي وخبراء الاقتصاد في إسرائيل من احتمال تأثر الاقتصاد الإسرائيلي بأزمة الاقتصاد الأميركي المتنامية، وهذا على الرغم من أن تقرير صندوق النقد الدولي، الذي صدر في الشهر الأخير من العام الماضي، يقول إن الاقتصاد الإسرائيلي حصين أمام أزمة الاقتصاد المتنامية في الولايات المتحدة وغيرها في العالم.

إلا أن البورصة الإسرائيلية تراجعت حتى منتصف الشهر الأول من العام الجاري بنسبة 10% بالمعدل، في حين أن الكثير من الأسعار سجلت ارتفاعا حادا، ومن بينها أسعار الخضراوات والفواكه بنسبة حادة جدا، وهو ارتفاع غير متوقع، نجم بشكل مباشر عن موجة الصقيع التي ضربت البلاد واستمرت لعدة أيام، ومن شأنها أن تؤثر على كامل محصول 2008.

وقالت صحيفة "ذي ماركر" الاقتصادية، التي تصدر مع صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، إن بنك إسرائيل المركزي أعد سلسلة توقعات جديدة على ضوء المعطيات الاقتصادية العالمية والمحلية، وعدّل بذلك تقديراته للنمو الاقتصادي في إسرائيل، الذي وصل في العام 2007 إلى 3ر5%، وفق تقديرات ليست نهائية، وقد يكون أعلى من هذا بقليل.

وتقول الدكتورة كرنيت فلوغ، مديرة قسم الأبحاث في البنك المركزي، إن توقعات بنك إسرائيل التي ظهرت في الشهر الأخير من العام 2007 تحدثت عن نمو اقتصادي بنسبة تصل إلى 4ر5%، أما اليوم فإن الحديث يجري عن نسبة 4ر4%، بنظرة تفاؤلية، و6ر3% بنظرة تشاؤمية، على حد تعبير فلوغ.

وتقول فلوغ إن الأمل ضعيف بأن يكون النمو الاقتصادي في إسرائيل حسب النظرة التفاؤلية (4ر4%)، بينما الاحتمال الأكبر هو أن يكون وفق نسبة النظرة التشاؤمية (6ر3%)، وهذا على ضوء التباطؤ الاقتصادي في الولايات المتحدة، الذي لن يكون ركودا، حسب تقديراتها، وأيضا على ضوء تراجع الطلب في الأسواق العالمية، وهذا التراجع لا بد وأن يطال إسرائيل أيضا.

إلا أن الخبيرة الاقتصادية الاستراتيجية في شركة "بساجوت أوفيك"، فيرد دار، لا تتوقع أن يتأثر الاقتصاد الإسرائيلي بدرجة كبيرة من التباطؤ في الاقتصاد الأميركي، وتقول "عمليا فإن تراجع الطلب الأميركي على الصادرات الإسرائيلية سيتسبب بتباطؤ الاقتصاد الإسرائيلي، ورغم ذلك فإن الصادرات الإسرائيلية للولايات المتحدة تعتمد بالأساس على صناعات التقنية العالية (هايتك)، وهو فرع من غير المتوقع أن يواجه تباطؤا اقتصاديا"، بمعنى أن الصادرات الإسرائيلية للولايات المتحدة لن تتراجع كثيرا.

وتضيف دار قائلة "حتى ولو واجه الاقتصاد الإسرائيلي مرحلة أصعب من الحالية، فإن تأثر الاقتصاد الإسرائيلي سيكون بدرجة أقل، والنمو الاقتصادي في إسرائيل سيكون بنسبة جيدة".

ويحذر الخبير الاقتصادي الدكتور ميخائيل شارئيل، من أنه إذا كان التباطؤ الاقتصادي نابعا من أزمة في الإعتمادات المالية، "فإن هذا سيؤثر على السيولة النقدية في الاقتصاد الإسرائيلي، وستتراجع أيضا التوظيفات المالية الأجنبية في إسرائيل، ولهذا فإن كل بورصات العالم ستتأثر من هذه الأزمة".

أما شلومو معوز، الخبير الاقتصادي الأول في شركة إكسلانس نسوآه، فإنه يصر على أن الاقتصاد الإسرائيلي لا يزال حصينا، وأكثر بكثير من الماضي، في وجه هزات اقتصادية خارجية، وهذا لأن إسرائيل نوّعت صادرتها وأصبحت لديها أسواق متعددة أكثر من ذي قبل في أوروبا وفي جنوب شرق آسيا، ولهذا فإن ارتباطها بالاقتصاد الأميركي أصبح أقل من الماضي.

ورغم ذلك فإن معوز يقول إن التأثير المتوقع للأزمة الاقتصادية في الولايات المتحدة سيكون على قطاع السياحة الأميركية لإسرائيل، وهذا في حال حصوله فإنه سيكون في النصف الثاني من العام الحالي 2008.

وانضم بنك "هبوعليم"، أكبر البنوك الإسرائيلية، إلى الجهات التي باشرت بتعديل توقعاتها للعام الجاري، ويقول البنك في تقديراته إن النمو في إسرائيل لن يرتفع في هذا العام إلى أكثر من 8ر4%، مقابل أكثر من 3ر5% في العام 2007.

إلا أن قسم الأبحاث في البنك يشير إلى أنه على الرغم من تراجع نسبة النمو، فإن التوقعات الجديد تبقي على نسبة نمو عالية وجيدة للاقتصاد الإسرائيلي.

قطاع الماس بدأ يشعر بالتباطؤ

تقول تقارير صحافية إن قطاع الماس والمجوهرات في إسرائيل، الذي له حصة مركزية في الصادرات الإسرائيلية، بدأ يشعر بالتباطؤ الاقتصادي في السوق الأميركي. ويؤكد كبار مصدري المجوهرات في إسرائيل إنهم بدؤوا يشعرون بتراجع الطلب في السوق الأميركي على المجوهرات الإسرائيلية، وهذا باستثناء الطلب على المجوهرات الخاصة جدا والباهظة الثمن.

أما مصدرو المواد الغذائية والأزياء فإن تقاريرهم تشير إلى أنهم حتى الآن لم يلحظوا أي تراجع في الطلب من الأسواق الأميركية، لكن التوتر الاقتصادي أصبح ملموسا. ويقول المدير العام لشركة فيسوتسكي في إسرائيل، روني فاينشتاين، إنه في حال استمر الوضع الاقتصادي في الولايات المتحدة على هذا المنوال، فإنه قد يمس بالصادرات الإسرائيلية".

ويقول مدير عام شركة الملبوسات الإسرائيلية الشهيرة "باجير"، عوفر غلبواع، إن الصادرات إلى الولايات المتحدة لا تزال على حالها، وحتى الآن لا نلمس أي تباطؤ اقتصادي، ورغم ذلك فإن الشركة تتخذ خطوات تحسبا لأي تأثير على صادراتها إلى الولايات المتحدة.

المصطلحات المستخدمة:

الشيكل, هآرتس

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات