"المشهد الإسرائيلي" - خاص
ترفض الحكومة الإسرائيلية، بتوجيه من رئيسها، ايهود أولمرت، ونائبه الأول حاييم رامون، إقرار مشروع قانون "إخلاء وتعويض" المستوطنين من المستوطنات الواقعة خلف الجدار العازل وفي عمق الضفة، على الرغم من أن استطلاعا للرأي دل على وجود أغلبية كبيرة مؤيدة لمشروع القانون هذا. وكشف الصحافي عكيفا إلدار في صحيفة هآرتس، اليوم الجمعة – 5.9.2008، عن عدم جدية الأقوال التي يطلقها أولمرت ورامون بخصوص مشروع القانون هذا وحتى حيال اقتراح التسوية الذي يطرحه أولمرت. وكتب أن "رامون لم يتغير"، أي أنه ما زال يطلق تصريحات دون أن يقوم بأية خطوات فعلية.
وتساءل إلدار: "كيف بإمكاننا أن نعرف هذه المرة، عندما يطرح رامون على طاولة بحث اللجنة الوزارية للشؤون التشريعية مشروع قانون إخلاء وتعويض، ما إذا كان النائب الأول لرئيس الحكومة قد قرر القيام بعمل جدي؟ نتصفح مشروع الموازنة للعام 2009، ونبحث عن البند في الموازنة الذي غايته تمويل إخلاء مستوطني الضفة. وعندما لا نجد أي ذكر لبند كهذا، نستوضح في وزارة المالية ما إذا كان لديهم علم حول ما يسمى ب'رزمة الميزانيات الخارجية'، وهي النظام الذي يستخدم لتمويل مشاريع مثل فك الارتباط من غوش قطيف (الكتلة الاستيطانية التي تم إخلاؤها من قطاع غزة)، الجدار العازل وترميم أضرار حرب لبنان الثانية. وعندما لا نجد هناك مؤشرا للتعويض والإخلاء، سنعرف أن رامون لم يتغيّر".
وأشار إلدار إلى أن أول من بادر إلى التعويض والإخلاء كانت حركة "بيت واحد" برئاسة عضوا الكنيست أفشالوم فيلان من حزب ميرتس وكوليت أفيطال من حزب العمل والمستوطن بيني راز من مستوطنة "كارني شومرون" وذلك في شهر نيسان العام 2005. وأدت هذه المبادرة إلى عقد لقاء نادر في المشهد الإسرائيلي، بين شخصيات يسارية مهتمة بإخلاء المستوطنين ومستوطنين أصبحوا عالقين في الجانب الشرقي من الجدار العازل ويرغبون بإنقاذ الأموال التي استثمروها في البيوت التي بنوها في المستوطنات هناك وفقدت قيمتها. ونقل إلدار عن مصادر في حركة "بيت واحد" قولها إن الحركة تتلقى توجهات حتى مما يسمى ب"المستوطنات الأيديولوجية" مثل مستوطنة "كريات أربع" في الخليل.
ولتأكيد وجود أغلبية بين الجمهور الإسرائيلي تؤيد إخلاء وتعويض المستوطنين في المستوطنات الواقعة شرق الجدار العازل، لفت إلدار إلى استطلاع للرأي استدعته حركة "بيت واحد" وتم إجراؤه تحت إشراف خبيري الاستطلاعات، كالمان غايير ومينا تسيمح، في شهر آذار العام 2007. وتبين من هذا الاستطلاع أن 80% من اليهود في إسرائيل يؤيدون قانون "إخلاء وتعويض" المستوطنين. ورأى 58.6% من المشاركين في الاستطلاع أن على إسرائيل ألا تنتظر التوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين، بل أن على الحكومة أن تبادر فورا إلى دعوة المستوطنين الراغبين بإخلاء أنفسهم طواعية بالانتقال للسكن في تخوم الخط الأخضر. وكشف هذا الاستطلاع أيضا عن أن 63.8% من مصوتي حزب كديما الحاكم يؤيدون هذا القانون.
وتابع إلدار أنه قبل أقل من عام، بحثت اللجنة الوزارية للشؤون التشريعية في مشروع قانون قدمه 16 عضو كنيست من حزبي العمل وميرتس، لإخلاء طوعي للمستوطنين خلف الجدار العازل. ولفت إلدار إلى أن الحديث يدور عن مستوطنات تقع في مناطق في الضفة الغربية ستنسحب منها إسرائيل بموجب اقتراح التسوية الذي طرحه أولمرت. وبحسب مشروع القانون فإن الحكومة الإسرائيلية ستشتري بيوت المستوطنين الذين يوافقون على إخلاء أنفسهم طواعية والانتقال إلى داخل الخط الأخضر. كذلك سيحصلون على تعويضات وفقا لقيمة بيوتهم وحجمها. ولدى التوقيع على اتفاق حل دائم بين إسرائيل والفلسطينيين سيكون بإمكان الحكومة الإسرائيلية بيع هذه البيوت إلى كل جهة ترغب بذلك. لكن لم يؤيد مشروع القانون هذا سوى الوزير يتسحاق هرتسوغ من بين جميع أعضاء اللجنة الوزارية.
وقدم الوزير عامي ايالون، من حزب العمل، والذي اشترط تمرير مشروع قانون الإخلاء والتعويض مقابل انضمامه للحكومة، اعتراضا على قرار اللجنة الوزارية، التي لم تقر مشروع القانون. وحصل ايالون على اثر ذلك على وعد من أولمرت بطرح مشروع القانون في إطار مشروع قانون حكومي. وذكر إلدار أن الإدارة الأميركية وقادة دول أوروبية، الذي رؤوا بالقانون خطوة فعلية أولى بالاتجاه الصحيح، انتظروا سن القانون في الكنيست بفارغ الصبر. لكن بعد انتقادات للقانون من جانب جهات في حزبي كديما وشاس، سارع أولمرت إلى الإعلان أن اللجنة الوزارية للشؤون التشريعية ستكتفي ببحث القانون وحسب.
وخلص إلدار على أنه "رغم ذلك فإن رامون، الذي يرأس اللجنة الوزارية لتطبيق استنتاجات تقرير البؤر الاستيطانية العشوائية، الذي أعدته المسؤولة في النيابة العامة طاليا ساسون، أسهم بشيء ما، واثبت مرة أخرى أن المفاوضات حول اتفاق دائم لا تتعدى كونها مباحثات وحسب".
من جهة أخرى نقلت هآرتس عن وزراء من حزب كديما قولهم إن أولمرت يسعى إلى منع تشكيل حكومة بديلة بهدف تقديم موعد الانتخابات العامة والبقاء في منصبه لشهور عديدة أخرى. وأضاف هؤلاء الوزراء أن المبادرات الأخيرة التي يطرحها أولمرت، مثل البحث الذي يفترض إجراؤه حول مشروع قانون "الإخلاء والتعويض" في بداية الأسبوع المقبل، غايتها إثارة خلافات داخل التحالف الحكومي والمس باحتمالات خليفته في رئاسة كديما لتشكيل حكومة جديدة.
ويعتزم أولمرت طرح مشروع قانون "تعويض وإخلاء" المستوطنين للنقاش يوم الأحد المقبل. ويعارض المرشحان لرئاسة كديما، وزيرة الخارجية، تسيبي ليفني، ووزير المواصلات، شاؤل موفاز، طرح الموضوع للنقاش. ورأى قياديون في كديما أنه بعد أسبوعين، في 17 أيلول الجاري، ستجري الانتخابات لرئاسة كديما، ولذلك فإن على أولمرت "الحفاظ على الهدوء" وعدم إثارة خلافات. ويعتبر هؤلاء القياديون أن سماح أولمرت لوزير المالية، روني بار أون، قبل اسبوعين، بطرح مشروع الموازنة للعام 2009 على الحكومة وإقراره، كان هدفه زعزعة استقرار الحكومة.
وقالت هآرتس إن موفاز يعارض بشدة مشروع قانون "التعويض والإخلاء". واعتبر موفاز خلال اجتماع لنشطاء في حزب كمديما، عُقد أمس، أن "هذا القانون يضعف موقف إسرائيل في أية مفاوضات مستقبلية ولن أدعمه". كذلك تعارض ليفني مشروع القانون هذا واعتبرت أنه "بالإمكان تنفيذ إخلاء طوعي فقط بعد رسم الحدود الدائمة" لإسرائيل.