لفت معظم المحللين في الصحف الإسرائيلية الصادرة صباح اليوم الجمعة- 7/3/2008- إلى أن عملية إطلاق النار في في المعهد الديني اليهودي "مِركاز هراف" (مركز الرابي) في القدس مساء أمس الخميس، وقعت في معقل التيار الديني - الصهيوني المتشدد والذي يعتبر التيار المتطرف للمستوطنين في الضفة الغربية والقدس الشرقية. كذلك تساءل محللون عما إذا كانت هذه العملية تعبر عن انطلاق انتفاضة فلسطينية ثالثة؟.
وقد سقط في هذه العملية ثمانية قتلى من طلاب المعهد الديني ونحو عشرة جرحى، جراح أحدهم حرجة، إضافة إلى مقتل منفذها برصاص ضابط في الجيش الإسرائيلي يسكن قريبا من المعهد الديني.
ورجح المحلل العسكري في موقع يديعوت أحرونوت الالكتروني، رون بن يشاي، أن تكون عملية "مركاز هراف" ردا على الهجمات العسكرية الإسرائيلية على قطاع غزة، والتي سقط خلالها في الأسبوع الأخير ما لا يقل عن 130 فلسطينيا شهيدا ومئات الجرحى. ورأى بن يشاي أن هذه العملية، التي وصفها بـ"المجزرة" وبأنها "تعتبر في الشارع الفلسطيني نجاحا كبيرا"، من شأنها أن "تشجع شبانا فلسطينيين كثيرين في المناطق (الفلسطينية المحتلة) وفي إسرائيل على الاصطدام مع قوات الأمن الإسرائيلية". وحذر الكاتب بالمقابل من "احتمال حدوث أعمال شغب وعمليات انتقام من جانب يهود نتيجة لتحريض جهات يمينية".
واستعرض بن يشاي الخيارات الماثلة أمام الحكومة الإسرائيلية على أثر العملية واعتبر أن أمامها بديلين- الأول يقضي بالموافقة على الاقتراح الذي ستعرضه مصر بعد مفاوضات تجريها حاليا الأخيرة مع حركة حماس للتوصل إلى تهدئة ووقف إطلاق نار. لكن يشاي اعتبر أن هذا البديل سيقود حماس إلى الاعتبار بأنها حققت انتصارا وتزايد شعبيتها وسيفسح المجال أمامها بإعادة التسلح في ظل التهدئة. والبديل الثاني الماثل أمام الحكومة الإسرائيلية يقضي بعدم الموافقة على وقف إطلاق نار في قطاع غزة وتصعيد العمليات العسكرية في القطاع. لكن يشاي أشار إلى أن هذا الخيار أيضا محفوف بمخاطر كبيرة تتمثل بتصعيد كبير في عمليات إطلاق القذائف الصاروخية من القطاع، إضافة إلى محاولات فصائل فلسطينية تنفيذ عمليات داخل إسرائيل، ما يعني العودة إلى العمليات التفجيرية المكثفة.
وذهب بن يشاي حتى إلى ابعد من ذلك، وقال إن من شأن التصعيد أن يؤدي أيضا إلى قتال على كافة الجبهات، بما فيها إمكانية محاولة حزب الله الانضمام للقتال. وأشار إلى أنه في حال التصعيد فإنه لا يتعين على الجيش الإسرائيلي وقوات الأمن الأخرى الاستعداد لإمكانية كهذه وإنما الجبهة الداخلية، خصوصا في جنوب إسرائيل، يجب أن تكون مستعدة لنقل نساء وأولاد من هذه المناطق إلى أخرى أكثر أمانا.
وخلص بن يشاي إلى أنه "لا جدوى من تسرع إسرائيل للرد" على العملية في القدس، وأن "على حكومة إسرائيل وجهاز الأمن دراسة أسلوب العمل في هذه الأثناء والاستعداد له جيدا وبعد ذلك تنفيذ الرد" بعد أيام، لكن من الناحية الأخرى "قد تدرس حماس مواقفها مجددا وتعفي إسرائيل من معضلتها".
من جانبه أشار المراسل العسكري لصحيفة هآرتس، عاموس هارئيل، إلى أن تواتر أحداث الأمس، التي بدأت بمقتل جندي إسرائيلي بانفجار عبوة ناسفة في قطاع غزة، وسقوط صواريخ قسام في جنوب إسرائيل أسفر عن وقوع إصابات بين المدنيين الإسرائيليين وانتهت بعملية إطلاق نار، تشير إلى "تواتر ينذر بالسوء".
وأضاف هارئيل إلى أنه على الرغم من العمليات العسكرية والاستخبارية الإسرائيلية في الضفة والتي ظهر وكأنها قضت على الفصائل المسلحة، فإن عملية الأمس تشير إلى أن "قواعد هذه الفصائل ما زالت حية وتركل، كما أن محفزاتها مشحونة على ما يبدو بقتلى غزة وبالرغبة في الانتقام لموت القيادي في حزب الله عماد مغنية".
وتوقع هارئيل أن تشدد إسرائيل حصارها على الضفة وزيادة عدد الحواجز العسكرية فيها. كما توقع أن ترفض إسرائيل، في أعقاب العملية في القدس، طلبا لوزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس، بتقليص عدد الحواجز العسكرية. كذلك لفت هارئيل أيضا إلى احتمال قيام مستوطنين بتنفيذ عمليات انتقامية ضد الفلسطينيين كون عملية الأمس وقعت في "معقل اليمين المتطرف".
ولفت مراسل الشؤون الفلسطينية في هآرتس، أفي سخاروف، من ناحيته، إلى أن أعمال القتل التي اقترفتها إسرائيل في قطاع غزة الأسبوع الأخير جعلت الفصائل الفلسطينية ترى بأنها تملك الشرعية "للانتقام" من خلال تنفيذ عملية كالتي وقعت أمس. وأضاف أن موقع العملية يدل على أن التخطيط لها دام فترة معينة وأنه تم اختيار هدفها "النوعي" بدقة. كما سبقتها عملية جمع معلومات وكان منفذها يعرف وجهته وعلم أيضا أن لهذا المعهد الديني بالذات يأتي شبان مسلحون كثيرون.
وحاول سخاروف، كغيره من مراسلي الشؤون الفلسطينية والعربية الإسرائيليين، توجيه اتهامات بالتقاعس الأمني للسلطة الفلسطينية، علما أنه حتى صباح اليوم كان معروفا لأجهزة الأمن الإسرائيلية أن منفذ العملية جاء من ضاحية جبل المكبر في القدس الشرقية والتي تخضع لسيطرة أمنية إسرائيلية مطلقة.
وكتب المراسل والمحلل العسكري في صحيفة معاريف، عمير ربابورت، أن أحداث الأمس، بدءا بمقتل الجندي وانتهاء بالعملية، لم تكن صدفة، وإنما هي مرتبطة ارتباطا وثيقا بالتصعيد العسكري الكبير في القطاع. وأضاف أن "عملية 'شتاء حار' التي انتهت هذا الأسبوع في قطاع غزة قادت إلى ربيع حار".
ولم يستبعد ربابورت أن تكون عملية أمس انتقاما لاغتيال مغنية. وكتب أن "التصعيد حصل، بقدر كبير، في أعقاب عمليات منسوبة لإسرائيل: الغارة على سورية قبل نصف عام، اغتيال عماد مغنية في دمشق – الذي قالت وسائل إعلام أجنبية إن إسرائيل ضالعة فيه، والتصفيات في غزة المتواصلة دون توقف... من دون أن تحقق أهدافها بوقف إطلاق القذائف الصاروخية". كذلك لفت ربابورت إلى أنه في هذه الاثناء "تنتقل النيران لتنتشر في الضفة وتشعلها". وأضاف أن "كل عملية أخرى تقرب الجيش الإسرائيلي من عملية عسكرية واسعة في القطاع، التي ترغب قيادة الجيش الإسرائيلي كثير بالامتناع عنها" تحسبا من مقتل عدد كبير من الجنود الإسرائيليين. وأمل ربابورت أن تقود الوساطة المصرية بين إسرائيل وحماس، وقدوم وزير المخابرات المصرية عمر سليمان إلى إسرائيل الاسبوع المقبل إلى تهدئة.
من جهة أخرى توقع مراسل هآرتس للشؤون اليهودية والاستيطانية، نداف شرغاي، أن يطالب نواب الكنيست عن الأحزاب اليمينية ومنظمات اليمين الإسرائيلي المتطرف الحكومة الإسرائيلية بوقف المفاوضات مع السلطة الفلسطينية. وقال إن هذه المطالبات ستوجه لرئيس الحكومة ايهود أولمرت بصورة عامة، لكنها ستوجه بصورة خاصة إلى حزب شاس، الذي أعلن رئيسه ونائب رئيس الوزراء، ايلي يشاي، قبل فترة وجيزة أن حزبه لن يوافق على "مفاوضات تحت إطلاق النار". وأضاف شرغاي أن "اليمين سيطالبه الآن بصرف الشيك".
وتابع شرغاي أنه، الآن وبعد العملية في معقل المستوطنين المتطرفين، سيتم تجميد تفاهمات توصلت إليها الحكومة وقيادة المستوطنين بخصوص تفكيك بؤر استيطانية عشوائية، وعلى الاقل فإن المستوطنين سينسحبون من هذه التفاهمات. وأضاف أن القادة السياسيين للصهيونية الدينية، حاخامات المستوطنات وقادة مجلس المستوطنات، الذين درس الكثيرون منهم أو من أولادهم في "مركاز هراف" سيطالبون بـ"رد صهيوني مناسب"، على غرار السماح بالبناء في القدس الشرقية وحولها.