المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • ارشيف الاخبار
  • 622

اللجنة تؤكد أن امتناعها عن الإشارة إلى المسؤوليات الشخصية لا يعني أنه لم تكن هناك مسؤوليات كهذه، كما أنها لم تميّز بين مسؤولية القيادة السياسية ومسؤولية القيادة العسكرية * حرب لبنان انطوت على إهدار كبير وخطير، فقد خرجت إسرائيل لحرب مطولة بادرت إليها بنفسها وانتهت من دون أن تنتصر فيها من الناحية العسكرية بصورة واضحة

 

 

من بلال ضاهر:

 

 

حمّل تقرير لجنة فينوغراد النهائي، الذي تم نشره مساء اليوم الأربعاء- 30/1/2008، بصورة قاطعة، الحكومة والجيش الإسرائيليين مسؤولية عدم انتصار إسرائيل حرب لبنان في صيف 2006.

 

وقد استعرض رئيس اللجنة، القاضي المتقاعد إلياهو فينوغراد، ملخص التقرير النهائي خلال مؤتمر صحافي عقدته اللجنة في القدس، ونقلته كافة وسائل الإعلام الإسرائيلية المرئية والمسموعة في بث حيّ ومباشر.

 

وقال رئيس لجنة التحقيق إن "المسؤولية عن هذا الفشل في إدارة الحرب تتحملها القيادتان السياسية والعسكرية على حد سواء".

 

وتابع أن "الصورة الشاملة للحرب كانت نتيجة لعناصر مجتمعة من إخفاق القيادتين السياسية والعسكرية في إدارة الحرب، ومن تنفيذ فاشل للجيش الإسرائيلي وخصوصا القوات البرية، وبسبب خلفيات تنطوي على خلل من ناحية استعداد إسرائيل.

"إسرائيل لم تستخدم قوتها العسكرية بصورة حكيمة وفعالة في حرب لبنان الثانية رغم أن هذه كانت حربا بمبادرة إسرائيل وفي منطقة محدودة، وفي نهاية المطاف لم تحظ بإنجاز سياسي على أساس إنجاز عسكري، وإنما استندت إلى تسوية سياسية شملت أمورا إيجابية بالنسبة لإسرائيل، وقد كانت هذه تسوية سمحت بوقف القتال الذي لم يتم حسمه خلال المعركة".

وأضاف أن "هذه النتيجة كانت بسبب أن الحرب لم تتم إدارتها منذ بدايتها على أساس المعرفة العميقة والواسعة لظروف الجبهة، وعدم جهوزية الجيش، وغياب مبادئ أساسية تتعلق بتفعيل قوة عسكرية غايتها تحقيق إنجاز سياسي".

وأضاف "يمكن القول، في الخلاصة، إن الجيش الإسرائيلي فشل خصوصا، بسبب قياداته الكبيرة والقوات البرية، في توفير رد عسكري للتحدي الذي واجهه، ولم يوفر للقيادة السياسية إنجازا عسكريا ملائمًا يكون أساسا للنشاط السياسي، وإن المسؤولية عن هذه النتيجة يتحملها الجيش بالأساس، لكن يشاركه فيه ضعف التنسيق الذي حددته القيادة السياسية بين طريقة العمل والأهداف.

"وتجدر الإشارة إلى أنه بجانب الفشل في عمل الجيش كانت للحرب إنجازات عسكرية مهمة، ويمكن مدح الاستعداد الكبير لدى المقاتلين، وخصوصا جنود الاحتياط، للتجند والمشاركة في الحرب، وكذلك مظاهر البطولة والشجاعة والتضحية بالنفس والقتال الرائع، وقد برز هذا لدى المقاتلين".

 

وامتدح التقرير سلاح الجو الإسرائيلي "الذي حقق إنجازات كبير خلال الحرب.

"ورغم ذلك كانت لدى المستويات العليا في الجيش الإسرائيلي وعلى أثرها لدى القيادة السياسية أيضا أوهام بأن عمليات سلاح الجو يمكن أن تحسم الحرب، وعمليا فإن انجازات سلاح الجو كانت محدودة وتآكلت بسبب فشل أداء الجيش".

 

وتطرق التقرير إلى قصف البارجة الإسرائيلية "حانيت" في بداية الحرب وقال إن "حادثة حانيت في سلاح البحرية صبغت نشاط سلاح البحرية، على الرغم من أنه كانت لسلاح البحرية مساهمة مهمة في فرض الحصار البحري (على لبنان)، وحتى أنه أسهم بصورة هامة ومتنوعة في عمليات القتال التي خاضتها قيادة الجبهة الشمالية".

 

إنجازات سياسية

 

 

من جهة أخرى قال فينوغراد إنه "كانت هناك انجازات سياسية حقيقية مثل قرار مجلس الأمن الدولي 1701" و"إن حقيقة اتخاذه بالإجماع يشكل انجازا لدولة إسرائيل، حتى لو اتضح أن من غير المتوقع تنفيذ جزء من بنود القرار.

"لكن مع ذلك فإننا لم نصادف عملا جماعيا منظما بخصوص اتخاذ القرارات التي تعلقت بمواقف إسرائيل في المفاوضات السياسية، وقد تم إصلاح الوضع جزئيا من خلال إنشاء طاقم مستشارين عمل بإخلاص ونجاعة وحرفية ومن خلال التخطيط، لكن هذا لم يعوض غياب العمل الجماعي في القيادة السياسية العليا".

وأضاف أن "العمل الذي قام به طاقم وزارة الخارجية من أجل إحراز قرار في مجلس الأمن كان بالأساس عملا سريعا ومنظما ومفيدا، لكن هذا لم يعكس إدراكا واضحا لضرورة الدمج الناجع بين إنجازات عملية عسكرية والنشاط السياسي".

وتابع أنه فيما يتعلق "بأداء القيادتين السياسية والعسكرية بشأن العملية البرية في نهاية الحرب، وهذه مسألة مركزية في التقرير، فإن هذه العملية الواسعة لم تحقق أهدافها بتقليص إطلاق الصواريخ وتغيير صورة الحرب وحتى أنه من غير الواضح ماذا كان إسهام هذه العملية البرية في تسريع الإنجاز السياسي، كما أنه ليس واضحا مدى تأثير هذه العملية على مواقف حكومة لبنان وحزب الله فيما يتعلق بوقف إطلاق النار، ويثير شكل إدارة العملية البرية أسئلة صعبة للغاية".

ورأت اللجنة أن "قرار الحكومة المصغرة للشؤون السياسية والأمنية في 9 آب/ أغسطس 2006 والذي صادق على شن العملية البرية وكلف وزير الدفاع ورئيس الحكومة بإصدار أمر تنفيذها كان قرارا يكاد يكون حتميا ومنح حكومة إسرائيل ليونة سياسية وعسكرية ضرورية، والقرار بتنفيذ العملية العسكرية كان في إطار ترجيح الرأي السياسي والمهني لمتخذي القرار على أساس المعطيات التي كانت أمامهما في أثناء اتخاذه".

وأضاف فينوغراد أن "أهداف العملية العسكرية كانت شرعية ولم تأخذ بالاعتبار تسريع التسوية السياسية أو تحسين فرصها، ولم يكن هناك فشل في القرار بحد ذاته على الرغم من إنجازات العملية البرية المحدودة وعلى الرغم من ثمنها المؤلم"، في إشارة إلى سقوط 33 جنديا إسرائيليا قتيلا.

وتابع أن "موقف رئيس الحكومة الذي فضل الامتناع عن هذه العملية البرية وموقف وزير الدفاع الذي اعتقد أن المصلحة الإسرائيلية كانت تحتم تنفيذ العملية كانا موقفين موضوعيين وحظيا بتأييد جدي بين المسؤولين المهنيين.

"وحتى لو كانت لدى كل من السياسيين (إيهود أولمرت وعمير بيرتس) اعتبارات سياسية عامة، وهو أمر لا يمكننا تحديده، فإننا نعتقد أن رئيس الحكومة ووزير الدفاع عملا من خلال تقدير وصدق بأن ما بدا لهما في تلك الساعة ملزم للمصلحة الإسرائيلية".

 

وشددت اللجنة على أن "الذي كان ملقى على عاتقه واجب الإقرار الصعب في هذه المواضيع هو القيادة السياسية، وامتحان قرارات كهذه هو فقط في المستوى الشعبي والسياسي، وسوية مع ذلك فإننا لم نجد تناولا جديا في مداولات القيادة السياسية والقيادة العسكرية أو لدى حلقة الوصل بينهما جوابا على السؤال: هل كان بالإمكان التوقع أن يتم تحقيق انجازات تؤثر على أحد أهداف العملية خلال 60 ساعة؟.

"ولم نجد مواكبة كافية للقيادة السياسية بشأن تفصيلات القتال، ولم نر مداولات حكيمة في الجيش أو الحكومة حول مسألة وقف العملية العسكرية بعد اتخاذ القرار في مجلس الأمن".

 

وأوصت اللجنة "بمواصلة عمليات تصحيح الأخطاء التي برزت أثناء الحرب بصورة منهجية وعميقة".

وأضافت أن "بإمكان الجمهور الإسرائيلي وقيادته فقط اتخاذ قرار حول ما إذا كنا سنواجه تحديات مستقبلية بصورة مدروسة وجدية أكثر من الشكل الذي عمل فيه صناع القرار في القيادتين السياسية والعسكرية خلال الحرب، وهل سنصل إلى هذه التحديات فيما نحن أكثر استعدادًا وجهوزية وتأهيلاً".

 

وقال فينوغراد إن "التقرير النهائي تناول بالأساس الفترة التي تلت القرار الأولي بشن الحرب، والتي كانت موضوع التقرير الجزئي، لكن يتوجب أن نذكر أن أحداث الفترة المتعلقة بالتقرير النهائي حدثت في ظل نتائج القرار بشن الحرب على فشلها وإخفاقاتها، ونؤكد أننا نقف من وراء كل ما جاء في التقرير الجزئي ويتوجب اعتبار جزئي التقرير على أنهما يكملان بعضهما البعض".

 

ورأى تقرير فينوغراد النهائي أنه "من خلال نظرة شاملة للحرب يمكننا القول إنه كان فيها إهدار كبير وخطير، وإن إسرائيل خرجت لحرب مطولة، بادرت إليها بنفسها، وانتهت من دون أن تنتصر فيها من الناحية العسكرية بصورة واضحة".

 

وحول حزب الله قال التقرير إن "منظمة شبه عسكرية مؤلفة من آلاف المقاتلين صمدت طوال أسابيع عدة أمام الجيش الأقوى في الشرق الأوسط والذي يتمتع بتفوق جوي مطلق وبتفوق من حيث الحجم والتكنولوجيا، وقد استمر إطلاق حزب الله للصواريخ على إسرائيل طوال الحرب والجيش الإسرائيلي لم يوفر ردا فعالا عليه".

وأضاف "بعد فترة طويلة من الاكتفاء بإطلاق النار المضاد وبعمليات عسكرية برية محدودة في وقت قريب جدا من قرار وقف إطلاق النار شنت إسرائيل حملة عسكرية برية واسعة لم تحقق أي إنجازات عسكرية ولم يتم استنفاد قدرتها".

وأشار فينوغراد إلى أنه "كانت لهذه النتائج تبعات بعيدة المدى بنظرنا وحتى بنظر أعدائنا وجيراننا وأصدقائنا في المنطقة والعالم.

"وأيضا في الفترة التي تبدأ في 18 تموز/ يوليو 2006 وحتى 14 آب/ أغسطس 2006 التي تناولها التقرير النهائي، تم الكشف عن نتائج مقلقة جدا، قسم منها تم ذكره في التقرير الجزئي.

"لقد وجدنا فشلا وإخفاقات خطيرة في عملية اتخاذ القرارات وفي العمل الجماعي لدى الحكومة والجيش والأجهزة التي بينهما، وقد وجدنا فشلا وإخفاقات جدية لدى القيادة العليا للجيش الإسرائيلي وخصوصا لدى القوات البرية فيما يتعلق بنوعية الاستعداد والجهوزية والأداء وتنفيذ القرارات والأوامر".

وقال فينوغراد "لقد وجدنا فشلا وإخفاقات خطيرة في أداء القيادة السياسية والقيادة العسكرية من خلال غياب تفكير وتخطيط إستراتيجي، وحتى أننا وجدنا فشلا وإخفاقات خطيرة في كل ما يتعلق بالدفاع عن الجبهة الداخلية ومواجهة الضربات ضدها".

 

بداية الضعف قبل حرب لبنان بفترة طويلة

 

 

وأضاف أن "بعض هذا الضعف يستند إلى الضعف في الاستعداد والجهوزية الإستراتيجية والعسكرية، وقد كانت بدايته قبل حرب لبنان الثانية بفترة طويلة.

"وكما ذكرنا في التقرير الجزئي فإن القرار الذي اتخذ في 12 تموز/ يوليو 2006 بتنفيذ رد عسكري شديد وفوري وتحديد أهداف تنطوي على طموح كبير قد قلص مجموعة البدائل التي مثلت أمام إسرائيل، وعمليا بعد هذا القرار كان أمام إسرائيل بديلان أساسيان، الأول توجيه ضربة قصيرة وقوية ومؤلمة وغير متوقعة بالنسبة لحزب الله، خصوصا من خلال الرد بإطلاق النار، فيما كان البديل الثاني يقضي بتغيير أساسي للواقع في جنوب لبنان بواسطة تنفيذ عملية عسكرية برية واسعة النطاق تشمل احتلالا مؤقتا للمنطقة وتطهيرها.

"إن اختيار الحكومة بين البديلين كان خاضعا لترجيح الرأي السياسي المحض، لكن طريقة اتخاذ القرار اتسمت بغياب مداولات للاختيار بين البديلين، والطريق التي شنت فيها إسرائيل الحرب قبل أن تحسم أيا من البديلين اختارت من دون إستراتيجية شن حرب كانت فشلا خطيرا، أثرت على الحرب كلها، وساهمت في هذا الفشل القيادتان السياسة والعسكرية".

 

وتابع "حتى بعد القرار الأولي بشن الحرب، وعمليا حتى نهاية الحرب تماما، استمرت فترة الغوص في الوحل من دون الحسم في المعركتين السياسية والعسكرية، بين زيادة قوة الإنجاز العسكري بواسطة حملة برية واسعة وبين الامتناع عن ذلك، ومن خلال جهد لإنهاء الحرب بسرعة.

"وهذا الغوص كان في غير مصلحة إسرائيل، وعلى الرغم من وجود وعي لهذا الأمر لم يتم إجراء بحث منظم ولم يتم الحسم في هذه المسألة المركزية على مدار أسابيع طويلة.

"وإضافة إلى الامتناع عن اتخاذ قرار بخصوص مسار الحملة العسكرية فقد كان هناك تأخير كبير جدا في اتخاذ قرار الاستعداد لتنفيذ عملية عسكرية برية واسعة، وهذا أيضا قلص إمكانيات عملية كهذه والليونة السياسية لدى إسرائيل".

وقال التقرير إنه "حتى الأسبوع الأول من آب/ أغسطس لم تكن لدى الجيش جهوزية لتنفيذ العملية العسكرية البرية الواسعة، وكانت النتيجة أن إسرائيل لم تكتف باستنفاد انجازاتها العسكرية الفورية، وانجرت لعملية برية فقط بعد الجدول الزمني السياسي الذي لم يسمح بتنفيذ العملية بصورة فعالة".

 

مهمات اللجنة

 

 

من ناحية أخرى قال فينوغراد إن المهمات التي كُلفت بها اللجنة كانت معقدة وصعبة "إذ كان يتوجب التدقيق في أحداث وقعت على مدار الأيام الـ34 للحرب، إضافة إلى التدقيق في الأحداث التي سبقت الحرب، منذ العام 2000 عندما انسحب الجيش الإسرائيلي من لبنان، وهذا العمل لم تنفذ مثله أي لجنة تحقيق سابقة".

 

وأضاف أن "اللجنة قررت ألا يشمل التقرير النهائي استنتاجات شخصية، ورغم ذلك فإن امتناعنا عن تحميل مسؤوليات شخصية لا يعني تأكيدا على أنه لم تكن هناك مسؤوليات كهذه، كما أننا لم نميّز بين مسؤولية القيادة السياسية ومسؤولية القيادة العسكرية".

 

ولفت إلى أنه "عندما وضعنا المسؤولية (عن الإخفاقات) على جهاز أو وحدة كهذه أو تلك، أو على هذه القيادة أو تلك، فإننا لم نقصد بذلك الإشارة فقط أو بالأساس إلى أولئك الذين كانوا يرأسونها في أثناء الحرب، وفي حالات كثيرة كانت المسؤولية ملقاة على عدة جهات لم يكن لرؤسائها سيطرة عليها".

 

وأشار التقرير إلى التحقيقات الداخلية التي أجراها الجيش الإسرائيلي في أعقاب الحرب، واعتبرت اللجنة أن هذه التحقيقات تعبر عن "مؤشر إلى المناعة وإلى أن قادة إسرائيل السياسيين والعسكريين على استعداد للانكشاف أمام عمليات انتقاد وتصحيح مؤلمة وحتمية".

 

وقال فينوغراد إن القسم السري من التقرير شمل جميع الحقائق ذات العلاقة بحرب لبنان الثانية على أساس تسلسل زمني ومنهجي، وشكل هذا أساسا هاما لعمل اللجنة، "ويمكن القول إن هذا الأساس لم يكن متوفرا لدى أيٍ من صناع القرار، وبذلك كان لدينا تفوق نوعي على كتاب آخرين كتبوا عن أحداث الحرب، لأنه كانت لدينا إمكانية الوصول لمواد كثيرة للغاية، وأتيحت لنا الفرصة لاستيضاح حقائق وقضايا لدى صناع القرار والضباط والعائلات الثكلى".

 

وأضاف "واضح أن القسم العلني من التقرير لا يشمل حقائق كثيرة يحظر كشفها لأسباب تتعلق بأمن الدولة وعلاقاتها الخارجية، ورغم ذلك بذلنا جهدا من أجل الموازنة بين رغبتنا في وضع صورة مهمة أمام الجمهور وبين احتياجات أمن المعلومات".

المصطلحات المستخدمة:

رئيس الحكومة

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات