المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

هذا ما قاله رئيس جمعية حقوق المواطن، الأديب سامي ميخائيل، لـ"المشهد الإسرائيلي"، تعقيبًا على تقرير الجمعية الذي كشف عن تنامي العنصرية في إسرائيل، ومؤكدًا أنه ينبغي أن تقوم قيادة إسرائيلية شجاعة تكون قادرة على إقناع الأغلبية بجدوى صنع السلام مع الطرف الآخر

كتب بلال ضاهر:

قال رئيس جمعية حقوق المواطن، الأديب الإسرائيلي سامي ميخائيل، في حديث لـ"المشهد الإسرائيلي"، إن هناك سببين أساسيين لتنامي العنصرية في إسرائيل ضد المواطنين العرب. "السبب الأول هو الصراع المتواصل بين إسرائيل والعالم العربي عموما والفلسطينيين خصوصا، وهو صراع مستمر منذ نحو 100 عام، وهذه الصراعات المسلحة والعنيفة هي بطبيعتها تنتج العداء والعنصرية تجاه الجانب الآخر من أجل زيادة محفزات القتال والكراهية. وينعكس هذا في الجهود التي يبذلها أحد الطرفين لوصف الآخر بأنه دوني وبشع ومؤذ وخطير. هذه ثقافة الحرب، أي عندما تتحول الثقافة إلى أداة للصراع والمجهود الحربي، وهنا يصبح التعامل مع الآخر بصورة عنصرية، واعتباره كأنه وباء ويصبح الآخر جنسا يتوجب إبعاده والابتعاد عنه والفصل بيننا وبينه من خلال أسوار، بما في ذلك بناء أسوار حقيقية مثل السور الذي تبنيه إسرائيل في الضفة الغربية، وأيضا بناء أسوار ثقافية وروحانية وهذه اسمها عنصرية.

"والسبب الثاني هو أن الثقافة المسيطرة في إسرائيل هي ثقافة قادمة من أوروبا، وقد جلبت ليس فقط الحنين لأوروبا وثقافتها، وإنما حولت إسرائيل من الناحية الثقافية إلى جسم غريب داخل العالم العربي وجلبت هذه الثقافة معها العنصرية الأوروبية تجاه اليهود. وهنا، بدلا من الرد على العنصرية الأصلية هناك يردون بشكل عنصري تجاه الشعب الفلسطيني خاصة وتجاه الشعب العربي عامة. والإسرائيليون ينعزلون عن المنطقة التي يعيشون فيها، وطوال الوقت يشددون على علاقتهم وارتباطهم بأوروبا والولايات المتحدة وبريطانيا وكأنهم جزء من العالم الأول، الذي قمع هو أيضا العرب طوال الـ200 – 300 عام الماضية كما قمع اليهود، لكن الإسرائيليين يتغاضون عن ذلك. وفي مرحلة ما جرى تنمية عنصرية ضد الفلسطينيين وبدأت تتغلغل إلى داخل المجتمع الإسرائيلي، وعلى أثر ذلك تطورت العنصرية ضد ذوي البشرة السمراء مثل الأثيوبيين".

(*) "المشهد الإسرائيلي": هل تلمح بحديثك عن الثقافة الأوروبية إلى المهاجرين الروس وإلى أنهم ساهموا في تنامي العنصرية؟

- ميخائيل: "لا، لأن العنصرية كانت موجودة قبل الهجرة الروسية. لكن العنصرية تصاعدت (بعد الهجرة الروسية في مطلع التسعينيات)، كما أن ممثلي إسرائيل غذوا روح العنصرية لدى هؤلاء المهاجرين قبل هجرتهم. لقد كان ممثلو إسرائيل يقولون لليهود في دول الاتحاد السوفييتي السابق 'إننا بحاجة إليكم في إسرائيل من الناحية الحضارية'، وكأنه يوجد هنا خطر على الثقافة الإسرائيلية الغربية وأنتم ستأتون لإنقاذها. نعم ما حصل أن العنصرية كانت هنا وأرسلوا مبعوثين إلى هناك لإجراء عمليات غسيل دماغ لليهود الروس وهم ما زالوا هناك، ومن أجل أن يثبتوا أنفسهم بأنهم مهاجرون جيدون ومواطنون صالحون في إسرائيل عليهم كره العرب والفلسطينيين".

(*) هل لديكم في جمعية حقوق المواطن مخاوف من أن تتجه هذه العنصرية أيضا ضد أوساط في المجتمع اليهودي، مثل الأثيوبيين وحتى اليهود الشرقيين؟

- ميخائيل: "نعم نحن نواجه ذلك منذ سنوات طويلة. فأنا من أصل عراقي وشعرت بذلك منذ سنوات طويلة جدا. والعنصرية ضد أوساط داخل المجتمع اليهودي ليست بالأمر الجديد. لكن ما يحدث الآن هو أننا نكشف عنها وننشر حول الظاهرة. فمن جهة ترسل المؤسسة الحاكمة مبعوثين لتشجيع اليهود الأثيوبيين على الهجرة لإسرائيل ومن الجهة الأخرى يرفض كل رئيس بلدية استقبالهم في مدينته، وهذا، بالمناسبة، بالقدر ذاته الذي يرفضون سكن عرب في مدينتهم. وعندما يكون هناك مجتمع مصاب بالعنصرية تبدأ العنصرية بالتغلغل داخل المجتمع ذاته. وتنشأ أسوار العنصرية. فمثلا يتم منع الأثيوبيين من دخول أماكن الترفيه، مثل الحانات في الليل، وخافوا من تجنيدهم لوحدات معينة في الجيش لأنهم اشتبهوا بأن لديهم مرض الإيدز وحتى لم يقبلوا تبرعاتهم بالدم. وأيضا هناك عنصرية ضد اليهود الشرقيين الذين جاؤوا من دول عربية. وهنا، في إسرائيل، حاولوا إنشاء جيل جديد خال من الحضارة والثقافة والعادات العربية، ولأسفي فإن الكثيرين من اليهود الشرقيين الذين وصلوا إلى إسرائيل استسلموا لهذه الضغوط وتنكروا لتاريخهم وبدأوا بالحديث فقط عن الأمور السلبية في تاريخهم بدلا من إبراز وعرض الجوانب الأخرى في الحضارة العربية".

(*) هل تطرح جمعية حقوق المواطن طرقا للحد من هذه الأجواء العنصرية، وخصوصا ضد العرب؟

- ميخائيل: "نعم. وأعتقد أن مجرد طرح المشكلة وإثارتها ينتج عنه وعي بوجود مشكلة أخذت تتسع إلى حد المرض. ونحن نستخدم نشطاءنا بصورة يومية، أيضا بين أعضاء الكنيست والأحزاب، من أجل معالجة قضايا معينة عندما تمس العنصرية بهذا الشخص أو هذه المجموعة. والتقرير الأخير الذي نشرناه هذا الأسبوع أثار أصداء واسعة للغاية وقد أجرت قنوات تلفاز ومحطات إذاعية وصحف عديدة محلية وعالمية مقابلات صحافية معي. وأعتقد أن العنصرية هي مرض قد يصيبنا، وأحيانا يكون الضرر الذي يصيبنا جراء ذلك أكبر من الضرر الذي يصيب الآخر. فالعنصرية هي مثل سهم مرتد، إنها تعود على من يمارس العنصرية. فهي تخلق جيلا إسرائيليا شابا ومنعزلا وخائفا ومتقوقعا. ورغم قوتنا المحدودة في جمعية حقوق المواطن فإننا نحاول أن نؤثر على المجتمع في إسرائيل حتى من خلال كتب التدريس، كما أننا نتلقى الدعم من عدة منظمات خارج إسرائيل تهتم ببناء مجتمع خال من العنصرية".

(*) هل تعتقد أن هذه الأجواء العنصرية تؤثر سلبا على عدم تقدم عملية السلام في المنطقة؟

- ميخائيل: "دائما نعود إلى السؤال: من ظهر أولا الدجاجة أم البيضة. إنّ العنصرية وعدم وجود تقدم في العملية السياسية هما أمران يغذي الواحد منهما الآخر. وطالما أن الصراع مستمر هناك عنصرية وطالما هناك عنصرية فإن الصراع مستمر. ونشأ جراء ذلك وضع غريب وهو أنه بسبب التربية وبسبب الصراع، أصبح الشعب الإسرائيلي أكثر تطرفًا من القيادة، ولذلك يتوجب أن تكون هناك قيادة شجاعة تكون قادرة على إقناع الأغلبية بأن صنع السلام مع الطرف الآخر هو أمر جيد. وحتى أن (رئيس الحكومة السابق) أريئيل شارون اضطر قبل أن يصاب بالجلطة الدماغية ويغط في غيبوبة أن يقول: الاحتلال مفسد. هذه أمور قلناها قبل 30- 40 عامًا. الاحتلال مفسد لأنه يعبر عن عنصرية وعن كراهية تتغلغل في المجتمع. ولذلك فإنه في المجتمع الإسرائيلي يوجد فساد وعنف وحتى أن هناك خطرا في السفر في الشارع، أو أن تتعرض للطعن وأنت تسير في الشارع، ليس من جانب العرب وإنما من جانب يهود. كما تزايدت عمليات القتل والاغتصاب. لقد قال كارل ماركس جملة حكيمة للغاية: الشعب الذي يستعبد شعبا آخر لا يمكن أن يكون شعبا حرا".

المصطلحات المستخدمة:

الكنيست, رئيس الحكومة

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات