*هذا ما يقوله أستاذ فلسفة التربية، د. نمرود ألوني، في مقابلة خاصة مع"المشهد الإسرائيلي" في أعقاب الهجوم اليميني الجديد على وزيرة التربية والتعليم الإسرائيلية، يولي تامير، على خلفية موقفها من تدريس المواضيع اليهودية والصهيونية *ويضيف: يمكن تدريس النكبة الفلسطينية في المدارس الإسرائيلية دون أن يغير ذلك من كوني صهيونيا *
كتب بلال ضاهر:
شنّ اليمين الإسرائيلي مؤخرًا هجوما جديدًا شديدا ضد وزيرة التربية والتعليم، يولي تامير، من حزب العمل، على خلفية قرارها تقليص عدد الفتيات اللاتي يُدرسن موضوعي اليهودية والصهيونية في المدارس اليهودية في إطار "الخدمة الوطنية". وتنتمي جميع هؤلاء الفتيات إلى معسكر اليمين في إسرائيل وبعضهن ينتمين إلى اليمين المتطرف. واعتبر "اتحاد المراكز لتعميق التعليم اليهودي" أن تامير تخشى "تعزز الوعي القومي" بين طلاب المدارس الأمر الذي دفعها إلى تقليص ساعات تدريس موضوع اليهودية الذي تُدرسه فتيات الخدمة الوطنية في المدارس.
يشار إلى أن قرار تقليص عدد فتيات الخدمة الوطنية اللاتي يُدرسن اليهودية والصهيونية يأتي مع اقتراب موعد افتتاح السنة الدراسية الجديدة في مطلع شهر أيلول المقبل. وأوضحت تامير أن تقليص عدد فتيات الخدمة الوطنية نابع من "قرار مبدئي يقضي بأن يُدرس المعلمون فقط المواضيع التربوية الأساسية وذلك بعد أن تم على مدار سنوات مضت إدخال أشخاص للمدارس من دون أن يكونوا مؤهلين لتدريس هذه المواضيع، وهذا أمر غير مبرر".
لكن وزير الإسكان زئيف بويم، من حزب كديما، لم يقبل بتبريرات تامير وهاجمها في اجتماع الحكومة الإسرائيلية الأسبوعي، أول من أمس الأحد، معتبرا أن "وزيرة التربية والتعليم تعمل على تطبيق مطالب عرب إسرائيل في لجنة المتابعة العليا"، في إشارة إلى وثيقة "التصوّر المستقبلي للفلسطينيين في إسرائيل" التي دعت إسرائيل إلى التعامل مع المواطنين العرب فيها على أنهم أقلية قومية وطالبت بإدارة ذاتية ثقافية. وطالب بويم أيضا "بمصادرة المضامين المتعلقة بالمواضيع الصهيونية القومية الأساسية من أيدي الوزيرة تامير، لكونها ليست قادرة على التغلب على دوافعها السياسية"، في إشارة إلى كونها يسارية.
ودعا بويم إلى التفكير في إنشاء "مجلس حكماء محايد لتحديد المواضيع الأساسية في تدريس الصهيونية. ومن شأن مجلس كهذا أن يضمن تعليم التربية الوطنية والصهيونية في إسرائيل ويشدد على صواب طريق الصهيونية في إسرائيل".
وليست هذه هي المرة الأولى التي تتعرض فيها تامير لهجوم من اليمين في أعقاب قرارات اتخذتها بخصوص مواضيع يتم تدريسها في جهاز التعليم الإسرائيلي. وأشار بويم إلى ذلك قائلا إن "تامير عبرت عن طريقها السياسية من خلال سلسلة قرارات كانت محل خلاف وتتعلق بجهاز التعليم، مثل قرارها تدريس تاريخ النكبة ودراسة إمكانية إلزام المدارس العربية الرسمية بتدريس التربية الإسلامية". وزعم بويم أن تامير "تمس بذلك بالتربية على قيم الصهيونية في إسرائيل".
من جانبها رفضت تامير أقوال بويم مؤكدة أن قراراتها اتخذت وفقا لتوصيات المسؤولين المهنيين في وزارة التربية والتعليم. كذلك لم تخف تامير أنها تحمل أفكارا تقضي بالتعددية اليهودية "لكن هذا ليس مرتبطا بالموضوع. فقد قررنا ألا يدخل جهاز التعليم أشخاص ينتمون لتيار فكري كهذا أو ذاك".
وحول مستوى معرفة الطلاب اليهود للتاريخ اليهودي وتاريخ الحركة الصهيونية قالت تامير إنه "صحيح أن مستوى معرفة الطلاب غير مرض لكن اتحاد المراكز (الذي يُشغل فتيات الخدمة الوطنية) هو الذي كان يدرس موضوعي اليهودية والصهيونية طوال السنوات الماضية والجهل ناجم عن عملهم هم. وأنا لا أفهم مصدر تفاؤلهم بأنه إذا ما واصلوا عملهم فإن تغيرا سيطرأ" على مستوى معرفة الطلاب.
المهم- التربية المدنية الجيدة
من جانبه قال المحاضر في موضوع فلسفة التربية، الدكتور نمرود ألوني، لـ"المشهد الإسرائيلي" إن هناك العديد من المشاكل التي يواجهها جهاز التعليم في إسرائيل مع اقتراب موعد افتتاح السنة الدراسية.
وأضاف أن "المشاكل الرئيسة تكمن في تدني مستوى التحصيل الدراسي، وتزايد انعدام المساواة في التحصيل الدراسي بين الأوساط المختلفة، أي بين العرب واليهود وبين مركز البلاد والضواحي. والمشكلة الثالثة التي يواجهها جهاز التعليم هي تفكك جهاز التعليم الرسمي بسبب الإعفاء الذي يتم منحه لجهاز التعليم الديني المتعصب من تعلم مواضيع أساسية. وهناك 25% من جهاز التعليم الديني يحصلون على إعفاء من دراسة مواضيع يمكنها أن تؤهلهم للعيش في مجتمع عصري ومتقدم. والمشكلة الرابعة هي تقلص عدد المعلمين النوعيين بسبب المكانة المتدنية للمعلم في إسرائيل والراتب المنخفض الذي يتقاضاه، الأمر الذي يصعب على جهاز التعليم تجنيد معلمين أكفاء".
(*) "المشهد الإسرائيلي": هل هناك عملية خصخصة في جهاز التعليم اليهودي؟
- ألوني: "نعم هناك خصخصة. وهذه الخصخصة نابعة من تقوقع المتدينين اليهود وأيضا بسبب قيام مواطنين من الشرائح الاجتماعية الميسورة بإنشاء مدارس خاصة لكونهم يرون أن جهاز التعليم الرسمي لا يتطور بالوتيرة المطلوبة. وهذه المدارس الخاصة تزيد من الفجوة بين الأغنياء والفقراء".
(*) المشاكل التي عددتها هي مشاكل جدية للغاية. هل مسألة تعليم اليهودية والصهيونية وتقليص عدد فتيات الخدمة الوطنية هي المسألة الأهم لطرحها عشية افتتاح السنة الدراسية؟
- ألوني: "بالنسبة لي مسألة تدريس التربية الصهيونية أقل أهمية. ما يهمني هو أن يحصل جميع الأولاد في إسرائيل، بمن فيهم العرب، على تربية مدنية جيدة وعلى تربية جيدة في قضية المواطنة. وأعتقد أن على الجميع، من يهود علمانيين ومتدينين وعرب، أن يحصلوا على مبادئ الديمقراطية المتعددة الثقافات والإنسانية وغير العنيفة والتي تكون فيها الأخلاقيات الإنسانية في مرتبة أعلى من أي فكر ديني. بعد ذلك يمكن للجمهور اليهودي أن يشدد على الجوانب الثقافية الخاصة به، وأن يرافق ذلك انفتاح على ثقافات الأقليات. كما أنه بإمكان الأقليات أن تحصل على دروس لإثراء الهوية الوطنية الخاصة بهم وأن يرافق ذلك اطلاعهم على الثقافة اليهودية".
(*) وزيرة التربية والتعليم، تامير، قررت مؤخرا تدريس موضوع النكبة الفلسطينية في المدارس العربية. لماذا لا يتم تدريس النكبة في المدارس اليهودية؟
- ألوني: "أنا أرى في قرار الوزيرة بهذا الخصوص قرارا إيجابيا وهاما. فالنكبة هي حقيقة وواقع بالنسبة للفلسطينيين تماما مثلما يرى اليهود في أحداث 1948 أنها أحداث مفرحة. وتجاهل الحقائق لا ينتج عنه عدل أو واقع معين. ومجرد التعامل مع النكبة على أنها تجربة جماعية هو احترام للجمهور العربي، لأن احترام شخص يعني منحه إمكانية التعبير عن ذاته بصورة أصلية. كما أن تدريس النكبة لا يهدد اليهود. فمثلا يمكنني دراسة النكبة من دون أن يغير ذلك من كوني صهيونيا. واليمين الإسرائيلي يخشى من تأثير دراسة النكبة على تراجع الأفكار الصهيونية لدى اليهود. ولذلك فإن اليمين يغلق آذانه لدى سماع أي رواية بديلة للصراع. والوزيرة تامير دعت إلى تدريس النكبة في المدارس اليهودية".
(*) كيف تنظر إلى هجوم اليمين ضد تامير؟
- ألوني: "هجوم اليمين ضد تامير جاء على خلفية سياسية وفي إطار الصراع الأيديولوجي. وهو شبيه بالصراع الذي شاركت فيه أنا شخصيا ضد وزيرة التربية والتعليم السابقة (ليمور ليفنات من حزب الليكود اليميني)".
هذا وكان أحدث استطلاع للرأي حول مستوى معرفة الطلاب اليهود للتاريخ اليهودي وتاريخ الحركة الصهيونية قد كشف عن أن 52% من خريجي جهاز التعليم الرسمي والذين تتراوح أعمارهم اليوم ما بين 18 و25 عاما لا يعرفون ما هو رمز دولة إسرائيل. كذلك لم يعرف 6ر74% منهم ما حدث في 29 تشرين الثاني 1949، وهو اليوم الذي اتخذت فيه الأمم المتحدة "قرار التقسيم" بشأن فلسطين.