تعرضت الشرطة الإسرائيلية يوم الأربعاء 31/10/2007 لانتقادات شديدة للغاية على أدائها، وذلك غداة المواجهات التي وقعت (الثلاثاء 30/10/2007) بين قواتها وسكان قرية البقيعة العربية في الجليل. وقالت الصحف الإسرائيلية إن "حملة" الاعتقالات في القرية كانت فاشلة وتنطوي على إشكالية.
وكان وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي، آفي ديختر، الذي تخضع الشرطة لوزارته، على رأس المنتقدين.
ونقلت صحيفة "معاريف" عن ديختر قوله إن "شرطة إسرائيل شنت حملة اعتقالات لكن النتائج لم تكن وفقا للتوقعات وأنا غير راض بكل تأكيد".
واندلعت مواجهات عنيفة بين سكان البقيعة وقوات الشرطة في أعقاب دخول قوات قبيل الفجر للقرية بهدف اعتقال عشرة أشخاص "يشتبه في أنهم أحرقوا هوائية تابعة لإحدى شركات الهواتف الخليوية بالقرب من القرية".
وأدت هذه المواجهات إلى إصابة حوالي 30 شرطيا و10 مواطنين، واستخدمت الشرطة خلالها الأسلحة وتم إطلاق النيران الحية والقنابل الصوتية وقنابل الغاز المسيلة للدموع.
وقال قائد المنطقة الشمالية في الشرطة، شمعون كورن، إن مواطنين أطلقوا النار وألقوا قنابل في اتجاه قوات الشرطة ونصبوا حواجز تواجد فيها ملثمون لمنع أحد من دخول القرية.
يشار إلى أن أغلبية سكان البقيعة هم من أبناء الطائفة العربية الدرزية، التي يلزم أبناؤها بالخدمة العسكرية ويعمل كثير منهم في أجهزة الأمن ومصلحة السجون في إسرائيل، وكان عدد كبير من قوات الشرطة وأطقم الإسعاف التي دخلت القرية من أبناء الطائفة الدرزية.
وقال ديختر، المتواجد حاليا في الولايات المتحدة، إنه تابع أحداث البقيعة طوال الوقت وكان على اتصال متواصل مع المفتش العام للشرطة، دافيد كوهين.
وأضاف "لقد أوضحت لمفتش الشرطة أنه يتوجب اعتقال كل من يفترض اعتقاله وإذا لم ننجح بالأمس بطريقة معينة سنستخدم طريقة أخرى والتعامل بشدة مع كل من يرفع يده على شرطي".
ورغم أقوال ديختر إلا أن الشرطة بادرت، بسرعة قياسية، إلى فتح تحقيق في الأحداث استجابة لمطلب قيادة الطائفة الدرزية الدينية والسياسية ولمطلب الأحزاب العربية.
وفيما حاولت وسائل الإعلام الإسرائيلية تشبيه أحداث البقيعة بـ"هبة أكتوبر" في العام 2000، التي قتلت الشرطة خلالها 13 مواطنا عربيا وأصابت العشرات بجراح، ووصف مواجهات الأمس بـ"الانتفاضة" قال الصحافي رفيق حلبي، الذي كان يرأس تحرير نشرة الأخبار العبرية في التلفزيون الإسرائيلي الحكومي لسنوات طويلة، إن ما حدث في البقيعة لم يكن "انتفاضة".
وأوضح حلبي، وهو ابن الطائفة الدرزية، في حديث للإذاعة الإسرائيلية العامة، أن "ما حدث في البقيعة ليس انتفاضة، فالانتفاضة يقوم بها الشعب الفلسطيني ويمكن وصف أحداث البقيعة بأنها مظاهرات عنيفة".
وأضاف أن "ما حدث في البقيعة كان رد فعل غاضبا على نصب هوائي لشركة هواتف ونقمة على تعامل الدولة مع الطائفة الدرزية، وهناك أمثلة على ذلك في قرى درزية أخرى مثل عسفيا ودالية الكرمل" الواقعة على قمة جبل الكرمل جنوب حيفا.
كذلك دعا نائب رئيس الشاباك السابق، عضو الكنيست يسرائيل حسون، من حزب "إسرائيل بيتنا"، إلى تحقيق يتم إجراؤه في الكنيست حول ما إذا كان أداء الشرطة في البقيعة صائبا.
ونقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن حسون قوله إن "الأحداث في البقيعة ليست حدثا وحيدا فقد وقعت أحداث كهذه في الماضي، فالطائفة لا تسمح بوجود هوائيات خليوية في تخوم قراها وحساسية هذا الوسط معروفة".
واقترح تشكيل "لجنة أمن داخلية" في الكنيست "للتحقيق فيما إذا لم تكن الشرطة تعي الحساسيات البالغة لدى الطائفة الدرزية".
وأضاف حسون أن على اللجنة البرلمانية التي يقترح تشكيلها أن تدقق في سلم أولويات الشرطة. وأردف متسائلا "هل انتهت المشاكل في شمال الدولة؟"، في إشارة إلى الأغلبية العربية في منطقة الجليل.
من جانبه قال رئيس لجنة الداخلية التابعة للكنيست، عضو الكنيست أوفير بينيس، من حزب العمل، إنه "في البقيعة استخدم عنف خطير ضد أفراد الشرطة وأنا أستنكر ذلك، لكن لا يمكن الموافقة بأي حال من الأحوال على أن تستخدم الشرطة سلاحا حيا ضد متظاهرين، فلا أحد فكّر بإطلاق النار على متظاهرين أحرقوا هوائية في مدينة رمات غان" في وسط إسرائيل.
الجدير بالذكر في هذا السياق أن أيا من السياسيين الإسرائيليين لم يندّد بإطلاق الشرطة النيران الحية خلال "هبة أكتوبر" 2000 والتي أسفرت، كما ذكر سابقًا، عن مقتل 13 مواطنا في المدن والقرى العربية في إسرائيل.
وخلافا للأجواء المعادية للأقلية العربية التي سادت وسائل الإعلام الإسرائيلية في العام 2000 انتقد الصحافي في "يديعوت أحرونوت" يغئال سارينا أداء الشرطة في البقيعة.
وتساءل سارينا: "لماذا يأتون إلى قرية جليلية، دربنا أغلبية شبابها على مدار أعوام أن يكونوا جنودا وشرطيين وكأن هذه هي بيت حانون (في شمال قطاع غزة)، وبعد ذلك نتوقع أن يمر الأمر بهدوء؟".