"إن توجّه المحكمة العليا الأميركية المُحافظ في القضايا المتعلقة بمكانة المواطنين السود يكرّس الفجوات الهائلة القائمة بين ظروف معيشة المواطنين السود مقارنة بالمواطنين البيض، والتي نشأت في فترة التمييز الرسمي الذي ساد التاريخ الأميركي المظلم من العبودية الى الفصل العنصري". هذا ما جاء في ملخص البحث الأكاديمي الجديد للباحث الحقوقي د. يوسف تيسير جبارين، أستاذ الحقوق في جامعتي حيفا وتل أبيب، والذي يتناول فيه مجرى تطوّرات الخطاب الحقوقي في الولايات المتحدة الأميركية ابتداءً من منتصف القرن العشرين، في ما يتعلق بحقوق الأقلية السوداء ونضالها من أجل المساواة.
وقد نشر البحث مؤخرًا في المجلة القانونية الرئيسية الصادرة عن جامعة "سانتا كلارا" في كاليفورنيا في عددها الأخير بعنوان: "القانون، الأقليات والتحوّل الاجتماعي: إعادة نظر نقدية في نظريات حقوق المواطنة". ويبيّن البحث أنه بعد مرور أكثر من أربعة عقود من سنّ قانون حقوق المواطن عام 1964، والذي بلغ فيه نضال الأقلية السوداء ذروته وقتئذ، ترتفع في المجتمع الأميركي أصوات تعبّر عن خيبة الأمل من مستوى التحسّن في مكانة المواطنين السود الاجتماعية- الاقتصادية رغم الإنجازات القانونية على المستوى الرسمي.
ويتناول الباحث النقد اللاذع الذي يوجهه نشيطو حقوق الإنسان والباحثون التقدميون إلى المحكمة العليا الفدرالية الأميركية، لتبنيها مفهومًا ضيقًا لمبدأ المساواة، بحسب التوجّه الليبرالي- الفرداني، مشيرًا إلى أن التراجع الذي بدأ في منتصف السبعينيات (حين بدأت تتشكل هيئة المحكمة من غالبية مُحافظة) أدى إلى تقزيم مشروع المساواة العرقية إلى قاعدة قانونية تقنية رسمية تقتصر على منع التمييز العلني بين الأفراد، وبالتالي تؤدي إلى الإبقاء على موازين القوى القائمة في المجتمع الأميركي وتكريس التمييز ضد الأقلية السوداء في ظل استمرار تغلغل العنصرية تجاهها في جميع مناحي الحياة.
ويتناول البحث بإسهاب الطروحات النقدية البديلة، القائمة على توسيع مفهوم المساواة، بحيث يكون مفهومًا تحوّليًا- جماعيًا ليصبح في مستطاعه الإفضاء إلى تغيير حقيقي في ظروف معيشة المواطنين السود وتمكين المجتمع الأميركي عامة من مواجهة المظالم التاريخية للعبودية والتفرقة العنصرية ضد المواطنين السود.
ويخلص البحث إلى أن الخطاب الحقوقي الأميركي بخصوص مكانة المواطنين السود يقوم على الاستقطاب بين المساواة الليبرالية- الفردانية والمساواة التحوّلية- الجماعية، وأن العليا الأميركية تتبنى الخطاب الحقوقي الفردي الضيق للمساواة على حساب الخطاب الحقوقي الأوسع ذي الطابع الجماعي.