المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

رحب الرئيس الأميركي جورج بوش برئيس الحكومة الإسرائيلية أرييل شارون بتكرار موقفه القائل بوجوب أن تأخذ أي تسوية نهائية بالحسبان الوقائع السكانية التي فرضتها إسرائيل على أرض الضفة الغربية. ولكن شارون لم يكتف بذلك بل أعلن من مزرعة بوش وأمامه أنه لن تقوم أية تسوية نهائية لا تشمل بقاء الكتل الاستيطانية جزءا من دولة إسرائيل. ورغم الحفاوة التي حاول بوش احاطة شارون بها فإن الخلافات بين الرجلين ظهرت للعيان ليس فقط في الموقف من توسيع الاستيطان وإنما كذلك في الموقف من الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن).

غير أن الخلاف العلني بين شارون وبوش جاء للتستر على حقيقة أن الزيارة برمتها ليست سوى مكافأة لشارون على الدور الذي لعبه في إقرار خطة الفصل. وقد بدت الحفاوة وجملة البوادر الشخصية التي أقدم عليها بوش تجاه شارون أكبر دليل على أن الإدارة الأميركية تنظر الآن إلى كل المنطقة من منظار خطة الفصل. وقد أبلغ مسؤولون أميركيون كتّاب الأعمدة البارزين أن القلق على خطة الفصل لدى الإدارة الحالية يزيد حتى عن القلق من الوضع في العراق.

واعلن المتحدث باسم البيت الابيض سكوت ماكليلان ان بوش وشارون تطرقا الى موضوع ايران خلال غدائهما. واضاف ان "الرئيس تطرق الى الجهود الدبلوماسية التي يبذلها الاوروبيون لمنع ايران من تطوير اسلحة نووية واعربا عن قلقهما المشترك حول نيات الايرانيين في ما يتعلق ببرنامجهم النووي".

وعما اذا كان بوش وشارون قد تطرقا الى امكان ان تشن اسرائيل هجوما عسكريا لتدمير المنشآت النووية الايرانية، اجاب ماكليلان بالنفي. وقال "تركزت المحادثات على الجهود الدبلوماسية التي يبذلها الاوروبيون في الوقت الراهن لمنع ايران من تطوير اسلحة نووية".

واضاف "لم تجر مناقشة ما تطرحونه".

وقد أشار بوش إلى تبنيه مواقف شارون بخصوص خطة الفصل عندما تحدث في المؤتمر الصحافي عن أن قيام حكم فلسطيني قابل للتعايش مع إسرائيل في غزة بعد الفصل سيسهل على شارون تغيير موقفه وتنفيذ خطوات أخرى في الضفة. وأشار بوش إلى تبنيه موقف شارون بخصوص المدخل الأمني للتعامل مع القضية الفلسطينية بوجوب التزام الرئيس محمود عباس بمحاربة الإرهاب وتفكيك المنظمات الفلسطينية. وقد أعلن شارون في المؤتمر الصحافي أنه يعتبر ذلك شرطا مسبقا لأي تقدم في تنفيذ خريطة الطريق.

وفي ذلك شدد الطرفان على أن الاختبار الحقيقي هو تنفيذ خطة الفصل وإنجاز السلطة الفلسطينية لمخطط الإصلاح الأمني والإداري.

وقال بوش "كجزء من تسوية سلمية نهائية، فإنه يجب أن تحظى إسرائيل بحدود آمنة ومعترف بها. وهذه يجب أن تنبع من مفاوضات بين الطرفين وفق قراري مجلس الأمن الدولي 242 و338. كما قلت في نيسان 2004 فإن واقعا جديدا على الأرض يجعل من غير الواقعي أن نتوقع أن النتيجة النهائية ستكون العودة إلى حدود 49. ومن الواقعي أن نتوقع أن كل واقع على الأرض سينبع من اتفاق الطرفين. إن كل التغييرات على الارض، بما في ذلك الكتل الاستيطانية القائمة،
يجب أن تؤخذ بالحسبان في كل اتفاق نهائي".

وزين بوش لقاءه مع شارون بإظهار الاختلاف في موضوع المستوطنات. وقال "لقد أعربت أمام رئيس الحكومة عن قلقي حيال إقدام إسرائيل على اتخاذ خطوات لا تتفق مع مضمون خريطة الطريق ويتعين على إسرائيل في ضوء ذلك أن تفكك مواقع غير مرخصة وأن تطبق التزاماتها بخصوص المستوطنات في الضفة الغربية بحسب ما تنص عليه خريطة الطريق. كجزء من حل سلام دائم يجب أن تكون لإسرائيل حدود آمنة وواضحة تنبثق عن قرارات يصدرها مجلس الأمن".
وأضاف الرئيس الأميركي أن "الولايات المتحدة تؤيد إقامة دولة فلسطينية وسوف تستمر في العمل مع المجتمع الدولي لتأسيس نظام حكم يقوم على النظام والقانون وكذلك بناء اقتصاد مزدهر".

وردًا على سؤال طرحه أحد الصحافيين، قال بوش: "أظن أنني قلت بشكل واضح جدًا أن إسرائيل ملتزمة بخريطة الطريق. ما زال أمامنا عمل كثير للوصول إلى تعاون مع السلطة الفلسطينية. رئيس الحكومة التزم بدولتين تعيشان بسلام جنبا إلى جنب".

وكرر بوش خلال حديثه التأثير الإيجابي الذي سيكون لخطة الفصل على التطورات السياسية المستقبلية. وقال بوش إن "المهم هو تحقيق دولتين ديمقراطيتين تعيشان جنبا إلى جنب بسلام. تسود حالة من عدم الثقة في المنطقة وأنا أتفهم ذلك فقد سفكت دماء كثيرة. ربما توجد الآن فرصة لبناء الثقة. رئيس الحكومة من جانبه اتخذ خطوة شجاعة وطالما لم يتخذ الفلسطينيون خطوات مشابهة لن تسود الثقة... إنني أقدر بأنه إذا تكللت خطوة الانسحاب من غزة بالنجاح فإن موقف رئيس الحكومة سيكون مغايرا فيما يتعلق بالمراحل القادمة... أريد تركيز الأنظار على غزة".

من جانبه قال شارون إنه غير معني بالسيطرة على الفلسطينيين وأضاف موجها حديثه للرئيس بوش: "سأنفذ التزاماتي التي قطعتها على نفسي أمامك سيدي الرئيس، وتقضي بإزالة المواقع الاستيطانية غير القانونية"، وأشار إلى أن إسرائيل هي دولة قانون.

ولكن شارون أظهر أنه السيد حتى في مزرعة بوش بإعلانه الاختلاف مع بوش بشأن المستوطنات. إذ كرر مرارا في المؤتمر الصحافي باللغتين الإنكليزية والعبرية أن الكتل الاستيطانية ستبقى في كل تسوية بأيدي إسرائيل. وقال شارون أن ضم المستوطنات مستقبلا يمنحها الحق بالبناء فيها الآن. وأشار إلى "أننا مهتمون جدا بأن يكون هناك تواصل جغرافي بين معاليه أدوميم والقدس، ولكن الأمر يحتاج إلى سنوات كثيرة وسوف تتوفر لنا فرص كثيرة للبحث في ذلك مع الأميركيين".

ووصف شارون لقاءه بالرئيس بوش بأنه "كان وديا وجيدا جدا كالعادة"، وتبادلا خلاله الحديث عن مواضيع كثيرة واتفق على الاستمرار في العمل سوية في المستقبل. وفيما يتعلق بما بعد إخلاء مستوطنات قطاع غزة قال شارون إن "خريطة الطريق هي الخطة الوحيدة بين إسرائيل والفلسطينيين وفقط بعد أن ينفذوا جميع تعهداتهم، التي على رأسها محاربة الإرهاب بشكل حقيقي، يمكننا مواصلة المفاوضات المستندة إلى خريطة الطريق". وقال شارون إنه لم يشعر بالخيبة من الخلاف مع بوش حول المستوطنات.

وحرص شارون على القول بأنه لا ينوي التوصل إلى حل مرحلي للصراع مضيفا أن "العنف والإرهاب لا يمكن أن يتواصلا. يجب الوفاء بجميع الالتزامات تجنبا للحلول المؤقتة. مكافحة الإرهاب هي الطريق الوحيد لبناء السلام ولا ننوي تفويت الفرص ونحن نقوم في ظل ذلك بالعمل بسرعة لمساعدة الفلسطينيين وسنقدم مزيدًا من التسهيلات".

وقد تميز لقاء شارون بوش هذا بشدة الاتفاق وضعف الخلاف. وكما سلف فإن بوش يرى المنطقة الآن من منظار خطة الفصل التي يعتبر شارون رائدها. ولكن ذلك لم يفلح في إخفاء خلافات من نوع آخر. فقد اتفق الرجلان على أن لا يتفقا بشأن المستوطنات. ولكن هذا الاتفاق الصامت يتيح لإسرائيل أن تبني ويتيح لأميركا أن تحتج حينا والاعتراف بالواقع حينا آخر. غير أن الخلاف الحقيقي كان أمس حول الموقف من أبو مازن. فقد وصل شارون إلى اللقاء مع شارون بعد أن سرب ديوانه أنباء عن أن سقوط أبو مازن محتم وأن إسرائيل على وشك التراجع عن التفاهمات وإعادة احتلال المدن الفلسطينية. واتهم شارون ومستشاروه أبو مازن بالاتهامات ذاتها التي كانوا يوجهونها للرئيس الراحل ياسر عرفات من أنه يعد ولا يفي وأنه على وشك السقوط. وقد أثار ذلك حفيظة الرئيس الأميركي الذي انبرى للدفاع عن أبو مازن ومصداقيته. وقال بوش إنه لا يشعر بالخيبة من أبو مازن الذي لا يزال يحظى بثقته. وطالب بوش القيادة الفلسطينية بالعمل للوفاء بالتزاماتها. وقال إن أبو مازن شخصية محترمة وإنه يريد تحقيق السلام ويجب على إسرائيل مساعدته وإنجاح مهمته.

وكان التركيز الإسرائيلي على سلبية أبو مازن واحدا من الألاعيب الإعلامية التي أريد منها صرف الأنظار عن موضوع المستوطنات. غير أن لعبة إعلامية أخرى لجأ إليها شارون بإعلانه في مقابلة تلفزيونية مع المحطة الأميركية "سي إن إن" أن "الأجواء في إسرائيل وحالة التوتر تبدو وكأننا عشية حرب أهلية. لقد دافعت طيلة حياتي عن اليهود وتجدني الآن لأول مرة أدافع عن نفسي منهم".

(حلمي موسى)

المصطلحات المستخدمة:

رئيس الحكومة

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات