رغم أن استطلاعات الرأي في نهاية الأسبوع أشارت إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي آريئيل شارون سيخرج منتصراً سواء خاض الانتخابات العامة زعيماً لـ«ليكود» أو على رأس حزب جديد (يحصل في الحالين على 28 مقعداً)، إلا أنه ما زال في حيرة من أمره، وإن تحدثت الأوساط القريبة منه أنه سيحسم قريباً أمر بقائه في الحزب الذي شكله قبل نحو 30 عاماً أو عدمه.
لكن قبل ان يقول شارون كلمته النهائية، يتوجب عليه النظر في اعتبارات وعوامل كثيرة جديرة بالتفحص، ومنها «اليوم التالي» للانتخابات، اذ ثمة مخاوف حقيقية تساوره من أن بقاءه في «ليكود» سيحول دون تمكينه من تشكيل حكومة جديدة، فجبهة «المتمردين» التي نغّصت حياته في السنة الأخيرة لن تغير جلدها، وليس مستبعداً أن يحتلّ أعضاؤها المراكز الأولى في الانتخابات الداخلية لتتصدر أسماؤهم لائحة الحزب الانتخابية، فيما أنصار شارون في الصفوف الخلفية.
لكن حتى في حال استقر الوضع داخل «ليكود» بعد الانتخابات، فإن شارون بحاجة الى شراكة أحزاب أخرى لإقامة ائتلافه، وهذه هي المشكلة الأبرز. فأحزاب اليمين الراديكالي ليست مرشحة للانضمام اليها على ضوء التباين الكبير بين برامجها السياسية وبرنامج شارون، إلا اذا خضع الأخير لمطالبها، ما يعني جموداً تاماً للعملية السياسية.
أما حزب «العمل»، واعتماداً على تصريحات زعيمه الجديد عمير بيرتس الذي بفعل انتخابه أحدث خضة غير مسبوقة بقوتها في الحلبة السياسية، فإنه يرفض الدخول من جديد في حكومة «وحدة وطنية»، إلا ربما في حال تقاسم بيرتس وشارون رئاسة الحكومة، وهو ما يمكن اعتباره شبه مستحيل.
ومع استثناء الأحزاب العربية وحزب «ميرتس» اليساري من الائتلاف الحكومي، يبقى أمام شارون التفاوض مع حزب «شينوي» العلماني وحركة «شاس» الدينية الشرقية المتزمتة، لكن هذين الحزبين المتخاصمين يرفضان قطعاً الجلوس في حكومة واحدة، فضلاً عن أنه حتى في حال انضمامهما معاً لن تتوفر لشارون غالبية برلمانية مطلقة مطلوبة لتشكيل الحكومة.
ولا تبدو الصورة أوضح بكثير في حال انسلخ شارون عن «ليكود» وشكل حزباً جديداً توقعت له الاستطلاعات بالفوز بـ 28 مقعداً في مقابل 18 مقعداً فقط لـ"ليكود" بزعامة نتنياهو (28 للعمل). في هذه الحال، وإذا أخذ في الاعتبار التزام بيرتس عدم الدخول في ائتلاف مع شارون، فلن يكون أمام الأخير سوى الائتلاف مع «ليكود» وأحزاب اليمين والمتدينين، وهو سيناريو يبدو خيالياً الآن.
ايجابيات الانفصال وسلبياته
ولدى مراجعاته ايجابيات وسلبيات الانفصال عن «ليكود»، يأخذ شارون ضمن الأولى أنه يريح أعصابه من «المتمردين» ويشكل قائمة مرشحين على هواه ويحقق برنامجه السياسي من دون ضغوط داخلية. أما في اطار المخاوف من المغادرة، فإنه يدرك أن أنماط التصويت في اسرائيل تشير الى أن الناخبين يفضلون التصويت لأحزاب كبيرة وعريقة، فضلاً عن أن «ليكود» يتمتع بجهاز تنظيمي قوي وناشطين ميدانيين متمرسين سيفتقد شارون أمثالهم في الحزب الجديد، خصوصاً أن الفترة المتبقية على اجراء الانتخابات (أربعة أشهر) ليست كافية لاقامة قواعد انتخابية جديدة. وربما لأجل هذه الحقائق، أعرب وزير الزراعة يسرائيل كاتس عن ثقته بأن «ليكود» سيحقق النجاح في الانتخابات بغض النظر عن هوية زعيمه «حتى لو قاده الرئيس التونسي».
وكانت الصحف العبرية تحدثت عن أن شارون بصدد حسم مسألة بقائه في «ليكود» في غضون أيام، ليس قبل أن يتشاور مجدداً مع «منتدى المزرعة» الذي يضم نجليه وستة من كبار المستشارين القريبين من شارون الذين اعتادوا على الالتئام نهاية كل أسبوع في مزرعته في النقب لدرس آخر المستجدات على الساحة الحزبية في إسرائيل.
وعمد هؤلاء في اليومين الأخيرين إلى بث تقديرات متناقضة للقرار الذي سيتخذه شارون وإن غلبت التوقعات بأنه سيترك «ليكود». وربما سربوا هذه التوقعات لجس نبض أقطاب «المتمردين» مستفيدين من أن استطلاعات نهاية الأسبوع أفادت بأن «ليكود» مع شارون سيحصل على 38 مقعداً فيما سيتراجع إلى 18 نائباً فقط في حال غادره شارون وتزعمه نتنياهو، ليصبح ثالث أقوى حزب يلي حزب شارون الجديد وحزب «العمل» الذي سيفوز كل منهما بـ 28 مقعداً.
ويبقى السؤال الثاني: هل سيواصل نتنياهو المنافسة على زعامة «ليكود» أم ينسحب ليتوج شارون ويحول دون هزيمة «ليكود»؟ وهل يعدّل «المتمردون» لغتهم القاسية ضد شارون للسبب ذاته؟
الأجندة الانتخابية
تبقى الإشارة أخيراً إلى أن الاستطلاع بيّن أن حزب «العمل» بزعامة بيرتس الشرقي سينجح في تحقيق اختراق غير مسبوق في معاقل «ليكود» التقليدية مثل بلدات التطوير حيث الغالبية شرقية، ما يوحي بأن المعركة الانتخابية ستتناول أساساً الأجندة الاجتماعية- الاقتصادية التي يرى 37 في المائة من الاسرائيليين أنها المسألة الأبرز التي تقض مضاجعهم، في مقابل 30 في المائة رأوا أن المسألة الأمنية- السياسية ينبغي أن تكون هي الأهم في المعركة الانتخابية، وهذا بحد ذاته «انقلاب» في اهتمامات الإسرائيليين أحدثه انتخاب بيرتس الذي قاد معارك نقابية لدعم الشرائح الضعيفة منذ أن ظهر على الحلبة السياسية قبل عقدين ونيف من الزمن.