أفادت مصادر صحافية إسرائيلية مطّلعة أن وزارة العدل الأميركية بصدد توجيه اتهامات رسمية لمسؤوليْن سابقيْن في اللوبي الصهيوني بواشنطن بالتجسس على الولايات المتحدة لحساب إسرائيل.
وذكرت صحيفة "هآرتس" أمس (الإثنين 30/5/2005) في تقرير لمراسلها في واشنطن، ناتان غوتمان، أن من المنتظر أن تقدم وزارة العدل الأميركية في غضون الأسابيع القليلة المقبلة لوائح إتهام ضد الموظفين الكبيرين السابقين في منظمة "إيباك"، ستيف روزان وكيث فايسمان، المشتبه بتورطهما في فضيحة التجسس الإسرائيلي الأخيرة في الولايات المتحدة، والتي كشف النقاب عنها في شهر آب من العام المنصرم.
وكانت قناة التلفزة الأميركية "سي. بي. إس" قد كشفت في 27 آب الماضي اشتباه الشرطة الفيدرالية الأميركية (إف. بي. آي) بوجود جاسوس إسرائيلي رفيع المستوى في وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) واحتمال أن يكون قد "أثّر على السياسة الأميركية في الشرق الأوسط". وأضافت صحيفة "هآرتس" في تقريرها نقلاً عن مصادر أميركية مطّلعة على تفاصيل قضية التجسس الإسرائيلي المتشعبة في واشنطن، أن بند الاتهام المرتقب لموظفي "إيباك" اللذين أُقيلا من عملهما بعد الكشف عن القضية، سيستند إلى "قانون التجسس" الأميركي.
وأردفت أن جناية التجسس التي تدرسها في هذه الأثناء هيئة المحلفين الأميركية العاملة في ولاية فرجينيا، تتناول الحصول على معلومات أمنية سرّية من الموظف الكبير في البنتاغون، لاري فرانكلين، (المشتبه المركزي في القضية) ونقلها إلى ممثل لدولة أجنبية (إسرائيل). ويدور الحديث هنا عن تورط رئيس الشعبة السياسية في سفارة إسرائيل لدى واشنطن، ناؤور غيلؤون، في القضية التي تشَّعَبت ووصلت إلى حد إتهام مسؤولين في المخابرات الأميركية لإسرائيل بإدارة شبكة تجسس كُبرى في الولايات المتحدة... ووفقاً للمعلومات التي تسربت في حينه لوسائل الإعلام فقد أُشتبه "غيلؤون" بالحصول على معلومات أمنية حساسة من رجل البنتاغون (فرانكلين) بواسطة اللوبي الصهيوني في واشنطن "إيباك"، لكن شُبهات نُشِرت فيما بعد ذَكرت أن ملحق الإستخبارات العسكرية في السفارة الإسرائيلية الذي أُشير له باللواء "ي" التقى بفرانكلين عدة مرات وحصل منه على "معلومات سرّية تتعلق بإيران والعراق".
ووفقاً لشبكة "سي. بي. إس" فإن من بين الوثائق التي نُقِلَت لإسرائيل "مسودة توجيه رئاسي بشأن السياسة الأميركية تجاه إيران". كما أكدت شبكة التلفزة الأميركية ذاتها أن الجاسوس الذي عَمِلَ لحساب إسرائيل كان على علاقة بمساعد وزير الدفاع الأميركي في حينه، بول وولفوفيتز وبدوغلاس فيث، وهما من الشخصيات الرئيسية التي وضعت الإستراتيجية الأميركية بشأن العراق.
وقالت "هآرتس" أنه إذا ما قُدِّمَت بالفعل لائحة اتهام بفحوى التجسس ضد الموظفين السابقين في "إيباك"، فإن من المحتمل عندئذٍ أن تأتي لائحة الاتهام على ذِكر إسم المسؤول السياسي في السفارة الإسرائيلية ناؤور غيلؤون، على الرغم من أن هذا الأخير لم يُعتَبَر مشتبهاً في القضية ولم يخضع لأي تحقيق حولها من قِبَل السلطات الأميركية، حسب ما نقلته "هآرتس" عن مصادر إسرائيلية.
وأضافت الصحيفة نقلاً عن مصادر أميركية مطّلعة تأكيدها أن هيئة المحلفين في فرجينيا ستقدم بعد عدة أسابيع لوائح إتهام ضد ستيف روزان، مدير السياسة الخارجية سابقاً في "إيباك" وضد كيث فايسمان، الذي كان مسؤولاً عن الملف الإيراني في اللوبي الصهيوني.
ومن المنتظر أن تُسلم في وقت لاحق من الأسبوع الحالي لائحة الاتهام الرسمية التي وجهتها هيئة المحلفين ضد موظف "البنتاغون" لاري فرانكلين المشتبه بنقل معلومات سرّية بصورة غير قانونية، والذي حامت الشبهات حول تجسسه لحساب إسرائيل قبل حوالي عامين.
تسلسل قضية
"جاسوس البنتاغون"
وكانت قضية التجسس الأخيرة، والتي تُعّد من أكبر فضائح التجسس الإسرائيلي التي كُشف عنها في الولايات المتحدة بعد فضيحة الجاسوس جوناثان بولارد، قد تسلسلت على النحو التالي، وفقما أوردت ذلك صحيفة "هآرتس" (أمس الإثنين):
* أيلول 2001: فتحت الشرطة الفيدرالية (إف. بي. آي) تحقيقاً للكشف عن تسريب معلومات من "البيت الأبيض". وشرعت، لهذا الغرض، بمراقبة ستيف روزان من منظمة (لوبي) إيباك.
* آذار 2003: رجل "البنتاغون" لاري فرانكلين التقى مع ستيف روزان وكيث فايسمان و"تبادل الحديث معهما حول إيران والعراق".
* حزيران 2003: التقى فرانكلين مرةً أخرى مع رجلي "إيباك" وأخبرهما عن مسودة وثيقة بشأن السياسة الأميركية تجاه إيران في طريقها لمصادقة الرئيس (جورج بوش) وعن "تهديدات لحياة جنود أميركيين في العراق". وكان عملاء الـ"إف. بي. آي" يتعقبون هذا اللقاء ويتنصتون على ما دار خلاله من حديث.
* صيف العام 2003: عرض المحققون أمام فرانكلين أدِّله تُدينه بنقل معلومات سرّية وحاولوا إقناعه بالتعاون في التحقيق بالقضية.
* تموز 2004: فرانكلين يدعو فايسمان لمقابلته ويُخبره بوجود نية لدى جهات إيرانية للإعتداء على إسرائيليين في شمال العراق. الـ"إف. بي. آي" يتنصت على الحديث ويتعقب نقل المعلومات من فرانكلين إلى فايسمان، ومن فايسمان إلى روزان، ومنهما إلى المسؤول في السفارة الأميركية ناؤور غيلؤون.
* 27 آب 2004: أعلنت محطة التلفزة الأميركية "سي. بي. إس" عن كشف "جاسوس" إسرائيلي في البنتاغون.
* نيسان 2005: لوبي "إيباك" يُقيل موظفيه روزان وفايسمان.
* 4 أيار 2005: إعتقال لاري فرانكلين كمشتبه بنقل معلومات سرّية.
* 24 أيار 2005: اتهام فرانكلين أيضاً بحيازة وثائق سريّة في بيته بصورة غير قانونية.
مخاوف من تورط "إيباك"
على الرغم من أن لوبي "إيباك" الموالي لإسرائيل نفى بشدة في حينه أن يكون متورطاً في فضيحة التجسس الأخيرة وقال في بيان له "إن جميع الإدعاءات المتعلقة بتصرف منظمة إيباك أو موظفيها تصرفا جنائياً، غير صحيحة وملفقة"، إلاّ أن أوساطاً رفيعة في منظمة "إيباك" أعربت، حسبما نقلت عنها صحيفة "هآرتس"، عن قلقها وخشيتها من زج إسم المنظمة أو توريطها في هذه القضية، في أعقاب اعتزام السلطات القضائية الأميركية توجيه لوائح اتهام بحق المسؤولين الكبيرين السابقين (المقالين) في اللوبي.
وأشارت الصحيفة إلى أن من المتوقع أن تُشير لوائح الإتهام إلى "إيباك" بالاسم إلاّ أن من المستبعد في الوقت الحالي أن تتخذ أية إجراءات قضائية ضد اللوبي كمنظمة يهودية- أميركية حسب تأكيد رؤسائها الذين قالوا إنهم عملوا كل ما بوسعهم لتفادي حصول ذلك.
وكان رؤساء منظمة "إيباك" التي تضُم اليوم نحو 65 ألف عضو في أنحاء الولايات المتحدة (تأسست في الخمسينيات) وتتمتع بنفوذ هائل في دوائر صُنع القرار في واشنطن، قد اتخذوا سلسلة خطوات (بِناء على تفاهم ضِمني مع الإدعاء العام الأميركي) وبضمنها إقالة الموظفين الكبيرين في المنظمة الضالعين في قضية التجسس والتنصل منهما علناً، لضمان عدم زّج المنظمة في الإتهامات المتعلقة بالقضية وللحفاظ على علاقاتها الوثيقة مع محافل الإدارة والكونغرس الأميركيين.
تاريخ طويل من التجسس ...
وكانت إسرائيل قد نفت من جهتها أيضاً أن يكون لها أيُّ ضلعٍ في قضية التجسسِ هذه معتبرةً أن كل ما نُشِرَ عن تورط مسؤولين في سفارتها في القضية "ملفقاً". وقالت على لسان وزير خارجيتها، سيلفان شالوم، إن بمقدور إسرائيل الحصول من واشنطن على المعلومات التي تُريد "دونما حاجةً لاستخدام جاسوس". غيرَ أن تقارير عديدة نُشِرت في إسرائيل والخارج، وآخرها تقرير نُشِرَ قبل أيام في صحيفة "هآرتس"، أكدت أن لإسرائيل تاريخًا طويلا من التجسس داخل الأروقة السرّية لحليفتها الأولى الولايات المتحدة الأميركية. ولعّل قضية الجاسوس جوناثان بولارد كانت من أبرز الأمثلة على ذلك، إلاّ أنه وفقاً لما ذكره أمير أورن في مقالٍ له نُشِر في صحيفة "هآرتس" يوم 26 الجاري، فإن تاريخ التجسس الإسرائيلي في الولايات المتحدة يعود إلى بداية أيام الدولة العبرية. وأورد أورن في مقاله قصة قديمة تُشير إلى هذا التاريخ جاء فيها :
الزمان: تموز 1948 (أثناء الحرب). المكان: مقر قيادة سلاح البحرية. جلس ضابط الإدارة، آرييه (لوفا) إلياف، وراح يتلو على مسامع موظفة السكرتاريا بضعة سطور ليرفقها بطرد مُرسل إلى ليفي (شكولنيك) أشكول: "هذا الطرد المُرسل إليك، وصل هذا الصباح من أميركا بواسطة مهندس بحري أميركي، أرسله إلينا تيدي كوليك". وحتى لا يُضِّلل منظر الطرد البريء أشكول أضاف إلياف لتلك السطور ما عرفه الساعي أو ربما من كوليك: "توجد داخل أنبوبة معجون الحلاقة مادة سرّية للغاية للحكومة".
وتساءل أورن: هل كان لدولة إسرائيل (الوليدة) في العام 1984، بولارد (جاسوس أميركي) ما، من جيل والدي جوناثان بولارد ؟!
وأضاف: الأرشيفات (الإسرائيلية) الرسمية التي سمحت بإلقاء نظرة خاطفة على (موضوع) أنبوبة معجون الحلاقة، تَعطلت في هذه النقطة (السؤال) وأسدلت الستار.
وكان مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي الـ"إف. بي. آي"، حسب قول أورن، قد تعّقب وكشف إسرائيليين ويهوداً أميركيين عملوا في مد إسرائيل بالسلاح والخبرات، غير أن أسرار "الأسرار" في مجال الاستخبارات ظلّت في غالبيتها خفيّة ومجهولة. وختم أورن قائلاً: لقد اكتسبت إسرائيل بـ"استقامة" سُمعتها كـ"لص ظريف" في السطو على جوارير المجوهرات في بيوت مُضيفيها، ولكن إلى أي حد باستقامة... هذا ما يستطيع "المضيفون" فقط تخمينه؟!