شككت كبرى الصحف الإسرائيلية "يديعوت أحرونوت"، يوم 30/10/2005، بصدق وجدوى نظرية وزير الدفاع شاؤول موفاز بعدم وجدود شريك فلسطيني للتسوية في الجيل الراهن. وأشارت إلى أن "الجانب الإسرائيلي أيضا لم يتخذ بعد القرارات الوطنية الحاسمة كما هي الحال في الجانب الفلسطيني". واستذكرت "يديعوت أحرونوت" أن قادة إسرائيليين آخرين سبق أن أدلوا بتصريحات مشابهة لأقوال موفاز، منهم وزير الدفاع الأسبق موشيه ديان الذي قال ذات مرة "في زماننا لن يحل السلام ولا حتى تسوية"، ورئيس الوزراء الأسبق إيهود باراك الذي أشار إلى أن التسوية مع الفلسطينيين لن تتم قبل 2028 ، "عندما ينقرض جيل النكبة".
ولفتت الصحيفة في افتتاحيتها إلى أن السؤال الأكثر أهمية هو: لماذا يستقبل الجمهور الاسرائيلي الواسع مثل هذه التصريحات بارتياح؟ مشيرة، في معرض جوابها على هذا السؤال، إلى أن ذلك يعود إلى رغبة الإسرائيليين بالانفصال عن الحقيقة بأنهم يعيشون في محاذاة بحر عربي وإسلامي.
وأضافت "ولذا فإن طرح المنطقة المحيطة كبحر معاد رافض لأي تسوية ينسجم مع الأهواء العميقة لدى الاسرائيليين بالانفصال المذكور". وأشارت الصحيفة إلى أن اعتبار أريئيل شارون لخطوته الأحادية الجانب كعقاب للفلسطينيين لم تكن وليدة الصدفة. ونوهت الصحيفة بأن صناع القرار في اسرائيل ازدادوا تمسكا بتوجهاتهم حول غياب الشريك الفلسطيني بعد غزوة العراق التي زادت العرب ضعفا. واختتمت الصحيفة افتتاحيتها بالتساؤل: إلى جانب الرضا التي تبعثها هذه التصريحات في دواخلنا يبقى شك يختمر في صدورنا: إلى متى وما هي الجدوى من مضينا بالعيش انطلاقا من الإيمان بالقوة العمياء ومن التبريرات الذاتية التي تشرعن كل الذنوب وتفرض علينا فلسفة حياة؟
إلى ذلك كان أحد كتاب سيرة أريئيل شارون، الصحافي الإسرائيلي البارز عوزي بنزيمان، قد هاجم تصريحات موفاز بشدة معتبرا إياها تعبيرا عما يدور في كواليس السياسة الاسرائيلية. وشكّك بنزيمان هو الآخر، في مقال نشرته "هآرتس" بعنوان "جيل التأجيل"، في نوايا شارون وموفاز منوها بإمكانية استخدام مثل هذه التصريحات كفقاعات إعلامية للتهرب من استحقاقات السلام. وشبه بنزيمان قادة إسرائيل بـ"الكلب الذي يعدو أمام أصحابه في الطريق وسرعان ما يتوقف عند مفترق طرق انتظارا للتأكد من وجهتهم". وأضاف "أولئك الزعماء لا يقودون بل يقتادون وحينما يصرحون بعدم توفر الشريك الفلسطيني فهم يعكسون في الواقع حالة إفلاس القيادة في إسرائيل". وحذر بنزيمان من أن تصريحات موفاز ستؤدي الى المزيد من العنف والتطرف وإلى تكريس الصراع الدموي مع الفلسطينيين. وتابع: "نحن نعي المشاكل الراهنة في السلطة الفلسطينية برئيسها الذي لا يتساوق مع آمالنا، لكن نحن مطالبون بتقديم القسط المطلوب منا في صفقة التسوية والمتمثل في الانسحاب من الضفة الغربية وانهاء عدوى الاحتلال".
واختتم بنزيمان بالإشارة إلى أن الكتب الإسرائيلية التي صدرت مؤخرا حول الانتفاضة الثانية تبرهن أن روايات المؤسسة الاسرائيلية الحاكمة حول ملابسات الصراع والتصعيد ليست دقيقة. وأضاف "إن استمرار دوامة الدماء في أحيان غير قليلة هو نتاج الجمود الفكري الاسرائيلي والذي بموجبه يقال لا شريك في الطرف الاخر".
وكان داعية السلام أوري أفنيري قد هاجم بشدة رئيس الوزراء الاسرائيلي متهما اياه بالسعي للتنصل من السلام مع الفلسطينيين مشيرا الى أنه سيستغل المشاغل الداخلية للرئيس الأميركي من أجل وقف حتى مجاملة الرئيس الفلسطيني والبدء بتغييبه.
يذكر أن وزير الدفاع شاؤول موفاز عاد في الأيام الأخيرة على ترديد مقولة أريئيل شارون بعد فوزه بكرسي رئاسة الحكومة في إسرائيل بأنه "لا يوجد شريك فلسطيني للسلام مع إسرائيل".
وبحسب تقرير نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت" بقلم مراسلها السياسي شمعون شيفر يوم الجمعة الأخير (28/10/2005) فإن موفاز عاد إلى "النغمة" الإسرائيلية ذاتها ضد الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات في مطلع سنوات الألفين وبداية الانتفاضة الثانية قبل وقوع العملية الانتحارية الأخيرة في مدينة الخضيرة يوم الأربعاء 26/10.
فقد قال موفاز في صبيحة اليوم ذاته للقيادة المصرية وعلى رأسها الرئيس حسني مبارك إنه يائس من رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس (أبو مازن) وذلك في الوقت الذي بحث فيه مع مضيفيه المصريين قضية المعابر بين قطاع غزة ومصر.
ونقلت "يديعوت أحرونوت" عن موفاز قوله إن "أبو مازن هو مسرحية يؤديها شخص واحد ولا شيء خلفه وإنما فراغ وحسب، فراغ سلطوي. ومن الناحية الفعلية ليس هناك ما يمكن الحديث حوله وأبو مازن والقيادة الفلسطينية لم يفعلوا شيئا والسلطة الفلسطينية ليست عنوانا بالنسبة لنا".
وبعد وقوع العملية الانتحارية في الخضيرة وسقوط خمسة قتلى إسرائيليين عقد موفاز العائد لتوه من القاهرة اجتماعا لقيادة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية للتداول فيما وصف بالرد الإسرائيلي على العملية والتي تقرر في ختامها الشروع في حملة عسكرية "مفتوحة" وواسعة النطاق ضد الفصائل الفلسطينية المسلحة في الضفة الغربية وقطاع غزة.
وقال موفاز في ختام المداولات الأمنية، بحسب "يديعوت أحرونوت": "لست واثقا بتاتا من أنه يمكننا التوصل إلى سلام مع القيادة الحالية للفلسطينيين. يتوجب علينا الانتظار للجيل القادم. والحد الأقصى الذي يمكن أن نتوقعه في هذه الأثناء هو ربما التوصل إلى اتفاق مرحلي آخر. أما بالنسبة إلى (قيام) دولة فلسطينية أو اتفاق دائم فأنا لا أرى إمكانية أن يتحقق ذلك في السنوات القريبة القادمة".
الجدير بالذكر أن رئيس الوزراء الإسرائيلي شارون كرر في عدة مناسبات، خصوصا بعد تنفيذ فك الارتباط، أن إسرائيل انتهت من تنفيذ خطوات تجاه الفلسطينيين وأنه لن تكون هناك انسحابات إسرائيلية أخرى في الضفة الغربية ليس أحادية الجانب ولا من خلال اتفاقات وأن على الفلسطينيين أن ينفذوا التزاماتهم وفقا لما تنص عليه خريطة الطريق.
كذلك لم يعلن شارون موقفا واضحا حيال المستوطنات أو البؤر الاستيطانية العشوائية خارج الكتل الاستيطانية في الضفة سوى من خلال التلميح إلى إمكانية أن يتم إخلاء بعض المستوطنات "المعزولة" وعدد من البؤر الاستيطانية فيما يتم بناء أحياء سكنية مؤلفة من "فيللات" في بؤر استيطانية بحسب تقارير لحركة "سلام الآن" الإسرائيلية.
ويعتبر مراقبون سياسيون إسرائيليون أن شارون لن يسعى إلى الوصول إلى اتفاق دائم بسرعة في محاولة لفرض المزيد من الوقائع على الأرض في الضفة لإقناع الإسرائيليين بأن إخلاء المستوطنات في القطاع "كان جديرا" في مقابل تعزيز الاستيطان في الضفة والقدس الشرقية.
وكتب شيفر أن "شارون لا ينوي إخلاء المزيد من المستوطنات في الأشهر القريبة المتبقية حتى موعد انتخابات الكنيست".
وأضاف أن شارون "لن يفعل ذلك ليس بسبب الانتخابات فقط وإنما أيضا لأنه يعتقد أنه ليس هناك من يمكن التحدث معه في الجانب الفلسطيني. فقد سافر أبو مازن إلى واشنطن من أجل الحصول على جزء من الجائزة على تنفيذ فك الارتباط ولكن من ناحية شارون فإن الزعيم الفلسطيني لا يستحق شيئا".