المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

كتب أسعد تلحمي:

"كوالدة جندي ترعرع في خضم الحرب مع الفلسطينيين يثير فضولي السؤال كيف لنا، نحن ذوي الجنود الذين أرسلنا أولادنا وهم في العاشرة من عمرهم لتعلم الموسيقى، أن نرسلهم مع بلوغهم الثامنة عشرة (الى الجيش الإسرائيلي) ليقتلوا الفلسطينيين.. أسأل نفسي كثيرًا هل أنا والدة لجندي قاتل.."- بهذه الكلمات تلخص المخرجة الاسرائيلية نوريت كيدار دوافع اخراجها فيلمًا وثائقيًا يحمل عنوان "وحيدة معزولة" يوثق ممارسات القناصة الاسرائيليين في الأراضي الفلسطينية المحتلة ويعرض إفادات تقشعر لها أبدان الناظر لكنها لا تؤرق مضاجع القتلة سوى بعضهم، الذي يعترف بأنه بعد سنوات على فعلته تلاحقه كوابيس ليرى في منامه ضحاياه!

وتحاول المخرجة، التي اختارت أن تبدأ فيلمها بتصوير أربعة راقصين بشخصية ملائكة الموت، أن تطلع المجتمع الاسرائيلي الذي غاص الى غياهب اللامبالاة على ممارسات الجيش في المناطق الفلسطينية المحتلة "وأن أظهر للجميع ماذا فعلنا، كمجتمع وكأهالي جنود، بأولادنا حين يطلب منهم أن يقرروا من يقتلون (من العرب). إنه عبء ثقيل على كاهلهم".

وبانتظار عرض الفيلم، لأول مرة في اسرائيل في "مهرجان السينما" في القدس الاسبوع المقبل، تناولت صحيفة "يديعوت أحرونوت" في ملحقها الاسبوعي ما أدلى به القناصة من افادات لجنود معتدين بالذات ومحشوين بكم هائل من العداء، لكل من هو عربي يشفون غليلهم بقتل أكبر عدد منهم رافضين اعتبار فعلاتهم جرائم تنم عن تبلد الحس. وتعنون الصحيفة التقرير بكلمتي "بدم بارد" من دون أي علامة سؤال وتضيف: "عندما يسقطون المطلوب يشعر كل منهم بأنه الله.. وأحيانًا لا يشعرون بشيء. يركّزون على الأرواح، على قياس المدى بينهم وبين المستهدفين. قتلة- كيليرز. لا يواجهون معضلات أخلاقية. انهم في نهاية الأمر بمثابة آلة. هذا هو تعريفهم...".

ويتباهى أحد القناصة المدعو شلومي(22 عامًا) على نحو لا يطاق بجريمته ويحكي قصته: ... أثناء خدمتي في غزة رأيت بالمنظار الشخص.. رأسه وبندقيته.. وضعته بالمهداف، ضغطت على الزناد ورأيته يسقط.. نعم أسقطته.. انه شعور رباني بأن تقصف حياة من لا يستحق الحياة.. تحررت من الجيش وكأني الله فأنا من يقرر من يعيش ومن يموت..

إنه الشعور بالفحولة الرجولية، ب"الماتشاوية". يفتحون زجاجات الشمبانيا بعد تصفية مطلوب ويحصلون على مكافأة من رؤسائهم بإجازة لبضع أيام..

ويتابع شلومي واصفًا شعوره: إنها متعة.. التحضير لإطلاق النار، قياس المسافة، والقتل ذاته

انه الادرينالين متعة واكتفاء، لا بل أفظع من ذلك حين يقول إنه بعد أن قتل.. فلسطينيًا(16 عامًا) اشعل سيجارته وجلس يستريح ثم تلذذ بل فتنته مشاهدة الجنازة في فضائية "الجزيرة".

وهل للسيجارة نكهة خاصة بعد قتل؟ يُسأل القناص شلومي فيجيب من دون حياء "إنها المتعة بعد ممارسة الجنس، إنه الانتشاء" مضيفًا أنه لا ينظر إلى ضحيته كانسان إنما ك"هدف متحرك".

ويصر قناص آخر يدعى يوتام(23 عامًا) على عدم إبداء الندم على أي من جرائمه "على الرغم من أنني أتساءل أحيانًا من أين جاءت هذه الكراهية التي فينا للعرب.. أحلم بما فعلته أحيانًا لكن أحلامي تنصب كلها في الناحية المهنية لا الأخلاقية". ويلازم شعور استقواء شعب أعزل وبلوغ جنود الاحتلال قمة الغلو والطغيان قناصة آخرين يسردون تفاصيل جرائمهم، فهذا غاي المتدين الذي يسوّغ ما قام بأنه بأمر من الله لأننا شعب الله المختار. ثم يقول انه يتذكر بدقة متناهية وجوه ضحاياه- من دون ذكر عددها: "في رأسي صور جثث الذين قتلتهم، لا مشكلة عندي مع هذه الذاكرة.. بالنسبة لي فان هذه الصور لا تختلف عن الصور المرسومة في ذهني لبحيرة طبريا حين كنت طفلاً",

لكن الرواية تتبدل بعض الشيء حين تلتقي الكاميرا قناصة مرت على جرائمهم سنوات طويلة. أحدهم ويدعى رون(44 عامًا) يستذكر أيام كان ينتفخ صدره تبجحًا حين يناديه رفاقه ب"القاتل- كيلير" وشعور النشوة بالنصر.. "لكن بعد سنوات تدرك أن ما حصل هو جرح لا يندمل ولم يزل أثره". "عندما تنشىء عائلة، يضيف، وتتجه نحو حياة جديدة تفهم قيمة الحياة. تدرك أنك سلبت حياة من كان مفروضًا أن يكون أبًا وربَ عائلة، تفكر في ذلك وتشعر بضيق.. تتكرر الأحلام وتستعيد في المنام ما حصل". ويرفض رون، من أوائل القناصة في الجيش الاسرائيلي، إدعاء زملائه بأنهم "يشعرون مثل الله" بعد كل عملية تصفية: القناص هو نقيض تعريف الله ، "انه لا يعرف للشفقة معنى.. لا يغفر ولا يرحم..".

وهذا غيض من فيض ممارسات جيش الاحتلال الاسرائيلي يبقى طي التعتيم الاعلامي المتعمد الى أن يحظى بالتفاتة من صحافي جريء أو مخرج سينمائي.. أما الافادات الواردة في الفيلم الوثائقي "وحيدة معزولة"، الذي حصد جوائز كثيرة في مهرجانات دولية في ألمانيا وبريطانيا ونيويورك، فستعرض على الاسرائيليين بعد إخضاعها للرقابة العسكرية.

المصطلحات المستخدمة:

يديعوت أحرونوت

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات