المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

«هآرتس»: واشنطن توجهت الى اسرائيل بالسماح لفلسطينيي القدس المحتلة بالمشاركة في الانتخابات الرئاسية الفلسطينية وبسحب جيش الاحتلال من المدن الفلسطينية المحتلة

من أسعد تلحمي:

أبقى رئيس الوزراء الاسرائيلي أريئيل شارون السؤال في شأن مشاركة فلسطينيي القدس الشرقية في الانتخابات الرئاسية الفلسطينية المقررة بعد شهرين، مفتوحاً بانتظار ما سيسمعه في هذا الشأن وزير الخارجية سيلفان شالوم من نظيره الأميركي في لقائهما القريب في واشنطن.

وبذلك نأى شارون بنفسه عن التصريحات التي أدلى بها وزير الخارجية سيلفان شالوم وأعلن فيها معارضته مشاركة سكان القدس العربية المحتلة في الانتخابات الفلسطينية في التاسع من كانون الثاني (يناير) بزعم ان «القدس هي عاصمة دولة اسرائيل وقد يؤثر ذلك على الوضع النهائي للمدينة الذي ستجري مفاوضات في شأنه». وقال شارون في جلسة الحكومة الاسبوعية يوم الأحد ان حديث شالوم «لا يعكس موقفي» وإن الحكومة ستبحث الموضوع في جلسة مقبلة، مذكراً بأن اسرائيل سمحت في الماضي (العام 1996) لسكان القدس الشرقية بالمشاركة في الانتخابات.

وفيما لاقى رفض شالوم التأييد من الوزيرين تساحي هنغبي وليمور ليفنات، اتسم موقف نائب رئيس الحكومة ورئيس بلدية القدس السابق ايهود أولمرت بالتأتأة، فبعد ساعات على قوله انه يجب السماح لسكان الأحياء العربية التي لن تبقى تحت السيطرة الاسرائيلية في اطار التسوية الدائمة بالمشاركة في الانتخابات، أعلن في ختام جلسة الحكومة ان منح فلسطينيي القدس حق المشاركة قد يتم تفسيره على أن «هذا الجزء من القدس لن يبقى لاحقاً تحت السيادة الاسرائيلية بينما نحن لا نعتزم اعادة تقسيم المدينة».

في المقابل، اقترح وزير الداخلية ممثل حزب «شينوي»، ابراهام بوراز، تمكين فلسطينيي القدس من المشاركة في عملية الاقتراع «إذ لا يمكن أن نمنعهم من المشاركة في الانتخابات البرلمانية في اسرائيل وفي السلطة الفلسطينية. من غير المعقول ألا يتمكن اشخاص من التصويت في مكان ما». ودعا رئيس كتلة «شينوي» البرلمانية، ريشف حين، الحكومة الى قبول اقتراح بوراز «الذي يصب في مصلحة اسرائيل».

وكانت صحيفة «هآرتس» أفادت ان واشنطن توجهت الى حليفتها اسرائيل بالسماح لفلسطينيي القدس المحتلة بالمشاركة في الانتخابات الرئاسية الفلسطينية وبسحب جيش الاحتلال من المدن الفلسطينية المحتلة لتسهل عملية الاقتراع. وأشارت الصحيفة الى أن اتفاقات اوسلو تقضي بالسماح للمقدسيين بالمشاركة في انتخابات المؤسسات الفلسطينية، وهذا ما حصل العام 1996. وتابعت ان شارون وعد ببحث الموضوع. ونقلت الصحيفة عن أوساط سياسية رفيعة المستوى ان اسرائيل ستبذل جهداً لضمان حرية تنقل الفلسطينيين وتساعد في تمرير الانتخابات بنظام، عبر تفاهمات مع الفلسطينيين، لكن الصحيفة لم تشر الى موقف اسرائيل من الطلب الاميركي في شأن الانسحاب من مراكز المدن الفلسطينية. من جهتها، كتبت صحيفة «يديعوت احرونوت» في عنوانها الرئيسي ان اسرائيل، كما الولايات المتحدة، تمد يدها لمساندة رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية محمود عباس (أبو مازن) وذلك من خلال تسيير الانتخابات المزمعة ومنح الفلسطينيين حرية الحركة يوم الانتخابات، وقرار قيادة الجيش السماح لعناصر الشرطة الفلسطينية بحمل الأسلحة.

اطلاق البرغوثي موضع جدل ساخن

واستأثرت الأخبار عن احتمال ترشح أمين سر حركة «فتح» الضفة الغربية الأسير مروان البرغوثي للرئاسة باهتمام أركان الحكومة الاسرائيلية. وفاجأ الوزير بوراز زملاءه حين قال انه يؤيد اطلاق البرغوثي في اطار تسوية مرحلية يتم فيها الافراج عن آلاف الأسرى الفلسطينيين وانه سبق لاسرائيل ان اطلقت أسرى «أياديهم ملطخة بالدماء» في أكثر من مرة لأسباب سياسية.

وأثار هذا الاقتراح حنق صقور الحكومة، فدعا وزير الأمن الداخلي سابقاً تساحي هنغبي الى شطب الموضوع من الأجندة الاسرائيلية «لمدة 150 عاماً أو 100 في أحسن الأحوال»، مضيفاً ان مجرد طرحه يشكل صفعة في وجه «جهاز العدل» وتحقيراً لذكرى عشرات الاسرائيليين الأبرياء «ضحايا امبراطورية الارهاب والاجرام التي تزعمها البرغوثي». وزاد شامتا انه بمقدور البرغوثي ان يرشح نفسه متحدثاً بلسان الأسرى في السجن الذي يقبع فيه.

ودعا الوزير يسرائيل كاتس الحكومة الى الاعلان انه لن يتم اطلاق البرغوثي أبداً «لأن اطلاقه سيكون رسالة خطيرة تقول ان الارهاب حقق انجازاً». وقال الوزير داني نافيه ان «الجرائم التي ارتكبها البرغوثي» تحول دون اعتباره شريكاً سياسياً لاسرائيل.

وجاء لافتاً ان شارون لم يتطرق الى هذه المسألة واكتفى بتوجيه انتقاد للوزير بوراز على قوله ان اسرائيل اطلقت في الماضي «سجناء ملطخة أياديهم بالدم». وقال شارون ان اسرائيل لم تفعل ذلك مع «قتلة نفذوا عمليات ضد مواطنين اسرائيل في حدودها».

ونقلت صحيفة «يديعوت احرونوت» عن محافل سياسية قولها ان اطلاق البرغوثي ليس مطروحاً على جدول البحث وأن المسألة لم تعد سياسية انما قضائية وأن اطلاق البرغوثي من صلاحية الرئيس الاسرائيلي موشيه كتساف المخول منح عفو للأسرى «لكنه لا يبدو انه قد يقوم بذلك». وهذا ما أكده كتساف بنفسه حين قال انه لا يرى سبباً لاطلاق البرغوثي «فقط لمجرد ان عرفات مات».

وشكك المعلق عوفر شيلح في نية الحكومة أو قدرتها على الافراج عن البرغوثي.

مسؤول عسكري: أمامنا فرصة نادرة

على الصعيد الأمني، نفى رئيس أركان هيئة الجيش الاسرائيلي، الجنرال موشيه يعالون، ان تكون قوات الاحتلال أذنت لأفراد الشرطة الفلسطينية في جميع أنحاء الضفة الغربية بحمل السلاح، وقال ان التصريح اقتصر على افراد الشرطة في مدينة رام الله وتنتهي مدته مساء الاثنين. لكنه اشاد بـ«التعاون والتنسيق» بين اجهزة الأمن الاسرائيلية والفلسطينية اثناء تشييع الرئيس الفلسطيني واعتبره «الأفضل منذ فترة طويلة».

الى ذلك، افادت الاذاعة العبرية ان قوات الاحتلال ستبقى في حال استنفار في الأيام المقبلة ايضاً لأن الطوق الأمني لن يرفع عن مدينتي نابلس وجنين، لكن التعليمات للجنود ما زالت تقتضي بحصر نشاطهم في مهمات دفاعية وعدم الاحتكاك مع الفلسطينيين للحيلولة دون تصعيد الأوضاع.

ونقلت الإذاعة الرسمية عن مسؤول امني كبير قوله ان التطورات الأخيرة توفر فرصة نادرة للخروج من دائرة العنف والدماء. واضاف ان ثمة املاً ممزوجاً بالقلق بحصول تغيير في المنطقة «على رغم ان العملية ستكون معقدة وطويلة». وزاد ان الاسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء «يتوقون لرؤية زعيم يقود الفلسطينيين الى دولة مستقلة بعد ان ارهقتهم مواجهات السنوات الأخيرة».

وزاد ان القلق الاسرائيلي الأكبر ليس من حركة «فتح» كما أشيع انما من قيادة «حركة المقاومة الاسلامية» (حماس) في الخارج و«حزب الله» التي تبذل جهوداً كبيرة لإبقاء التوتر في الأراضي الفلسطينية المحتلة على حاله وتخشى وقف المواجهات، لأن مصلحة «حزب الله» وايران تقضي بجر المنطقة الى عدم الاستقرار ودفع الفلسطينيين الى التصعيد لا الى الاعتدال، مضيفا ان «حزب الله كان يعتزم تنفيذ عمليات انتحارية - عبر الفلسطينيين - أثناء جنازة

الرئيس الفلسطيني».

"هآرتس": حق التصويت لعرب القدس الشرقية

وكانت صحيفة "هآرتس" قد أنشأت في 15/11 إفتتاحية أيدت فيها حق التصويت للعرب الفلسطينيين في القدس الشرقية (المحتلة). وكتبت فيها:

توحد الجمهور الفلسطيني والقيادة في المناطق الفلسطينية حول النية لإجراء انتخابات لمنصب رئيس السلطة الفلسطينية بعد شهرين. فالدستور الفلسطيني ينص على أنه اذا ما توقف رئيس السلطة عن اداء مهامه، فسيحل مكانه رئيس المجلس التشريعي لفترة انتقالية من ستين يوماً تُجرى بعدها انتخابات.
موضوع الانتخابات لمؤسسات السلطة الفلسطينية مكرس في اتفاق اوسلو، والفلسطينيون يريدون الآن اجراء الانتخابات الرئاسية وفقاً للصيغة التي اعتُمدت في الانتخابات الوحيدة التي جرت في السلطة في كانون الثاني 1996، ومن المفترض ان تمنح هذه الانتخابات مكانة الرئيس الجديد الشرعية انطلاقاً من كونه منتخباً في انتخابات ديموقراطية.

العقبة الكأداء تتمثل في مسألة مشاركة عرب شرقي القدس في الانتخابات. فالأمر يتعلق بأكثر من 200 ألف فلسطيني من أصحاب بطاقات الهوية الاسرائيلية، ممن ليسوا مواطنين اسرائيليين. ومكانتهم الرسمية هي مكانة "مقيم دائم" في اسرائيل. وعليه فان ليس لهم حق التصويت في الانتخابات للكنيست.
وبما أنه ورد في اتفاق أوسلو بأن مصير القدس سيتقرر في المفاوضات في المستقبل، فقد عثر لغرض اجراء الانتخابات في 1996 على حل وسط ذكي لتصويت عرب القدس. فبوسعهم أن ينتخبوا ويُنتخبوا لمؤسسات السلطة ضمن الشروط الآتية: المطلوب من كل من يريد أن يتنافس في الانتخابات ويسكن في القدس أن يقدم برهاناً على ان لديه عنوان سكن آخر في الضفة الغربية. والصناديق التي صوت فيها عرب المدينة وضعت في فروع البريد، بحيث إن التصويت كان عبارة عن ارسال رسالة من القدس إلى المناطق الفلسطينية.
والحل وجد بعد أن أوضح رئيس الحكومة آنذاك، اسحق رابين، بأن من يمنع عرب القدس من التصويت لمؤسسات السلطة الفلسطينية ملزم بأن يمنحهم الحق والصلاحية للتصويت في الانتخابات للكنيست الاسرائيلي. إذ انه لا يمكن منع هؤلاء السكان من كل امكانية للتعبير السياسي. وبتعبير آخر، فاذا لم تكن دولة اسرائيل ترغب في أن تضم اليها جمهوراً آخر من نحو ربع مليون عربي مقدسي، فان عليها ان تسمح لهم بممارسة حقوقهم السياسية في اطار السلطة الفلسطينية.
معارضو اتفاق اوسلو، وعلى رأسهم الناطقون بلسان الليكود، ادعوا في الماضي بأن مشاركة عرب القدس في الانتخابات للسلطة يشكل مساً بالسيادة الاسرائيلية على شرقي المدينة، وقد طرحت هذه الادعاءات ايضاً على لسان بعض قادة الليكود، بمن فيهم وزير الخارجية سيلفان شالوم. فرد رئيس الحكومة وقال بإن هذه التصريحات لم تأتِ بالتشاور معه، وأن الموضوع سيطرح للنقاش امام الحكومة.
إن على حكومة اسرائيل، التي تتوقع من الفلسطينيين بناء مجتمع ونظام ديموقراطيين، السماح لهم بإجراء الانتخابات في موعدها، برقابة دولية كما تقرر في أوسلو. وسيكون الجيش الاسرائيلي مطالباً في حينه بإخلاء المدن الفلسطينية وتفكيك الحواجز في المناطق والسماح لعرب شرقي القدس بالمشاركة في العملية الديموقراطية.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات