المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

بذلت اسرائيل أقصى جهودها لإخماد نار فضيحة التجسس على حليفتها الكبرى الولايات المتحدة والحؤول دون تعرض العلاقات الحميمية بين الطرفين الى أزمة حقيقية, إذ كررت نفيها أن تكون دست جاسوساً في وزارة الدفاع الأميركية أو استخدمت وسائل تجسس أخرى على حليفتها.

ونقلت صحف عبرية عن محافل سياسية في تل أبيب تقديرها بأن "الجبل سيتمخض ليلد فأراً" وليتبين ان وراء النشر غرض المساس بالرئيس جورج بوش وبغرض اعادة انتخابه نظراً للتقارب بينه وبين المحافظين الجدد في البنتاغون. وكشف الصحافي زئيف شيف في "هآرتس" ان مدير وكالة الاستخبارات الأميركية (سي آي اي) السابق جورج تينيت كان غمز من قناة الاستخبارات الاسرائيلية بدسها جاسوساً على الأراضي الأميركية.

كررت اسرائيل نفيها بشكل قاطع ان تكون استخدمت المسؤول في وزارة الدفاع الاميركية (البنتاغون) لاري فرانكلين جاسوساً نقل اليها معلومات سرية عن قرارات أميركية تتعلق بايران. وأصدر مكتب رئيس الحكومة بياناً نفى فيه جملة وتفصيلاً ما تردد في وسائل الاعلام الأميركية عن "فضيحة التجسس", مؤكداً ان "اسرائيل لا تستخدم جواسيس أو وسائل استخباراتية أخرى في الولايات المتحدة", وأن هناك تعاوناً استخبارياً تاماً بين الجانبين "والولايات المتحدة هي صديقتنا الكبرى ولا علاقة لنا بالقضية". ورأى ناطق باسم رئيس الحكومة ان القضية داخلية في الولايات المتحدة, معرباً عن ثقته بأنها ستتلاشى وتفقد أهميتها تدريجاً.

وجاء بيان مكتب رئيس الحكومة في سياق جهود اسرائيلية لإخماد النيران التي أشعلتها القضية الجديدة, وسط مخاوف من أن تطاول ألسنتها أهداب العلاقات غير المسبوقة بحميميتها بين واشنطن وتل أبيب. وروجت أوساط سياسية ان يكون الجناح المعارض للمحافظين الجدد في البنتاغون وراء النشر تعبيراً عن الاحتجاج على نفوذ هؤلاء على سياسة الرئيس بوش.

وقالت مصادر سياسية اسرائيلية ان اسرائيل ليست بحاجة الى عملاء في الأراضي الأميركية اذ انها تتلقى المعلومات والوثائق المصنفة "سرية" مباشرة عبر القنوات الأميركية الرسمية, وأن هناك لقاءات منتظمة بين مسؤولي الاستخبارات في الجانبين "لا تستدعي اللجوء الى طرق غير قانونية". وأضافت ان اسرائيل استخلصت عبر الماضي وما زالت متمسكة بالتزامها عدم التجسس في الولايات المتحدة بعد ادانة اليهودي الاميركي جوناثان بولارد في العام 1985 بالتجسس والحكم عليه بالسجن المؤبد.

ونفى عضو اللجنة البرلمانية الفرعية المشرفة على اجهزة الاستخبارات ان يكون سمع يوماً بالمدعو فرانكلين, وقال لاذاعة الجيش الاسرائيلي ان الاميركيين ينقلون لاسرائيل كل المعلومات المهمة والعلاقات بين الجانبين مفتوحة "وربما حصل سوء تفاهم وقامت لجنة العمل الاميركية ـ الاسرائيلية بنقل وثيقة ما, لكن هذا لا علاقة له بأجهزة استخباراتنا".

وقال السفير الاسرائيلي السابق لدى واشنطن ايتمار رابينوفيتش في حديث اذاعي ان هذه القضية مرتبطة بالانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة في شأن الحرب على العراق, مضيفاً ان "سياسيين معادين للسامية" يعتبرون ان الهدف من الحرب على العراق كان خدمة مصالح اسرائيل. وزاد ان اسرائيل "ما زالت تدفع ثمن قضية بولارد والمعارك الاميركية الداخلية وعلاقاتها الوثيقة التي لا مثيل لها مع الولايات المتحدة".

ونقلت صحيفة "يديعوت احرونوت" عن تقديرات اميركية واسرائيلية انه يجري الآن التحقيق في ما إذا كان الحديث هو عن "مؤامرة" حاكتها قيادة البنتاغون التي أرادت استخدام اسرائيل أداة لتمارس ضغطاً عسكرياً على ايران وان تفاصيل المؤامرة قضت بأن يقوم البنتاغون بتسريب معلومات سرية الى لجنة العلاقات العامة الاميركية ـ الاسرائيلية (ايباك) عن تسلح ايران النووي وعن السياسة الاميركية في هذا الصدد, على أن تصل هذه المعلومات الى اسرائيل لتبادر الى ممارسة ضغوط على الادارة الاميركية لتوجيه ضربة الى المفاعل النووي في ايران.

وكشف الخبير في الشؤون العسكرية في صحيفة "هآرتس" زئيف شيف ان مدير وكالة الاستخبارات الاميركية (سي آي اي) السابق جورج تينيت لمح في أكثر من مناسبة التقى فيها مسؤولي جهاز الاستخبارات الاسرائيلية الخارجية (موساد) الى وجود جاسوس اسرائيلي في الولايات المتحدة, لكن هؤلاء نفوا التهمة وتحدوا تينيت بالكشف عن هوية الجاسوس على الملأ. وأضاف ان المستوى السياسي في اسرائيل أعرب هو أيضاً عن دهشته من ادعاءات تينيت.

ويضيف شيف ان جهاز الاستخبارات الاسرائيلي يعرف جيداً لاري فرانكلين وانه شارك مرات كثيرة في لقاءات مشتركة بين جهازي الاستخبارات الاميركي والاسرائيلي, خصوصاً اللقاءات مع شعبة الاستخبارات العسكرية. ونوّه المعلق الى فتور في العلاقات بين "سي آي اي" و"موساد" خلال السنة الأخيرة وخلافات سياسية بينهما على خلفية الصراع العربي ـ الاسرائيلي, اذ تعتبر أوساط في وكالة الاستخبارات الاميركية اسرائيل عاملاً يشوّش على تحسين العلاقات بين الولايات المتـــحدة والعرب, كما انها تؤثر سلباً على تحسين العلاقات بين واشنطن ودمشق.

الى ذلك, حملت تعليقات الصحف العبرية قلقاً من احتمال ان تنعكس الفضيحة الجديدة سلباً على العلاقات الوطيدة بين الدولة العبرية واسرائيل, بغض النظر عما ستؤول اليه نتائج التحقيق. وكتب المعلق السياسي في "هآرتس" ألوف بن ان القضية تسيء كثيراً الى صورة اسرائيل وستؤثر حتماً على علاقات العمل مع الادارة الاميركية. وأضاف ان القضية الجديدة تؤكد انه وراء العلاقات العميقة بين الجانبين "ثمة ترسبات من سوء ظن وشكوك لم تندمل منذ فضيحة بولارد ما يجدر بصناع القرار في اسرائيل ان يفحصوا أنفسهم جيداً وان يسلكوا الحذر الشديد في اتصالاتهم مع موظفين اميركيين قد يتعرضون لادعاءات حول ميولهم الشديدة لاسرائيل" ( إقرأ ترجمة كاملة لمقال "بن" في مكان آخر). ورأى مراسل الصحيفة في واشنطن ان القضية تثير من جديد الادعاء بأن مصالح اسرائيـــلية, وليست أميركية كانت وراء الحرب على العراق, وان اسرائيل ليست بصــــديقة وحليفة حقـــيقية بقدر ما هي خائنة. كما انها تطرح مجدداً مسألة "الولاء المزدوج" ليهود الولايات المتحدة. وختم قائلاً انه حتى ان اتضـــح ان الحديث هو عن "مسألة ادارية تتعلق بنقل معلومات سرية من دون صلاحية لذلك" فإن الضرر العام قد حصل.

وكتب ايتان هابر في افتتاحية "يديعوت احرونوت" ان التسريب عن نقل معلومات يحمل في طياته رسالة اميركية واضحة تقول ان اسرائيل باتت "مثيرة للأعصاب" ما يحتم عليها الانتباه والحذر الشديدين واصلاح ما أفسدته هذه القضية و"اللبيب ينبغي أن يفهم من الاشارة انه لا يمكن التشاجر مع أقوى دولة في العالم".

(من أسعد تلحمي)

المصطلحات المستخدمة:

هآرتس, رئيس الحكومة, ايباك

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات