المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • ارشيف الاخبار
  • 825

سيضطر المستشار القانوني للحكومة، ميني مزوز، إذا ما قرر عدم تقديم لائحة إتهام ضد رئيس الوزراء، أريئيل شارون، بتلقي الرشوة في قضية "الجزيرة اليونانية" وقضية الأراضي في مستوطنة "غينتون" قرب اللد، إلىالقفز عن عائقين صعبين.  الأول هو لائحة الإتهام التي ألقاها طاقم النيابة العامة في ملعبه.  والثاني لائحة الإتهام التي قدمتها النيابة في شهر كانون الثاني/يناير الماضي ضد (رجل الأعمال) دافيد أبيل،  التي ينسب له فيها تقديم الرشوة "مباشرة" لرئيس الوزراء عن طريق نجله جلعاد شارون.

 

العائق الأول سيجبر مزوز على تقديم شرح مفصل للجمهور للإعتبارات والدواعي التي أوصلته إلى الإستنتاج بأنه لا تتوفر له "أدلة كافية" لتوجيه الإتهام ضد رئيس الوزراء، وأنه لا توجد "فرصة معقولة للإدانة" وهو ما يجب أن يتوفر قبل اتخاذ القرار بتقديم لائحة إتهام.

صحيح أن المستشار يمتلك رأياً مستقلاً في اتخاذ القرار، لكن من الواضح أن مهمته صعبة لا سيما في ضوء توصيات الإدعاء العام للدولة.

في ظل هذا السياق لايستطيع المستشار تجنب تقديم "كشف عام" إلا بمعنى عدم إعطاء "علامات" للسلوك البطيء المستشف من الأدلة التي جمعت. فهو لايستطيع تفادي نشر تحليل قانوني دقيق للأدلة المتوفرة بما تنطوي عليه من معانٍ وأبعاد.  وعلى سبيل المثال فإن من حق الجمهور معرفة ما إذا كان قرار عدم تقديم رئيس الوزراء للمحاكمة ناتج عن عدم توفر "أدلة كافية"، أو لبطلان الإتهام، الذي باستطاعته فقط تأكيد غياب الأساس للشبهات التي جرى التحقيق فيها.

في لائحة الإتهام ضد "أبيل" اتهم شخص - للمرة الأولى في إسرائيل- بتقديم رشوة لرئيس وزراء.  وتتعلق الرشوة المقدمة (حسب لائحة الإتهام) لأريئيل شارون، بقضية الجزيرة اليونانية وقضية صفقة أراضي "غينتون" وغيرها في منطقة اللد، عندما كان شارون وزيراً للخارجية ووزير البنى التحتية المسؤول عن "دائرة أراضي إسرائيل".

إن الإمتناع عن توجيه لائحة إتهام ضد شارون من شأنه أن يثير التساؤل التالي: "أبيل" أعطى (رشوة)، شارون لم يأخذ؟!  مثل هذه الإمكانية غير مستبعدة تماماً من ناحية قانونية.  كل ذلك للإعتبار القائل بأن أحد الطرفين، مقدم الرشوة في هذه الحالة، يمكن أن يكون ظاهرياً ذا ميول جنائية لتقديم رشاوى، فيما يمكن أن يكون الطرف الثاني، متلقي الرشوة، منزهاً، في الظاهر، عن مثل هذا التفكير، الذي يشكل اعتباراً ضرورياً للإدانة.

وفي ضوء ندرة إمكانية "الأحادية الجانب" في جناية الرشاوى، فإنه يتعين على المستشار القانوني للحكومة مواجهة انعكاسات الإتهام ضد "أبيل" على قرار محتمل بعدم إتهام شارون.

وتستشف من لائحة الإتهام ضد "أبيل" صورة أبعد ما تكون عن صورة "المناسبة العائلية" لرجل متآمر يعطي "الهدايا" ورجل مرتش ساذج، منزه عن فكرة "هات وخذ" ...

وقد جاء في لائحة الإتهام إن "أبيل" قدم رشوة لشارون لقاء أعمال مرتبطة بأدائه لمناصبه ومهامه الرسمية، وهو ما تجلى في الأمور التالية:

·        تقديم تعهد لشارون بأن "أبيل" وأصدقاءه سيقدمون العون والمساعدة له في الإنتخابات التمهيدية في "الليكود" وأنهم سيعملون على "تحييد كل من يحاول الوقوف في طريقه".

·        هذا التعهد بتقديم المساعدة والعون أعطي مقابل الحصول على مساعدة من شارون من أجل دفع وخدمة صفقات الأراضي التي سعى إليها "أبيل" في منطقة اللد، ودفع مشروع الجزيرة اليونانية.

·        الإتفاق مع جلعاد شارون على إشراكه في مشروع الجزيرة اليونانية لقاء تقاضيه "لمبالغ طائلة"، على الرغم من معرفة "أبيل" أن نجل رئيس الوزراء لايمتلك كفاءات مهنية ملائمة، وذلك بهدف ضمان عمل شارون من اجل دفع وخدمة أعمال أبيل و"التحيز لصالحه بشكل عام".

وطبقاً لما ورد في لائحة الإتهام، فقد قال أبيل لشارون، إن جلعاد "سيكسب أموالاً طائلة".

إن أي قرار بعدم إتهام شارون سيلزم المستشار القانوني بالتأكيد انه (أي شارون) لم يسمع، أو لم يفهم، أو لم "يستوعب"، أو لم يكن يدرك بأن الأموال التي حصل عليها نجله جلعاد أعطيت بـ "نية مقصودة".  وسيتعين على قرار المستشار بعدم اتهام شارون أن يجتاز ليس فقط إختبار المنطق العام، وإنما أيضاً إختبار المنطق الملموس في ضوء لائحة الإتهام ضد "أبيل".

عموماً فإن باستطاعة المستشار (مزوز) أن يقوم الآن بإحدى الخطوات الثلاث التالية:

-         التراجع عن توجيه الإتهام ضد رجل الأعمال دافيد أبيل.

-         أو أن يحاول إقناع الرأي العام من ناحية قانونية بأن هناك مقدم رشوة دون وجود مرتشٍ.

-         أو أن يوجه الإتهام أيضاً للمرتشي.

غير أن القرار بعدم اتهام شارون سيواجه نقداً قضائياً من خلال إلتماس محتمل للمحكمة العليا يتوقع أن يقدمه "أبيل" نفسه.

صحيح أن المحكمة العليا لا تتدخل عادة في قرارات المستشار القانوني للحكومة بتوجيه أو عدم توجيه إتهامات، غير أن توجيه نقد من جانب المحكمة مؤداه أنه كان بالإمكان إتخاذ قرار مختلف، كما حصل في حالات سابقة، من شأنه أن يسيء لسمعة المستشار القانوني للحكومة ولمكانة المؤسسة التي يقف على رأسها.

أخيراً فإن المستشار يحتاج، من أجل اتهام رئيس الوزراء، لتوفر فرصة معقولة للإدانة والتجريم بالجنحة والتي يجب أن تستند في هذه الحالة إلى أدلة قوية في شكل خاص.  ومن المفترض أن يزداد وزن الأدلة القائمة في هذه القضية، طالما أن هناك مقدم رشوة لم يبق زبونه (المرتشي) بصورة عامة وهمياً أو متخيلاً فحسب.

 

* البروفيسور زئيف سيغل، أستاذ القانون في جامعة تل أبيب ومعلق الشؤون القضائية في صحيفة "هآرتس". وقد ظهر مقاله هذا يوم 31/5/2004 . ترجمة "مدار".

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات