"قررت سلطة السجون قبل أربعة أسابيع القيام بـ "حملة تفتيش" في سجن "نفحة" جنوبي البلاد، وجاء هذا القرار بعدما تسربت معلومات تؤكد وجود "مواد خطيرة" بحوزة السجناء هناك، لم تحدد نوعية المواد ولا حتى مصادرها، واستعدت "سلطة السجون" بكل أجهزتها وبكل ما اوتيت من قوة للتفتيش عن المواد وضبطها، لم يكن سير الحملة سهلاً أبداً، وهذا كان متوقعًا، فبعد تكليف وحدتين من سلطة السجون للقيام بهذه الحملة، كانت النتيجة أن عشرة سجناء أمنيين (تابعين لحماس، كما جاء) إحتجزوا ضابطاً من سلطة السجون، وأشبعوه ضرباً، حسب ما جاء على لسان المسئول في السلطة، وقبل وصول "الوحدة الخاصة" الى الغرفة لإنقاذ الضابط السجان، رمى المعتقلون به خارج الزنزانة.
"ويعقب مسئول الحملة: "لم يتوقع الخاطفون ان الذي بحوزتهم هو ضابط، ولهذا السبب رموه خارجاً، كان هذا من حسن حظنا". وقال الضابط المخطوف بعد الحادث ان ما مر عليه هناك كان من أصعب الأحداث في حياته وهذه الدقائق من أطولها، لكنه كان علىعلم ويقين أن ثمة من ينقذه هذه المرة".
من هم الذين خلصوا الضابط من أيدي السجناء الامنيين، ولماذا كان الضابط مطمئناً أصلا؟ الإجابة جاءت في تحقيق أجرته جريدة "يديعوت أحرونوت"، وظهر اليوم الجمعة، عن وحدة قتالية جديدة تدعى "مسادا"، تعمل داخل السجون الإسرائيلية وتهدف "الى قمع تمرد وممارسات السجناء الامنيين في السجون المختلفة"، كي لا يعود الحدث الذي ذكر آنفًا على نفسه.
وبحسب التحقيق فإن اسرائيل لم تتوصل حتى الآن الى حل لتلك الظاهرة المذكورة أعلاه، ولعل أبرز ما يجري داخل السجون الامنية الاسرائيلية اليوم وعلى مدار سنوات مضت هو أمر مألوف، إذ تقوم مجموعة من السجناء الامنيين بإحتجازسجانين كرهائن، يهددون بقتلهم، ويطلبون إطلاق سراحهم مقابل تسليم الرهائن أحياء، هذه الأحداث عادت على نفسها اكثر من خمس مرات خلال السنوات الماضية، وقد تجلت الظاهرة بأسوأ صورها (بالنسبة للإسرائيليين) في العام97 عندما قامت مجموعة من السجناء بإحتجازعدد من الرهائن في معتقل رقم 6 ، وأحد لم يجرؤ على الهجوم على الزنزانة وتخليص الرهائن من أيدي السجناء، وإعتبرت سلطة السجون تخليص الرهائن عن طريق مداهمة الزنزانة أمرًا غير ممكن أبداً ووقفت سلطة السجون مكتوفة الايدي عنوة لا تجد حلاً لمثل هذه الظاهرة المتكررة، إذ اتبعت طريقة المفاوضات مع السجناء واتكلت على وحدات بوليسية خاصة لتخليص الرهائن.
آلية عمل "مسادا"
كانت تلك الأحداث المذكورة اعلاه، تكتب "يديعوت"، من الاسباب الرئيسية التي أدت الى قيام وحدة "مسادا" والتي تهدف في مجمل عملها الى تخليص الرهائن من ايدي المساجين، والسيطرة على مجريات الاحداث في السجون، وسيقتصر عملها داخل السجون الاسرائيلية التي ستكون مستقبلاً ساحتها القتالية.
يرى "د" (ضابط الوحدة) ان ثمة وضعين أساسيين في قضية الإختطاف، الاول هو إختطاف يأتي عن طريق الصدفة كالذي كان في سجن "نفحة"، والثاني هو إختطاف مدبّر إستراتيجياً ينفذ بعد جمع معلومات وحيثيات وإحداثيات حول موضوع الإختطاف. ويضيف: لدى السجناء وقت كاف للتفكير، وهم يدرسون نواحي القضية كاملة، يعرفون بماذا السجّان مزود، يعرفون مدى إنتباه السجانين وفي اي وقت، يعرفون موعد تبادل الورديات بين السجانين، ومن يوافق لهم على تنظيف الممر مثلاُ ومن لا.
لم يفصح "د"، خلال لقائه في جريدة "يديعوت"، عن آلية عمل وحدة "مسادا"، ولكن خلافاً لما هو متبع فإن لدى هذه الفرقة أدوات منع استعمالها داخل السجون حتى الآن، إذ يملك مقاتلو الوحدة الجديدة أسلحة ثقيلة، قنابل صوتية وبرامج محوسبة تظهر إحداثيات السجن وامكانيات الهروب منه، مواد متفجرة لمداهمة الغرف المحكمة في السجن، يغطون رؤوسهم بخوذات محكمة. وعلى حد قول مسئولهم فإن الوحدة تستطيع السيطرة على سجين ما عن بعد أمتار من دون اصابته، وستعمل الفرقة مستقبلاً بمرافقة كلاب هائجة هدفها تخويف السجين لبضع ثوان تقوم الوحدة خلالها بمداهمة الزنزانة.
إلى هذه اللحظة تم تجنيد 50 مقاتلاً لهذه الوحدة وهم غير متواجدين في كل الاماكن، فلن تستعمل الوحدة مباشرة، بل ستعطى شرعية للنقاش الاولي والحل الاولي من دون إستدعائها. وعادة في حالة الإختطاف مثلاً وكما هو متبع فإن المعتقلين لا يودون قتل الرهائن، إنهم دائما يطمحون الى التحرر من السجن، وهكذا فإنه عند الإعتقال تقوم مجموعة من السجانين بمفاوضة هؤلاء الى حين وصول وحدة "مسادا"، وفي ذلك الوقت تدخل القوة وتخلص الرهائن، حسب ما جاء من أقوال "د" في نفس القضية.
قائد "مسادا" كان أكثر راديكالية مما اعتقدوا في سلطة السجون، وأعطوه كل الامكانيات اللازمة لوحدته، من سلاح، تجهيزات وغير ذلك. وحتى اليوم عملت سلطة السجون ساعات واياما طويلة على تجنيد وحدات قتالية داخل الجيش. في هذه الايام يقوم 20 شخصاً من بينهم أمراة واحدة بالتدريبات الاولية لوحدة مسادا، وتقدم 1400 طلب للإنضمام الى هذه الوحدة سيتم قبول 20 منها.
ويلخص "د" نجاحات وحدة "مسادا" التي ما زالت في أول طريقها بقوله "في سجن نفحة وبعد ربع ساعة من الإخلال بالنظام هدأ كل شيء، عالجنا هؤلاء الذين اقدموا على إختطاف سجان، وهم عرفوا تمام المعرفة أن عليهم الإحجام عن هذه التصرفات، ولكن في حدث مشابه قبل عام من اليوم، في سجن "شيكما" انتهى الحدث بعد يوم من القتال جرح خلاله سبعون شخصاً".
كيف كان الوضع قبل "مسادا"؟
يعترف ضباط سلطة السجون ان السجناء الامنيين سيطروا على الوضع في سنوات ماضية، وتوصلت السلطة معهم في غالبية الاوقات الى اتفاق يكون لصالحهم (السجناء)، فعلى سبيل المثال كانت سلطة السجون تبلغ السجناء الامنيين قبل الدخول الى زنازينهم وتفتيشها، واعطيت لهم حرية التنقل بين أقسام السجن المختلفة. ونتيجة لهذه الوضعية يقول ضابط الوحدة "د": "نحن نود معالجة كل ما يجري من مشاغبات".
وصل فشل سلطة السجون في السيطرة على السجناء الى القمة بعدما هرب البعض من هناك، وحتى بعد هذا الحدث لم يفرض أحد تغييراً على سياسية السجون، فقد كان هدف السلطة دائماً الحيلولة دون وقوع "مشاغبات"، كان هذا هو الوضع الى حين تسلم الضابط يعقوب جانوت زمام الامور والذي قلب الوضع 180 درجة، وقرر إعادة ترتيب الامور داخل الزنازين الامنية عن طريق: تفتيش دائم من دون إعلام السجناء من قبل، سلب أدنى الحقوق للسجناء، السماح بالزيارة فقط من وراء جدران زجاجية، إذ خلقت التطورات الاخيرة التي أدخلها جانوت الى حالة غير مستقرة هناك، وواجهت سلطة السجون أياماً صعبة للغاية.
من أهم المشاكل داخل السجون!
تتعامل سلطة السجون في هذا الخصوص بكامل الجدية مع موضوع السجناء، على حد قول بعض المسؤولين، ويعود هذا الى اسباب أن ليس لهؤلاء (المعتقلين) ما يخسرونه، ولذا فهم على اهبة الإستعداد دائماً لتصفية المعايير المألوفة وخلق ما هو جديد يفاجئ سلطة السجون، ولذا "ومن دافع المسؤولية وخوفاً على السجانين تم إعداد تلك الوحدة".
إضافة الى عمليات إختطاف الرهائن في السجن، يعتبر إدخال الهواتف الخليوية الى الزنزانة، من المشاكل العقيمة التي تعاني منها سلطة السجون، والحديث جار هنا عن وضع صعب نتيجة ذكاء السجناء في تخبئة تلك الهواتف، إذ ترى سلطة السجون في حيازة الهواتف الخليوية خطراً كبيراً جداً لأن الكثير من الاوامر الامنية تخرج من السجن عن طريق الهواتف الخليوية..
هذا ويقبع الآن في السجون الإسرائيلية ما لا يقل عن 4 الاف سجين امني، على ذمة "يديعوت"، إذ تتعامل سلطة السجون مع هؤلاء بكامل الجدية، تعتبرهم قنبلة موقوتة، وقريباً سينضم الى هؤلاء الف آخرون سينقلون من زنازين "الشاباك". وتتعامل سلطة السجون مع هؤلاء أيضا بخطورة تامة جداً فهم أدخلوا نتيجة تهم "خطيرة" هناك. وتقسم السلطة السجناء الى نوعين، الاول هو القدماء منهم والذين سجنوا من وقت الإنتفاضة الاولى، ويودون تمرير وقتهم بهدوء من دون مناوشات، اما النوع الثاني فهم معتقلو الإنتفاضة الثانية، الذين ينوون دائما تعكير الأجواء، حسبما جاء في التحقيق.
ويتصل المعتقلون فيما بينهم عن طريق اوراق صغيرة كتبت فيها معلومات، وفي الاشهرالقليلة الماضية على حسب ما جاء من سلطة السجون حمل عدد من الاوراق معلومات "خطيرة" تم تمريرها الى المساجين هناك، كتبت فيها تفاصيل لعملية تحضير مواد متفجرة، على حدّ ما جاء في "يديعوت أحرونوت".