المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • ارشيف الاخبار
  • 825

تم يوم الأربعاء (21/4) الإفراج عن "جاسوس الذرة" الإسرائيلي مردخاي فعنونو بعد أن أمضى مدة (18) عاما في السجن عقب إدانته بتهمة إفشاء وكشف أسرار وقدرات إسرائيل النووية للعالم.

غير أن فعنونو، الذي أمضى معظم سنوات اعتقاله في حبس إنفرادي بسجن عسقلان جنوب إسرائيل في ظروف عزل تامة عن العالم الخارجي، لن ينعم مع ذلك بحرية تامة بعد الإفراج عنه، إذ ستكون كل تحركاته وأفعاله تحت المراقبة الدائمة لأجهزة الأمن الإسرائيلية.

 

وقالت مصادر إسرائيلية عليمة إن الحكومة قررت تفادياً لأي "مفاجأة غير سارة" من قبل "الجاسوس النووي" مردخاي فعنونو، الذي تحول خلال فترة سجنه لإعتناق الديانة المسيحية، فرض قيود صارمة عليه بعد الإفراج عنه، ومن ضمنها منعه من الإلتقاء بأي رعايا أجانب أو الإقتراب من المطارات والموانيء والسفارات الأجنبية في إسرائيل، إضافة إلى حرمانه من حيازة هاتف نقال أو استخدام شبكة الإنترنت.

وأكد شقيق فعنونو "مئير" لوسائل الإعلام أن هذه القيود، التي لم يسبق أن تعرض لها أي سجين إسرائيلي أمضى مدة عقوبته، مدونة في أمر رسمي يحمل توقيع وزير الداخلية الإسرائيلي، أبراهام بوراز، سلم إلى فعنونو في زنزانته، مشيراً إلى أن شقيقه ينوي الطعن في قرار منعه من حمل هاتف نقال واستخدام الإنترنت.

وكان فعنونو قد أدين عام 1986 بتهمة "التجسس وإفشاء أسرار تمس بأمن الدولة" عقب التصريحات التي أدلى بها لصحيفة "صنداي تايمز" البريطانية، وكشف فيها معلومات هامة عن الترسانة النووية الإسرائيلية، وخاصة عن مفاعل ديمونا الذري في صحراء النقب، الذي كان فعنونو أحد الخبراء العاملين فيه.  وقد قام جهاز "الموساد" الإسرائيلي باختطافه في العام المذكور من روما واقتاده خفية إلى إسرائيل ليحتجز فيها سراً لفترة من الوقت قبل إدانته وإصدار الحكم عليه بالسجن.

وتمهيداً للإفراج عنه أدلى فعنونو أخيراً بمقابلة فريدة من نوعها أجراها معه في زنزانته بسجن "شيكما – عسقلان" عنصران من أجهزة المخابرات والأمن الإسرائيلية، تحدث فيها فعنونو للمرة الأولى منذ اختطافه وسجنه عن مواقفه السياسية وعن برامجه وخططه بعد تحريره الوشيك من السجن، وقد انفردت صحيفة "يديعوت أحرنوت" الصادرة يوم الإثنين (19/4)بنشر هذه "المقابلة"، التي تعتبر أقرب إلى "الإستجواب" أكثر من كونها مقابلة صحافية، وننقل فيما يلي تلخيصاً لأهم ما ورد فيها.


 

لست خائناً ولاجاسوساً

دار في بداية "المقابلة" جدل بين فعنونو ورجلي أجهزة الأمن المكلفين بإجراء "الحوار" معه للوقوف على ما يفكر به وما سيفعله  بعد الإفراج عنه، أصّر خلاله فعنونو على رفضه لفرض أي نوع من "الرقابة" على حديثه مشترطاً نشر كل ما يقوله، وقد انتهت هذه "المحاورة" بالتالي:

م (مجري المقابلة):          حسناً، لكنني قلت لك سلفاً أخبرني بكل ما تفكر به على أن لاينطوي على مشكلة.

ف (فعنونو):              لكنني لا أوافق على رقابة.

م:                           إذا ما الذي ستفعله في آخر يوم (المقصود في السجن قبل الإفراج عنه).

ف:                         سأخرج ومعي كل حاجياتي ومعداتي، وإذا كانت لديكم القدرة على عمل ما تريدونه فافعلوا! إذا كانت لديكم صلاحيات للقيام بما تشاؤون فاستخدموها، وإن لم يكن لديكم فسنذهب كل في حال سبيله.  لكن ليس لكم الحق أو الصلاحية. لن أعطيك شيء، لأنني لن أوافق على الرقابة. لا أوافق بأي حال.

م:                           حسناً، فهمت.  إسمع نحن في المحصلة جئنا لطرح أسئلة والحصول على إجابات... ونحن نتفهم رأيك، فماذا بعد؟

ف:                         ما المقصود بـ "ماذا بعد؟"

م:                           ما دهاك؟ من المفروض أن تكون مسروراً، أليس كذلك؟

ف:                         بالتأكيد أنا مسرور لكوني قد تخطيت فترة السجن ... ولكن ما من تغيير هنا، ليس هناك أي تغيير.

م:                           لماذا؟

ف:                         أقصد حتى موعد اللقاء مع ...... (لم يعد كلام فعنونو هنا –المسجل على شريط كاسيت- واضحاً).

م:                           حسناً لقد أخبرتني بذلك.  في الصحف كتبوا بأنه لن يسمح لك بمغادرة البلاد.  فما الذي ستفعله؟

ف:                         لكل حادث حديث.

م:                           وإن لم يسمحوا لك؟

ف:                         سنرى عندئذٍ ما سيكون. فهدفي هو مغادرة البلاد.

م:                           ما الذي تنوي عمله؟

ف:                         أكرر، لن أخبركم إذا كان لدي شيء أنوي القيام به.

م:                           هل هذا شيء سّري؟

ف:                         بالتأكيد.  ولكن إذا ... مغادرة البلاد (الكلام غير واضح). أنتم تجعلون مني شخصاً مهماً في اللحظة الأخيرة.  أولئك الذين يقولون بأنه يجب فرض قيود على تحركاتي، بدعوى أنني "مهم" ويدعون بأنني ربما أستطيع فتح المفاعل، المفاعل الذري.

م:                           وهل هذا ما تريده، فتح المفاعل ؟

ف:                         أنا لا أريد ذلك، ولكنني أؤيد فتح المفاعل (لعل فعنونو يقصد هنا فتح منشآت إسرائيل الذرية للمراقبة الدولية). لقد سبقت وقمت بذلك، ولم يعد لدي شيء آخر للحديث عنه في هذا المجال.

م:                           ربما كان لديك شيء جديد يمكن كشفه أو نبشه؟ وأن ما كشفته تريد كشفه مجدداً؟

ف:                         لست ملزماً بالرد على أسئلتكم! لو لم أكن سجيناً لما استطعتم توجيه الأسئلة إليّ.

م:                           هذا صحيح.  فلو لم تكن سجيناً لكنت أنعم بهدوء أكبر.

ف:                         عندكم مثلاً كلينبرغ (إسرائيلي اتهم وأدين بالتجسس لصالح مخابرات الإتحاد السوفياتي سابقاً)، فقد وافق على التعاون والعمل مع جهاز المخابرات الإسرائيلي "الشاباك" بعدما إنهار تحت الضرب، كان بإمكانكم التوجه إليه.

م:                           لماذا لم توافق أنت؟

ف:                         لأنكم لم تتمكنوا من التنصت عليّ طوال 18 عاماً ...

م:                           كنت مثل كلينبرغ...

ف:                         أنا لست مثله. كلينبرغ كان جاسوساً، عمل لمدة ثلاثين سنة مع الروس، ثم توصل إلى نتيجة بأنه أخطأ .. أنا لم أكن جاسوساً ولا خائناً ... كل ما أردته هو إطلاع العالم على ما يحدث.

م:                           أوليس ذلك خيانة؟

ف:                         حسب مفاهيمي ووجهة نظري هذا ليس خيانة، بل إطلاع وتبصير العالم بما يحدث خلافاً لسياسة حكومة إسرائيل.

م:                           ولكنك أخليّت بالثقة وبالوعد الذي قطعته ووقعت عليه عند قبولك للعمل (المقصود عمله في مفاعل ديمونا).  أعتقد أنك تغيرت، ونحن كل يوم نتغير.

ف:                         صحيح، ولكن هذه هي احتمالية.  ووظيفة كبار خبراء النفس في الشاباك والموساد هي كشف الإحتمالية، والطاقة الكامنة، حتى لدى من يمكن أن يصبح رئيساً لهيئة الأركان.

م:                           هل يعني ذلك أنك ربما كنت جاسوساً زرعه الموساد؟

ف:                         حسب هذا الكلام ربما يكون الموساد إذن هو الذي كشف أن لدي طاقة، إحتمالية، لإفشاء أسرار، وبالتالي كان الجهاز معنياً بأن أتحدث.

م:                           هذه مؤامرة حول مؤامرة.

ف:                         مؤامرة! هذا ليس ببساطة ما حدث.

م:                           أخبْرنا، ألست نادماً على كل ما فعلته؟

 

]كل العالم يقدر ما فعلته ماعدا إسرائيل[

 

ف:                         هناك من يفضلون الإعراب عن الندم ولكنني... أعتقد أنني قمت بشيء جيد.

م:                           لصالح من؟ لذاتك؟

ف:                         أجل لذاتي أيضاً لأنني تصرفت باستقامة مع نفسي، وكذلك مع العالم، وإلاّ لما كان العالم كلّه يحترمني ويقدّر ما فعلته، باستثناء إسرائيل.

م:                           هل يرى فيك العالم بطلاً؟

ف:                         أجل، كشخصية إيجابية. هذه نظرة خمسة أو ستة مليار إنسان في أرجاء المعمورة ما عدا خمسة ملايين يهودي في إسرائيل، وليس كلهم، وإنما فقط بضعة آلاف من عملاء الشاباك والموساد يعتبرونني خائناً.

م:                           أنت تبدو أكثر انفتاحاً واستعداداً للكلام مما كنت عليه في الماضي... أليس كذلك؟

ف:                         ربما كان لدي ثقة أكبر بالنفس وبما لدي لأقوله.  لم أكن أخاف أو أخشى الحديث،  بل كنت غاضباً.

م:                           ألست غاضباً علينا الآن؟

ف:                         لست غاضباً، وإنما أنا فقط أختلف معكم، لكن ذلك لايعني وجوب محاربتكم ... فحركة "حماس" تتولى ذلك، إنهم غاضبون عليكم لدرجة الإستعداد للإنتحار، ولنقل أنني شيء ما بين "حماس" وبين أولئك الإنتحاريين ...

]يؤيد إلغاء الدولة اليهودية وقيام دولة فلسطين[

م:                           ربما أنك تعني بأنه لاضرورة لوجود دولة إسرائيل؟

 ف:                        لاضرورة لوجود دولة يهودية.  يجب أن تكون دولة فلسطينية.  فالذين يريدون أن يكونوا يهوداً بإمكانهم العيش في أي مكان، بما في ذلك في إسرائيل، ولكن لاضرورة لدولة يهودية.

م:                           وهل تريد أن تعيش عائلتك أيضاً في دولة فلسطين؟

ف:                         بل أود أن تعود عائلتي لتعيش في المغرب. في المغرب أو فلسطين.

 

وبعد حديث دار حول استنكاف فعنونو عن كتابة الرسائل لأفراد عائلته احتجاجاً منه على مراقبة هذه الرسائل من جانب السلطات الأمنية، سأله مجري المقابلة إن كان بعد الإفراج عنه سيخل بالقيود التي تحظر عليه توجيه رسائل أو نشر أي شيء دون إرساله مسبقاً للرقابة العسكرية.

 فرد فعنونو:               هل معنى ذلك أنه يُحظر عليّ كتابة الرسائل؟

م:                           يحظر عليك التحدث عن أمور معينة بأي طريقة كانت، بما في ذلك في الرسائل.

ف:                         ولكنني سأكتب آرائي السياسية.  هل هذا ممنوع أيضاً؟ هل يعتبر ذلك سرّياً، أو آراء يسارية؟

م:                           التعبير عن الآراء مسموح، لكنني لا أتحدث عن آراء وإنما عن معلومات.  فبإستطاعتك إفشاء أشياء أخرى.

ف:                         ولكنني سأكتب أيضاً عن أشياء سبق أن نشرت. فهل هذا غير مسموح؟

م:                           لا أعرف. لست متأكداً من أن القانون يسمح لك بالتحدث عن ذلك... عموماً من هم الناس الذين ستجدهم لتجلس وتتحادث معهم بعد خروجك؟

ف:                         سأجلس مع عامة الناس البسطاء ...

م:                           من قال بأنهم سيرحبون بك في الخارج؟ أنت قلت بأن الجميع عملاء وجواسيس، فربما كان هؤلاء الذين ستجلس معهم جواسيس أيضاً، فكيف لك أن تعرف؟

ف:                         لا أظن أنني سأواجه وضعاً من هذا القبيل، لأن هذا الموضوع ... أولاً فقد أمضيت عشرين عاماً داخل السجن، تغيرت خلالها الكثير من الأمور.  وثانياً، ما مررت به وفعلته شيء معروف لكل العالم.  وقد نشر كل ذلك.

                             فالمعلومات تقادم عليها الزمن، وما رأيته وعرفته يبدو لي الآن، خاصة بعد خطوات التقدم الهائلة في مجال التكنولوجيا، قديماً جداً، ولا أظن أن الأميركيين أو الأوروبيين يحتاجون لمثل هذه المعلومات.  إنهم لا يحتاجون لفعنونو لكي يخبرهم،  فهم متقدمون أكثر من الإسرائيليين.  لقد حصلوا على الأشياء المهمة، ورغم كل ما نشر لم يتغير شيء.  لم يأت لأحد ليطالب إسرائيل ...

م:                           هل هذا ما تريد حصوله؟

ف:                         أريد أن يأتوا ويأخذوا المفاعل الذري لا بل أن يدمروه.  وأكثر من ذلك أريد منهم مثلما دمروا مفاعل العراق أن يأتوا ويدمروا مفاعل إسرائيل.

م:                           ولكنك لم تولد في العراق، فما بالك تدافع عن العراقيين ... الأجدر بك أن تدافع عن المغاربة؟!

ف:                         أنا أدافع عن العالم العربي.

م:                           إذن لماذا لم تعتنق الإسلام؟ لماذا أصبحت مسيحياً وليس ...

ف:                         أعتقد أن المسيحية ديانة تقدمية، وهي التي تتقدم، وكذلك الأوروبيون والديمقراطية، وأمريكا، وليس اليهودية. (.........).

 

فعنونو بالأرقام

1005962                رقمه كسجين.

18 عاماً                   قضاها فعنونو في السجن (6374 يوماً)

40                         عدد الالتماسات التي قدمها للمحكمة في قضيته.

87                         صندوقاً جمعها أثناء مكوثه في السجن.

31870                    ساعة أمضاها في باحة السجن (النزهة، الفورة، اليومية).

15                         مرة حكم فيها أمام محكمة انضباطية.

189                       زائراً زاروه طوال فترة سجنه.

 

 

المصطلحات المستخدمة:

الموساد, ديمونا

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات