المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • ارشيف الاخبار
  • 840

تواترت الاستطلاعات الاسرائيلية خلال الأسبوع الفائت، وكان من أبرزها الاستطلاع السنوي للعام 2003 الصادر عن مركز (يافي) للدراسات الاستراتيجية في جامعة تل أبيب و"مؤشر السلام"، الذي ينجزه شهرياً مركز "تامي شطاينيتس" لأبحاث السلام في الجامعة نفسها، تحت اشراف البروفيسور افرايم ياعر ود.

 

تمار هيرمان. نتائج هذه الاستطلاعات لا تبشّر بأفق مغاير في اسرائيل 2004. وإذا كان للأرقام الجافة وحدها أن تعطي صورة صافية وصريحة، الى ناحية تشخيص الوضع القائم والاحالة الى احتمالاته القادمة، فلندعها تتكلم: أظهر استطلاع مركز "يافي"، الذي شمل مقابلات شخصية مع 1088 شخصاً يشكلون عيّنة تمثل السكان اليهود في اسرائيل، ان 56 بالمائة من السكان اليهود يؤيدون ما يسمى (خطة الانفصال) لرئيس الوزراء الاسرائيلي أرئيل شارون، وذلك باعتبارها (رافعة لتحسين مستوى الأمن وضمان طابع اسرائيل كدولة يهودية)، حسبما شدد المشاركون في الاستطلاع. وأعلنت غالبية هؤلاء رفضها لوثيقة جنيف، بكونها أساساً لاتفاق مع الفلسطينيين، وفقط 42 بالمائة أعربوا عن تأييدهم المطلق لهذه الوثيقة. وأعرب 80 بالمائة عن موافقتهم على اقامة جدار الفصل العنصري. وقال 83 بالمائة من المشاركين انه لا ينبغي اشراك المواطنين العرب في اسرائيل في استفتاء عام حول (قضايا مصيرية) مثل (اعادة المناطق الفلسطينية واقرار حدود الدولة).

أما "مؤشر السلام"، الذي جرى التوصل إليه بناءً على مقابلات هاتفية شملت 580 شخصاً يمثلون جميع فئات السكان في اسرائيل، فقد أظهر أن 84 بالمائة من السكان اليهود في اسرائيل يؤيدون اقامة "الجدار الفاصل" في حين يعارضه فقط 13 بالمائة من هؤلاء السكان. وقال 3 بالمائة بينهم انهم لا يعرفون الاجابة عن هذا السؤال. وأبان المؤشر عن أن تأييد اقامة (الجدار) في أوساط مصوتي أحزاب (الليكود) و(العمل) و(شينوي) يكاد يكون مطلقاً (90 بالمائة)، مقابل هذا فإن 61,5 بالمائة فقط من السكان اليهود يعتقدون أن في مقدرة "الجدار" منع العمليات الاستشهادية الفلسطينية بصورة مطلقة، فيما يعتقد 70 بالمائة ان في مقدرته التقليل، بصورة كبيرة، من هذه العمليات. ويؤيد ثلثا السكان اليهود ان يتم اقرار مسار (الجدار) طبقاً لاعتبارات الحكومة الأمنية، في حين يؤيد حوالي 20 بالمائة فقط أن يحاذي مسار (الجدار) الخط الأخضر. وقال 46 بالمائة من السكان اليهود ان اسرائيل ينبغي ألا تعير اهتماماً للمعاناة المترتبة على مسار (الجدار) بالنسبة للفلسطينيين، في حين قال 13 بالمائة فقط، انه ينبغي أخذ هذه المعاناة في الاعتبار. وأكد 35 بالمائة أن الحكومة الاسرائيلية تصرفت على نحو سليم عندما قاطعت محكمة العدل الدولية في لاهاي، في حين قال 24 بالمائة انه كان على هذه الحكومة أن تذهب الى المحكمة المذكورة. وفيما يخص (خطة الانفصال)أعلن 62 بالمائة من السكان اليهود تأييدهم لها مقابل 28 بالمائة أعلنوا أنهم يعارضونها.

وأعلن 60 بالمائة تأييدهم لاخلاء كل المستوطنات في غزة مقابل 23 بالمائة يعارضون ذلك، وبالنسبة لمستوطنات الضفة قال 46 بالمائة انهم يؤيدون اخلاء (مستوطنات صغيرة ونائية) ويعارض ذلك 72 بالمائة، في حين أعلن 60 بالمائة معارضتهم لاخلاء كل مستوطنات الضفة وأعلن فقط 30 بالمائة تأييدهم لاخلاء كهذا. وأعلن 70 بالمائة تأييدهم لاستمرار عمليات الاغتيال ضد (ناشطين فلسطينيين) حتى لو بثمن المسّ بحياة مدنيين أبرياء، مقابل 21 بالمائة فقط طالبوا بايقاف هذه الاغتيالات. وتبين أن 53 بالمائة من مصوتي حزب (ميرتس) يؤيدون الاغتيالات، في حين يؤيدها أكثر من نصف مصوتي حزب (العمل) (53 بالمائة). وبطبيعة الحال فإن هذه النتائج تلقي بظلالها على موقف الرأي العام اليهودي في اسرائيل من الهوية السياسية لرئيس الحكومة المقبل. ومن نافلة القول إن هذا الرأي العام قد سلّم بأن أريئيل شارون ذاهب لا محالة، دون أن تتوضح الاجابة الصريحة عن السؤال فيما إذا كانت الانتخابات الاسرائيلية المقبلة ستجري في موعدها القانوني، المختلف بشأنه هو أيضاً والذي ما زال ينتظر قراراً حاسماً من المحكمة العليا، أو تكون على شاكلة جميع الانتخابات الأخيرة التي تم تبكيرها.

مع ذلك تؤكد الاستطلاعات ان خليفة شارون سيظل من المعسكر الحزبي نفسه، (الليكود) اليميني. وفي نتائج الاستطلاع الأخير، الذي نشرته صحيفة (معاريف)، يوم الجمعة، وأبانت عن كون مرشح هذا المعسكر، في حالة انه بنيامين نتنياهو، يتفوق على أي مرشح منافس له من معسكر (اليسار) الصهيوني أو حتى من حزب الوسط (شينوي) ممثلاً في شخص رئيسه يوسف لبيد، ما يبرز أزمة هذا (اليسار) لا على مستوى تآكل قيادته فحسب، وإنما أيضاً على مستوى عدم طرحه لأية بدائل سياسية تستهوي الشارع الاسرائيلي.

لعل الجديد، الذي يمكن الاشارة اليه في التقطير العام للنتائج السالفة، مؤداه رسوخ التغيير البنيوي الذي يجتاح المجتمع اليهودي في اسرائيل، والذي يتراءى للناظر اليه أحياناً باعتباره مجرد انزياح نحو اليمين قابل للارتداد. وقد سبق لأكثر من باحث ومحلل رؤية أن الجوهر الحقيقي لهذا التغيير يكمن في استعادة المبدأ الصهيوني الأصولي المنطوي على ايمان (أعمى؟) بـ "الضرورة الملحة لدولة تعمل على دفع مصالح الشعب اليهودي الى الأمام". وتنسحب هذه الاستعادة حتى على بعض الذين حاولوا الحفر في مترتبات نشوء هذه الدولة على "الشعب الآخر". وهو ما يسوّغ تأييد "خطة الانفصال" الشارونية، من طرف واحد، عن بعض المناطق الفلسطينية في نطاق اعتبارها "رافعة أخرى" لضمان "طابع اسرائيل كدولة يهودية"، كما أشير في الاستطلاع السنوي لمركز "يافي" الذي ينضفر في "مشروع الأمن القومي والرأي العام". وكما تعبر عن ذلك نسبة الداعين الى صرف الانظار عن معاناة الفلسطينيين من جراء اقامة "الجدار".

وبدهي أن يكون هذا "المزاج" في أوساط اليهود الاسرائيليين ذا دلالات داخلية، بشكل خاص في المواقف المعبّر عنها من قبل هؤلاء حيال المواطنين العرب في الداخل. هنا تجدر الاشارة الى ارتفاع نسبة القائلين بوجوب عدم اشراك هؤلاء المواطنين في استفتاء عام حول "قضايا مصيرية" مثل "اعادة المناطق الفلسطينية واقرار حدود الدولة" إلى 83 بالمائة، مقابل 80 بالمائة في استطلاع 2002 و 57 بالمائة في استطلاع 2001 و 64 بالمائة في استطلاع 2000 للمركز نفسه (يافي). لقد خلص المشرف على استطلاع مركز "يافي"، البروفيسور آشر أريان، في تعليقه على استطلاع 2002، إلى القول إنه "مقابل العنف والارهاب" يؤيد الاسرائيليون اليهود مواقف أكثر يمينية من التي اتخذوها في الماضي. وهذا يؤكد أن الزمن الراهن هو زمن صراع، لا زمن مفاوضات ومحادثات. وإن نظرة متأملة لنتائج الاستطلاع الجديد، وسائر استطلاعات الرأي الاسرائيلية الأخيرة، تعتبر تزكية لهذه الخلاصة من وجهة النظر الاسرائيلية المحضة.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات