اسرائيل لا تعتزم كسر قواعد اللعبة المرتبطة بـ "الهدنة" التي اعلنتها فصائل المقاومة الوطنية والاسلامية الفلسطينية من جانب واحد في 29 حزيران الماضي.
هذا ما أكدته مصادر سياسية اسرائيلية، بعد وقوع عمليتي رأس العين وارئيل التفجيريتين. وذكرت تقارير نشرت في تل ابيب ان اسرائيل لا تنوي القيام بعملية عسكرية ردا على العمليتين اللتين نفذهما مهاجمان فلسطينيان "انتحاريان" (الثلاثاء 12/8)، لكنها تعتزم تشديد الضغط السياسي على السلطة الفلسطينية.
وقالت صحيفة "هآرتس" (الاربعاء 13/8) ان الحكومة الاسرائيلية بصدد تشديد مطالبتها للسلطة الفلسطينية بتفكيك ما وصف بـ "البنية التحتية للإرهاب" في الضفة الغربية وقطاع عزة. واضافت، نقلا عن مصدر سياسي اسرائيلي، ان الاجهزة الامنية الاسرائيلية ستزيد من اجرءاتها الضاغطة على السكان الفلسطينيين، بوضع المزيد من حواجز التفتيش وتشديد التدابير المتعلقة بدخول العمال من الاراضي الفلسطينية الى اماكن العمل في اسرائيل.
واشارت الصحيفة الى ان رئيس الوزراء ارئيل شارون قرر تأجيل الافراج عن عشرات من السجناء (الجنائيين) الفلسطينيين الذين كان من المفروض ان يفرج عنهم الاربعاء 13/8.
واضافت ان شارون طلب من الموفد الاميركي وليام بيرنز، خلال لقائه به (الثلاثاء) مضاعفة الضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة على الحكومة الفلسطينية. وبحسب "هآرتس" فان الادارة الاميركية تميل في الايام الاخيرة الى قبول الموقف الاسرائيلي.
وكان شارون قد صرح بعد العملية بأن رئيس الوزراء الفلسطيني "ابومازن" "لا يتخذ اي اجراء ضد الارهاب على الرغم من تعهده امام الرئيس الاميركي بتفكيك البنى التحتية للارهاب". واضاف شارون ان "اسرائيل ستواصل محاربة الارهاب حيث لا تفعل السلطة الفلسطينية ذلك". واستطرد: "لن نقبل بالارهاب كجزء لا يتجزأ من حياتنا. اذا لم يقم الفلسطينيون بتنفيذ المهام الملقاه على عاتقهم وبمكافحة الارهاب بكل الاشكال فلا يمكن لاسرائيل ان تمضي قدما في العملية السلمية".
"الجميع يريد استمرار الهدنة الهشة"
هذا على الصعيد الرسمي. أما الوسط الشعبي فرد هذه المرة بطريقته، وبدا "متمسكاً" بالهدوء، بعد أن ثبتت نجاعته في الاسابيع الاخيرة على الصعيد الاقتصادي. وتحت عنوان "الجميع يريد استمرار الهدنة الهشة" كتب الوف بن، المعلق السياسي في صحيفة "هآرتس" أن المسؤولين في مكتب رئيس الحكومة الاسرائيلي تابعوا (الثلاثاء) تقارير أسواق المال، ولاحظوا كيف قفز سعر الدولار في اعقاب العمليتين في رأس العين وارئيل، وكيف عاد الهبوط بعد البيانات الرسمية الاسرائيلية المطمئنة، بأن اسرائيل لا تنوي التسبب بانهيار الهدنة. كذلك لاحظوا (اي في مكتب شارون) ان سوق الاوراق المالية ختم يوم الهجمات بارتفاع في الاسعار. ومن هنا كانت العبرة واضحة وهي ان الجمهور والاقتصاد الاسرائيليين يريدان استمرار الهدوء.
وأشار "بن" الى ان التقدير الذي ساد بعد العملية في القدس الغربية يؤكد أن جميع الاطراف، (اسرائيل والسلطة الفلسطينية وحركة حماس) لا تزال معنية بالحفاظ على وقف اطلاق النار الهش، ولذلك فإن " الهدنة" ستستمر رغم العمليتين.
واستطرد "بن"، ان عدد الاصابات القليل نسبياً في العمليتين، خفف على المستوى السياسي في قراره الامتناع عن القيام برد عنيف، إذ فضّل شارون استخدام وسيلة الضغط السياسي على الاميركيين كي يضغطوا بدورهم على السلطة الفلسطينية لحملها على تفكيك التنظيمات المسلحة، تماما مثلما تصرف (اي شارون) مطلع هذا الاسبوع حيال انفجار التوتر على الحدود الشمالية مع لبنان.
واردف المعلق قائلا ان موقف شارون، الذي تحلى بهدوء اعصاب، حظي بدعم سياسي واسع، في الحلبة السياسية الاسرائيلية، لا سيما وان وزراء الحكومة يدركون رغبة الجمهور الاسرائيلي، ولذلك فقد تفادوا اطلاق تصريحات نارية تخرب اجواء الهدوء وعطلة الصيف.
وختم "بن" تعليقه بالقول: ان المشكلة الخطيرة تتمثل في انحسار الثقة الهشة التي بدأت تتكون بين شارون و "ابومازن".. فالتصريحات المعتدلة التي ادليا بها اثناء قمة العقبة، اخلت مكانها لصراع دبلوماسي ودعائي يحاول فيه كل طرف من الطرفين القاء مسؤولية الجمود في "خريطة الطريق" على الطرف الاخر.. وفي ظل مثل هذه الظروف سيكون من الصعب المضي قدماً في العملية حتى اذا استتبت الهدنة وواصلت مؤشرات بورصة تل ابيب ارتفاعها.
زئيف شيف: تكيف مع هدنة مزيفة!
وتحت عنوان" تكيُّف مع هدنة زائفة" كتب المعلق العسكري في صحيفة "هآرتس" زئيف شيف: "منذ الاعلان عن الهدنة في 29 حزيران الماضي، حولها الفلسطينيون الى وقف اطلاق نار مزعوم، او الى هدنة مزيفة. فالتنظيمات الفلسطينية المسلحة، بما في ذلك المنتمية لحركة "فتح"، تواصل هجماتها ضد الاسرائيليين، حيث قتل ستة اسرائيليين خلال الشهر ونصف الشهر الاخيرين، كما سبقت العمليتين الانتحاريتين عملية انتحارية وقعت في السابع من ايلول الماضي في "كفار يعبتس".
ويشير شيف الى ان رئيس الوزراء الفلسطيني (ابومازن) يشجب هذه العمليات لكنه في نفس الوقت يحمّل اسرائيل المسؤولية، كذلك فان المنظمات الفلسطينية توجه اصبع الاتهام الى اسرائيل ازاء عمليتها الاسبوع الماضي ضد "مطلوبين" في نابلس.
ويستطرد "شيف" قائلا: في وقف اطلاق نار من هذا النوع، ليس مفاجئًا ان يعلن الفلسطينيون بأنهم لا يرون في العمليتين نهاية للهدنة، وانما تطورا طبيعيا، او رد فعل على عملية الجيش الاسرائيلي في نابلس، كما اوضحت السلطة الفلسطينية.. في المقابل فإن الاسرائيليين - كما يقول شيف - يبدون في في حالة ارتباك، اذ ان رئيس الاركان، الجنرال موشيه يعلون الذي استعرض مطولا امام لجنة الخارجية والامن التابعة للكنيست في جلستها بعد العمليتين، الاوضاع الامنية، لم يعتبر العمليات الانتحارية الاخيرة بمثابة تجاوز لـ "خط احمر" من جانب الفلسطينيين.
كذلك فإن اسرائيل التي تواصل توجهها السابق القائل بأن "ابو مازن" ومحمد دحلان "لا يفعلان شيئا ضد البنى التحتية الارهابية"، تلمح من جهة اخرى بأن لها مصلحة كبيرة في استمرار وقف اطلاق النار، وربما اكثر من الفلسطينيين، وبالتالي فإنها تتكيف – حسبما يضيف شيف - مع شبه وقف لإطلاق النار، تستمر في ظله الهجمات "على نار متوسطة". من الواضح ان اسرائيل تجد صعوبة في شرح موقفها في هذا الخصوص وذلك جراء حالة الحرج والارتباك التي وقعت فيها الحكومة الاسرائيلية ازاء كل ما يتصل بجدار الفصل الذي "سرق" المستوطنون مساره الى شرق الخط الاخضر، ليتوغل في عمق اراضي الضفة الغربية، وحولوه ايضا الى جدار سياسي.
هذا فيما نجح الفلسطينيون من جهتهم في ابقاء قضية جدار الفصل على رأس قائمة القضايا التي تتصدر اهتمام وسائل الاعلام العالمية.
ويخلص "شيف" في تعليقه الى القول: "ان اسرائيل لا تريد كما يبدو ان تسجل على نفسها بأنها الطرف الذي يخرق الهدنة."