المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

رفض رئيس الحكومة الاسرائيلية، ارئيل شارون، مطلع الاسبوع الاخير، قبول استقالة مستشاره لشؤون الأمن القومي، افرايم هليفي، الذي سيواصل تسنم منصبه خلال السنتين القادمتين. وترى المصاد الاسرائيلية ان الاستقالة "تدل على احباط هليفي، رئيس "الموساد" سابقاً، الذي استثني من حلقة المقربين الضيقة من ارئيل شارون، ولم يعد شريكاً في القضايا السياسية المركزية. واكثر من هذا، فان رغبة هليفي في الاستقالة بعد ثمانية اشهر فقط من توليه المنصب، تدل على وهن الجسم الذي يتولى رئاسته" - مجلس الامن القومي (ألوف بن، هآرتس - 30/5). وكان سلفاه ايضا، دافيد عبري وعوزي ديان، استقالا من رئاسة المجلس بعد فترتين قصيرتين نسبيا، بعد ان وجدا صعوبة بالغة في التأثير على رؤساء الحكومة السابقين.

وقد أقيم مجلس الأمن القومي في العام 1999، في أواخر ايام حكومة نتنياهو، بغية "ملء فراغ في عملية اتخاذ القرارات". وطوال سنوات، كان عدد من الخبراء، والباحثين والموظفين الكبار، يوصون باقامة هيئة في مكتب رئيس الحكومة تناط بها مهمة تركيز التقييمات والتقديرات ومقترحات العمل من جميع اجهزة الاستخبارات، والأمن، والأجهزة المدنية، لوضع خطط عمل مدمجة امام الحكومة.

ومنذ ايامه الاولى، اثار مجلس الامن القومي معارضة طبيعية من جانب الاجهزة القائمة وذات التأثير البالغ والقوة الهائلة، وخاصة في الأجهزة الامنية التي لم تسارع الى التنازل عن القوة والصلاحيات. وكان الحل في اناطة مهمات التخطيط للمدى البعيد بالمجلس، أي المهمات التي لا تتعارض، ولا تتصادم، مع ادارة القضايا الجارية. "وهنا كان مكمن ضعف المجلس – يكتب الوف بن - فرئيس الحكومة مشغول، اساساً، بـ "اطفاء الحرائق" - العمليات العسكرية، والخطة السياسية، والمحادثات مع الامريكان - وليس لديه الوقت الكافي لمعالجة قضايا بعيدة الامد، ما يجعل المشتغلين بالقضايا الجارية أقرب الى القيادة السياسية ويمنحه ساعات طويلة بصحبتها". بُعد مجلس الامن القومي عن مركز الأحداث ( مقره في طابق ارضي في بناية تابعة للصناعات العسكرية في بلدة رمات هشارون) زاد من صعوبة وصوله الى آذان صناع القرار.

ويقول مصدر امني اسرائيلي رفيع ان ضعف مجلس الامن القومي نجم عن رغبة رؤسائه في احتلال مواقع الاجهزة القائمة والقوية: " فهذا اراد استبدال وزير الامن، وذاك اراد استبدال وزير الخارجية، وثالث اراد استبدال اجهزة المخابرات".

ويقضي توجه آخر بأنه من الضروري ان ينخرط مجلس الامن القومي ويندمج في مكتب رئيس الحكومة، كما هو الحال بالنسبة الى مجلس الامن القومي الامريكي برئاسة كوندوليسا رايس، الذي يعمل بصفته الطاقم السياسي - الامني لدى الرئيس جورج بوش. هذا الدور يقوم به في اسرائيل كل من مدير مكتب رئيس الحكومة، دوف فايسغلاس، والسكرتير العسكري يوآف غالانت، وهما الأقرب الى طاولة شارون، وهما اللذان يعالجان القضايا الجارية. وسيتيح حل مجلس الامن القومي بصيغته الحالية ونقله الى مكتب رئيس الحكومة تشكيل طاقم سياسي - امني لدى القيادة السياسية يتمتع بقوة كبيرة جدا من شأنها موازنة تأثير الجيش، والجهاز الامني والمخابرات.

ولدى تسلم هليفي مهام منصبه، طلب تخصيص غرفة له في مكتب شارون، لكنه فشل في الحصول على ذلك: الغرفة التي خصصت له كانت في الطابق الثالث من البناية، سوية مع الوزراء بلا حقائب ومفوضية خدمات الدولة، بعيدا جدا عن "المربى المائي" النفيس الذي تتواجد فيه مكاتب شارون، وفايسغلاس وغالانت.

وكان شارون يتوقع من هليفي ان يكون مبعوثه الشخصي في المهمات السياسية الحساسة. لكن المستشار، الذي اكتسب تجربة دبلوماسية في "الموساد" وفي وزارة الخارجية، كان يطمح في التأثير، ايضا، في بلورة السياسة الحكومية في أهم القضايا المركزية: العلاقات مع الولايات المتحدة والعملية السياسية مع الفلسطينيين. لكن، بما ان هذين المجالين يخضعان لسيطرة فايسغلاس التامة، فقد اوكلت الى هليفي مهمة ثانوية هي التنسيق مع الولايات المتحدة بشأن التحضيرات للحرب على العراق.

حيال ذلك، نشأ خلاف بين هليفي وفايسغلاس. فكما كان عوزي ديان قد فعل، كذلك اوصى هليفي بأن تبادر اسرائيل الى وضع برنامج سياسي خاص بها، لكي تتفادى نشوء وضع تكون فيه "خارطة الطريق"، حين يتم نشرها، الهيكل الاساسي لتسوية دولية مفروضة على اسرائيل. غير ان شارون رفض الاصغاء الى تلك النصائح، مفضلا التوجه الذي عرضه فايسغلاس، الذي تولى مهمة التفاوض مع الامريكيين حول التحفظات والتعديلات على الخارطة. وحذر هليفي من مغبة حصول مواجهة مع الولايات المتحدة، على خلفية مبادرتها لاحياء العملية السياسية بعد الحرب على العراق. وقد حاول التخفيف من حدة المواجهة العلنية بين شارون ورئيس الحكومة البريطانية توني بلير. لكن فايسغلاس صدّه في الحالتين. وقبل الانتخابات، قام هليفي بزيارة الى مصر، عاد منها حاملا دعوة هي الاولى من الرئيس مبارك لشارون. لكن الدعوة لم تُلبّ حتى الآن.

وحاول هليفي ممارسة التأثير من خلال الطاقم الاستراتيجي الذي اقامه وزير الدفاع، شاؤول موفاز. قبل بضعة اسابيع، وتم تسريب برنامج سياسي اقترحه خلال مداولات الطاقم، فسارع مكتبا شارون وموفاز الى نفي أي علاقة لهما بالتسريب. وإبان زيارة وزير الخارجية الامريكي، كولن باول، الى اسرائيل، فضّل هليفي السفر لالقاء محاضرة في مؤتمر عقد في خارج البلاد. ولدى عودته، القى محاضرة في القدس حذر فيها من التأثير الزائد للمخابرات على العملية السياسية.

وقبل نحو شهرين "انهار" هليفي، الذي يحرص غالبا على الابتعاد عن الاضواء، فأدلى بتصريحات صحفية حذر فيها من خطر وقوع مواجهة مع الولايات المتحدة، كما وجه تهديدا مبطنا بالاستقالة من منصبه. ولدى مغادرتهما المطعم الذي التقيا فيه في القدس الغربية، التقى هليفي والصحفي مع فايسغلاس، الذي كان يلتقي في الساعة نفسها وفي المطعم نفسه، صحفيا آخر من الصحيفة المنافسة. وجسد اللقاء العفوي بين الرجلين ، للحاضرين، نوعية العلاقات بين مستشارَي شارون.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات