لم تعقب اسرائيل رسمياً على خطاب رئيس الوزراء الفلسطيني ابو مازن امام المجلس التشريعي (الثلاثاء 29/4)، الذي عرض فيه الخطوط السياسية والامنية العريضة للحكومة الفلسطينية برئاسته. وتناقلت وسائل الاعلام الاسرائيلية عن اوساط سياسية قولها ان المحافل السياسية الرسمية تعتقد "انه سيمتحن في افعاله لا اقواله". لكن هذه الاوساط استشعرت في الخطاب "اموراً مشجعة بهذا القدر او ذاك، لكن ليس علينا ان نوزع عليه العلامات" (هآرتس 30/4).وخلافا للتصريحات الاسرائيلية الرسمية على لسان شارون وغيره، التي ترددت في الاسبوعين الماضيين، لم يحدد الى الان موعد اللقاء المرتقب بين "ابو مازن" وشارون، ونقلت "هآرتس" عن مصادر في مكتب شارون قولها انه "ما زال من السابق لأوانه دعوة رئيس الوزراء الفلسطيني".
ولم تسارع الأوساط الإسرائيلية الى التعقيب على دعوة "أبو مازن" ابناء الشعب الفلسطيني إلى نبذ العنف. غير أن وزير الخارجية الإسرائيلي، سيلفان شالوم وصفها بأنها "بداية جيدة". واعتبر شالوم تصريحات "أبو مازن" التي تطرق فيها إلى الحل الدائم "تثير علامات سؤال كبيرة حول استعداد الفلسطينيين للتوصل إلى حل من هذا النوع".
وتقول المحافل السياسية الإسرائيلية "إن السنتين الأخيرتين شهدتا تصريحات لا محدودة، وقد جاء الآن وقت العمل".
واستمع الوسط السياسي في اسرائيل، الذي قرر في بداية الاسبوع الحالي إرجاء "بوادر حسن النية" تجاه الفلسطينيين على الرغم من تعيين ابي مازن (محمود عباس) رئيسًا للحكومة الفلسطينية، الى وجهة نظر شعبة الاستخبارات في الجيش الاسرائيلي، بأن "لا نية لدى السلطة الفلسطينية الجديدة للعمل من اجل اجتثاث البنية التحتية للارهاب من جذورها".
وقال قادة الجيش الاسرائيلي في تقريرهم الى الوسط السياسي الرسمي (الثلاثاء 29/4): "وفقًا لكل ما هو معلوم لنا الآن، فان ابو مازن ينوي التحادث مع رؤساء حماس والجهاد الاسلامي، وليس مواجهتهم والتصادم معهم" ("هآرتس" 30/4).
وقال رئيس قيادة الأركان العسكرية الإسرائيلية، موشيه يعلون، في نقاش للجنة الخارجية والأمن البرلمانية (الثلاثاء 29/4)، إنه يأمل في أن تكون الخطوات التي سيلجأ اليها "أبو مازن"، ضد العمليات المسلحة ناجعة، وإذا ما حدث ذلك فعلاً، فـ"سيكون بالإمكان إعادة نشر قواتنا في المناطق الفلسطينية".
وقال يعلون لأعضاء اللجنة، إنه يعتقد أن صراعًا يدور الآن في السلطة الفلسطينية بين توجهَين: "الأول يقوده الرئيس ياسر عرفات، ويدعو إلى مواصلة العمليات، في حين يدعي أصحاب التوجه الثاني، الذي يقوده أبو مازن، أن سياسة العمليات قد فشلت، وأنه يجب إيقافها حيث هي والعودة إلى المفاوضات".
وبحسب أقوال يعلون "نجح الرئيس ياسر عرفات، في اقتطاع أجزاء من صلاحيات أبو مازن، ولا سيما في مسألة التعيينات المختلفة في الحكومة". وقال يعلون: "لقد حصل أبو مازن على ثلث الأجهزة الأمنية القائمة فقط، الشرطة والمخابرات والأمن الوقائي. أما بقية الأجهزة، وهي الأمن القومي والاستخبارات العسكرية والقوة 17، فقد بقيت تحت سيطرة عرفات. وعليه، فإن الإصلاحات التي طالب الأميركيون بإجرائها في أجهزة الأمن لم يتم تنفيذها بشكل كامل".
وأضاف يعلون أن التنافس الداخلي لم يحسَم بعد، وقال: "إن أمامنا مستقبلاً غير واضح، بماذا ستأتي حكومة أبو مازن عمليًا؟ الأخطار المتوقعة نتيجة فشل أبو مازن كبيرة. نتيجة الصراع الداخلي، من المحتمل أن تعود الشرعية إلى عرفات. المنظمات المتطرفة: حماس، الجهاد وكتائب شهداء الأقصى تنشط سياسيًا، وليست على استعداد للخضوع لأبو مازن. المحفزات لتنفيذ العمليات لدى المنظمات لا تزال على درجة عالية، والمنظمات تتلقى الدعم من مصادر خارجية، وبالأساس من مصادر معادية في سوريا، بهدف إفشال العملية التي يقودها أبو مازن من أجل وقف العمليات".
وأشار رئيس الأركان الإسرائيلي إلى "خطر آخر"، هو أن "أبو مازن سيتوصل إلى تفاهم لوقف العمليات بشكل مؤقت (هدنة)، ولن يحارب العمليات وقواعدها. لذا، فإن تفاهمات وقف العمليات هي أمر جيد لبداية العملية، وليس على المدى البعيد".
وفيما يتعلق بإمكانية انسحاب محدود للجيش الإسرائيلي من الاراضي الفلسطينية، قال يعلون: "آمل أن تكون القيادة الجديدة ناجعة، وأن يتم تنفيذ سياستها على الأرض. سوف نقوم بملاءمة عملياتنا للوضع. وإذا ما تطلب الأمر، فسنقوم بإعادة نشر القوات فورًا. هناك خطط جاهزة لنشر القوات بشكل مختلف".
وقال قائد الأركان الاسرائيلي إنه على قناعة بأن "مكافحة أبو مازن للعمليات ليست مسألة قدرة، وإنما تتعلق بالرغبة والقرار. ليس هناك احتمال لأن يؤدي وقف العمليات إلى حرب أهلية في السلطة الفلسطينية. إن الخطر الأساسي هو، مرة ثانية، عرفات، الذي سيحاول عرقلة العملية. إنه سيفعل ذلك بأساليب سياسية، وعن طريق تمويل العمليات من "الخزنة الصغيرة". أمس فقط، قمنا باعتقال مسؤول عن إرسال أشخاص لتنفيذ عمليات، حصل على تمويل لهذه العمليات من إيران ومن عرفات. إذا لم يتم الحد من القدرة السلبية لعرفات، فإنه سيواصل المساس بمكانة أبو مازن. يجب تجريد عرفات من أملاكه، وفقـًا للإصلاحات التي طالب بها الأميركيون".
وفي ما يخص الإنذارات بوقوع عمليات، قال ضباط من الجيش خلال النقاش في لجنة الخارجية والامن إن "هناك نقصًا في المواد المتفجرة القياسية منذ وقت طويل في الضفة الغربية، والفلسطينيون يقومون بإنتاج مواد متفجرة بيتية. كذلك الأمر في قطاع غزة، فقد بدأ الجيش الإسرائيلي يلاحظ صعوبة، وهناك أيضًا انتقلوا إلى إنتاج مواد متفجرة غير قياسية".
وقال زعيم المعارضة البرلمانية، رئيس "العمل" عضو الكنيست عمرام متسناع، بعد خروجه من جلسة اللجنة: "إنني قلق، لأنني احسست بنبرة التشاؤم في بيان رئيس هيئة الأركان العامة، وتوقعات منخفضة من أن تقوم حكومة أبو مازن بإحداث تغيير".
وقال عضو الكنيست بنيامين بن اليعيزر إن الحكومة الفلسطينية الجديدة توفر فرصة تاريخية للتوصل إلى تسوية، منوهاً الى أن "ايمان أبو مازن بأن الإرهاب ليس وسيلة لتحقيق الأهداف، يحتم على دولة إسرائيل مساعدته بقدر الإمكان".
وهاجم عضو الكنيست يوسي سريد، لدى خروجه من الجلسة، عملية الاغتيال التي قامت بها إسرائيل في قطاع غزة، قائلاً إن "اليوم الذي من المقرر أن يتم انتخاب أبو مازن فيه بالذات ليس مثاليًا للقيام فيه بعملية اغتيال مركز".
أما الأمين العام لحزب "العمل"، عضو الكنيست أوفير بينِس، فقال: "إن الخطاب السياسي الأول لأبو مازن ينسجم وتوقعات دعاة السلام داخل كلا الشعبين والعالم بأسره، ومن الممكن اعتباره دعوة إلى فتح صفحة جديدة في العلاقات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية".
وأضاف بينِس أنه يتوجب على رئيس الحكومة، أريئيل شارون، مصافحة اليد التي مُدّت له، ودعوة أبو مازن إلى لقاء تأريخي يمكنه، على حد قوله، استعادة فرصة الحوار.
وقال الدكتور يوسي بيلين: "إن خطاب أبو مازن هو أهم خطاب أدلى به زعيم فلسطيني منذ بداية مسيرة أوسلو". وبحسب بيلين، فإن الالتزام القاطع بالسلام مع إسرائيل، وبسلطة أمنية واحدة، وبمكافحة الفساد، وبخطة "خارطة الطريق" يشكل فرصة للعودة إلى الطريق السياسي، ولوضح حدّ لسفك الدماء.
وقال عضو الكنيست أوري أريئيل (يمين استيطاني)، إن "من ينكر حدوث الكارثة لا يمكنه أن يكون شريكـًا"، في اشارة الى الادعاءات الاسرائيلية بأن "ابو مازن" قلل من شأن الضحايا اليهود ابان النازية، الى حد اتهامه بانكار "المحرقة". ووفقـًا لما يقول، فسوف يقوم الفلسطينيون باستغلال بوادر حسن النية من جانب إسرائيل للتسلح وإعادة تنظيم أنفسهم "بهدف الفتك بنا"، على حد تعبيره. وعن الاستيطان، قال أريئيل: "لن تقتلع ولو مستوطنة واحدة في إسرائيل. لقد جئنا إلى هنا بهدف الاستيطان والتمسّـك بأرض أجدادنا".
كذلك، ذكر نائب وزيرة التربية، تسفي هندل، (يمين استيطاني) أن "إعلان أبو مازن حول دولة فلسطينية عاصمتها القدس يجب أن يؤدي إلى صحوة رئيس الحكومة من النشوة الخطرة التي تسيطر عليه. فما تعنيه الدولة الفلسطينية هو دولة إرهاب، وثمة حاجة إلى تفكيك السلطة الفلسطينية الإرهابية على جناح السرعة، وإعادة القتلة إلى تونس".
"وجهته ليست نحو التغيير الشامل"
في الأسابيع الأخيرة كتب الكثير عن اختلاف التوجهات السائدة لدى الجيش الاسرائيلي عن تقديرات جهاز "الأمن العام" ("الشاباك") في كل ما يتعلق بالتوقعات حيال السلطة الفلسطينية. وبينما عبر فيه قادة الجيش، قبل تشريع حكومة ابو مازن، عن تفاؤل نسبي وتحدثوا بايجابية كبيرة عن "الفرصة النادرة" التي نشأت الآن (مع تعيين رئيس الحكومة الجديد والانتصار العسكري الأمريكي في العراق) لتغيير الأوضاع في المنطقة، قدم "الشاباك" توقعات اكثر تشاؤماً. "يبدو ان الفوارق بين توقعات الجسمين قد اختفت الآن، كليا تقريبا"، يكتب الوف بن في "هآرتس". "شعبة الاستخبارات العسكرية تتفق - الآن، على الأقل - مع تقديرات "الشاباك" بأن وجهة "ابو مازن" ليست نحو إحداث تحول اساسي وكامل.
"صحيح ان ابو مازن عارض الانتفاضة العنيفة منذ يومها الأول"، تقول الاوساط العسكرية الاسرائيلية، "لكنه بالكاد يشكل الثلث من مجمل النظام السياسي الجديد في السلطة. القطبان الآخران، الرئيس ياسر عرفات والتنظيمات <الارهابية>، يواصلان تأييدهما لاستخدام العنف". وبحسب هذه المصادر، "تسلم ابو مازن منصبه في ظروف ممتازة لإحداث تحول جوهري حقيقي، ازاء التطورات في العراق والفشل الفلسطيني المتواصل في تحقيق اية اهداف بواسطة العنف، لكن يبدو انه لا يعتزم استغلال هذه الظروف تماما".
في كل الاحوال، فان ما يسعى اليه "ابو مازن" بعيد جداً عما تبحث عنه اسرائيل. وتشير توقعات شعبة الاستخبارات العسكرية (وفي قيادة المنطقة العسكرية الوسطى يرون الأمور بالمنظار نفسه، ايضًا) الى أن عمليات "حماس" و "الجهاد" وبعض أجزاء من "التنظيم" سوف تتواصل. "اقصى ما يمكن ان يتم"، يقول ضابط اسرائيلي كبير ساخراً، "هو ان تتوصل السلطة الى اتفاق معهم بعدم تنفيذ عمليات بين الثانية والرابعة ظهرا".
وطبقاً لما تقوله شعبة الاستخبارات العسكرية، ولا يزال الرئيس ياسر عرفات يؤمن بأنه سيبقى الموجه الحقيقي للامور، سواء من وراء الكواليس أو من على حلبة الاحداث. وتعترف المخابرات الاسرائيلية العسكرية، ايضاً، بأن توقعاتها حول "اختفائه"، في الصيف الماضي، سبقت أوانها بكثير. "الرجل حي، موجود ويتحرك".
بالنسبة الى المنظمات "الراديكالية" الاسلامية، تشكل الأشهر القريبة مغامرة على "الصندوق" كله. فبعد الهزيمة في العراق، وفي ظروف الغياب الكلي تمامًا (حتى الآن) لأية مقاومة عنيفة للسلطة الأمريكية الجديدة في العراق، تعود الحلبة المركزية الى اسرائيل والاراضي الفلسطينية. وبحسب الجهات الاسرائيلية، ترى العناصر التي توجه وتمول هذه المنظمات الفلسطينية من الخارج – "سوريا، حزب الله ، وايران بشكل خاص" - اهمية بالغة في "الانتفاض المسلح" ضد اسرائيل مجددًا، الآن بالذات، وخاصة حيال تخوفات طهران من أن تنحني دمشق امام الضغوط الأمريكية فتفرض قيودًا على حركة ونشاط قيادات هذه التنظيمات على اراضيها.
وفي ذلك يكتب عاموس هرئيل في "هآرتس" (30/4): "ليست الارادة الفلسطينية لمقاومة الارهاب هي وحدها موضع الشك، وانما القدرة الفلسطينية ايضًا. (محمد) دحلان لا يتمتع، حتى الآن، بأية بوادر قوة وقدرة على فرض سلطته في الضفة الغربية، حتى ان عدداً من رؤساء الأجهزة الأمنية يتساءلون، بصوت عال، لماذا عليهم ان يجتهدوا من أجله. عندما سينظر الوزير الجديد من حوله فلن يراهم - كما يبدو - يحاربون الى جانبه".
وفي كل ما يتعلق بدوافع المنظمات الراديكالية، يجزمون في شعبة الاستخبارات العسكرية بأن ليس ثمة أي تغيير: "قادة هذه المنظمات يتسلقون الجدران من فرط احباطهم جراء فشلهم في ادخال انتحاريين، لكن هذا لا يعني انهم سيتوقفون عن المحاولات. ففي كل لحظة يعمل مئات الناشطين على التحضير لعمليات جديدة".