المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

نضال حمد - اوسلوفي عددها الصادر يوم السبت الموافق 26-04-2003 نشرت يومية "داغيبلاديت" ثاني أكبر الصحف اليومية النرويجية مقالا لمراسلتها في بغداد لينا فرانسون بعنوان عريض " نظرية التعري – التشليح - الأمريكية"، روت فيه المراسلة النرويجية المعروفة بجرأة نادرة بعض جوانب المأساة العراقية بعد الاجتياح الامريكي البريطاني لأرض الرافدين.

سبق ان نشرت لينا فرانسون تحقيقات ومقالات شجاعة عن الوضع في فلسطين وخاصة عن الانتفاضة الفلسطينية وما تقوم به إسرائيل من معاملة غير إنسانية للفلسطينيين منذ اجتياح "السور الواقي".

في تقريرها الجديد قالت لينا أنها فوجئت ومن معها بمشاهدة أربعة عراقيين عراة يسيرون وخلفهم أربعة جنود أمريكيين مدججين بالسلاح، وذلك بينما كانت متجهة مع زميلها المصور في ساعات الصباح الباكرة لأعداد تقرير عن أوضاع الحيوانات أثناء الحرب، وتحديداً في حديقة حيوان العاصمة العراقية بغداد المعروفة بأسم حديقة الزورا. "اعتقدنا أنهم كانوا متوجهين إلى دورة المياه – كتبت لينا - لكنهم ما لبثوا بعد دقيقة أن غادروا المبنى وبعد دقيقة دفع بهم الجنود الأمريكيون إلى الشارع الرئيسي". وتروي الصحافية المذكورة في تقريرها كيف أن الجنود الأمريكيين قاموا بتجريد العراقيين الأربعة من ملابسهم وإحراقها ومن ثم رميهم إلى الشارع خارج الحديقة المذكورة، عراة مثلما خلقهم ربهم وبلا ملابس داخلية أو خارجية. كل هذا حصل لأن الجنود الأمريكيين اشتبهوا في كون الأربعة لصوصًا، ولم يكتف الجنود بذلك بل قاموا أيضا بكتابة عبارة "علي بابا حرامي" بالعربية، وترمز تلك الكلمات إلى قصة علي بابا والأربعين حرامي الشهيرة على صدور العراقيين، ويظهر ذلك واضحا في واحدة من الصور المنشورة مع المقالة المذكورة، وفقا لما جاء في مقالة لينا فرانسون.

وتابعت فرانسون أن العراقيين الأربعة العراة عندما رمي بهم خارج الحديقة ركضوا باتجاه سيارة كان ينتظرهم بداخلها أحد الأشخاص، حيث لاذوا بالفرار للتواري عن الأنظار، والجنود الأمريكان من خلفهم يصرخون علي بابا علي بابا حرام – أي حرامي -. استطاعت المراسلة النرويجية التحدث مع أحد العراقيين العراة واسمه زياد جمعة وعمره 20 عاما، بعد أن كان استطاع العثور على سروال في أحد المنازل المهجورة بحيث ارتداه ليستر عورته وليستطيع التحدث مع الصحافية النرويجية التي سألته عن سر تعريته ورفاقه فأجابها:

كنت وأصدقائي نبحث في الحديقة عن شقيقي الأصغر عندما جاءنا الجنود الأمريكان وطلبوا منا خلع ملابسنا!!.. وأضاف زياد أنه شعر بالغضب من الإذلال الذي ألحقه به وبرفاقه الجنود الأمريكان، الى الحد الذي جعله يريد العثور على قنبلة وإلقائها عليهم وعلى كافة الأمريكان الموجودين في المدينة.

بعد ذلك انتقلت فرانسون للجنود الأمريكيين وسألت الضابط المسئول عنهم وهو برتبة ملازم أول ويدعى أريك كنيدي فقال أن رجاله عروا العراقيين من ملابسهم نتيجة محاولتهم سرقة أسلحة مخزنة في الحديقة بانتظار تسليمها للسلطات العراقية الجديدة عندما تقوم في المستقبل. وقال الضابط ايضا أن سكان الحي من العراقيين هم الذين أعطوه هذه الفكرة، أي فكرة تجريد العراقيين من ملابسهم. وتابع أن العراقيين أعطوهم الفكرة وأنه ورجاله قاموا بتطبيقها فورا على العراقيين الأربعة، حيث جردوهم من ملابسهم وأحرقوها ثم دفعوهم خارج الحديقة إلى الشارع العام بعدما كتبوا على صدورهم حرامي. وأكد الضابط الأمريكي البالغ من العمر 25 عاما أنه تم إحراق ملابسهم بالبنزين وأضاف أن "الفكرة نجحت". وأضافت فرانسون أن كينيدي أضاف ضاحكا أن الأمر ليس بالسيئ ، وعندما سألته الصحافية عما إذا كانوا يملكون حق حرق ملابس ورميهم عراة في الشارع، أجاب بأنه يعتقد بأن واجبه ورفاقه من الجنود منع الناس واللصوص من الدخول إلى الحديقة لسرقة السلاح. ونحن لا نفعل هذا إلا بمن يسرقون أسلحة. وأضاف كندي أنه مجرد بعض الخجل العلني، لا إيذاء جسدي وكل شيء يكون على ما يرام غدا.. نأمل أن يشعروا بالإحراج بحيث لا يعودون للسرقة، وتابع الضابط الشاب أن جنوده الذين كتبوا عبارات علي بابا حرم على أجساد العراقيين الذين تمت تعريتهم قد فعلوا ذلك مرة في السابق بشخص عراقي واحد.

وتظهر الصور التي نشرت مع المقالة بعض العراقيين العراة وكذلك الكتابة التي كتبها الجنود الأمريكان على صدور ضحاياهم. وقد لفت انتباهنا في ردود الضابط الأمريكي الملازم كندي رغبته في تشريع العقاب المذكور وتأكيده للمراسلة الصحافية النرويجية أنه ورجاله سيواصلون نفس سياسة العقاب هذه.

"الحرية" التي جلبها الأمريكان للعراقيين ليست مجانية بل لها سعر مرتفع وأثمان، تبدأ من تعرية الناس وأعادتهم لزمن المشاعية البدائية والتستر بأوراق الشجر كما كان الإنسان في قديم الأزمنة الماضية والغابرة ولا تنتهي بتعيين الموظفين والحكام الأمريكان في قيادة البلد وإدارة شركات البترول العراقية كما هو الحال مع حاكم العراق الأمريكي غارنر. (بالمناسبة فأن غارنر المذكور هو بالأساس خبير متفجرات وليس دبلوماسيا كما يقول "مايكل شيلينبرغر" أحد مؤسسي موقع على شبكة الانترنت معادٍ لغارنر الذي يصلح لأن يكون زعيم عصابة مسلحة على غرار عصابات الكاوبوي أو المافيا الأمريكية).

ومعروف أن اختيار غارنر لهذه المهمة، أي مهمة حاكم العراق بعد صدام حسين، تمت بصفقة سرية بينه وبين بوش. وقد نشر الموقع المذكور بعضا من تصريحات قديمة للجنرال غارنر وبضمنها: "لو كان بوش رئيسا لأمريكا زمن حرب فييتنام لما انهزمنا" وكذلك "أبداء غارنر إعجابه بالطريقة التي تقمع بها الانتفاضة الفلسطينية من الناحية البوليسية والقمعية".

أما الشخصية الأخرى التي قام الأمريكان بتعيينها فسوف تكون لشخص أمريكي سيستلم مهمة مدير المؤسسة الوطنية العراقية للبترول وهو فيليب كارول الرئيس السابق للفرع الأمريكي لشركة النفط الهولندية شل.

وقبل أن نغلق هذا الملف علينا أن نتذكر أن الأمريكان هم الذين شرعوا الأبواب في العراق للصوص وتركوهم ينهبون ويسرقون ويحرقون ويسلبون ويدمرون كل شيء في العراق باستثناء السلاح والنفط، السلاح كي لا يستعمل ضدهم والنفط لأنهم جاءوا من أجل السيطرة عليه ووضع يدهم على تلك الثروة الاحتياطية الهائلة من نفط العراق.

http://home.chello.no/~hnidalm

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات