في التطورات السياسية والحزبية الأخيرة في إسرائيل (هزيمة أريئيل شارون المزدوجة في مؤتمر "الليكود"، والصراع المتفاقم في حزب "العمل" على مسألتي زعامة الحزب والانضمام إلى الحكومة، المتصلتين ببعضهما البعض) ما يوحي بأن الأزمة الأشد والأدهى باتت قاب قوسين أو أدنى من الإنفجار. مع ذلك فإن ما يصدر عن "شارون" من إشارات لا يشي بأنه في عجلة من أمره، بل على العكس فهو لا ينفك يؤكد أنه ماض قدمًا في "جهود توسيع إئتلاف حكومته الهشّ"، وربما الأهم من ذلك، وفقًا للمقاييس الاسرائيلية، تأكيده أنه سائر في وجهة تطبيق خطة "فك الارتباط"، التي يظهر أن الواقع السياسي في إسرائيل لن يجد لنفسه فكاكًا منها الآن، وربما حتى إشعار آخر.
سجلت وسائل الاعلام الاسرائيلية، في نهاية الأسبوع الماضي، قمة جديدة في الانحطاط، عندما نشرت، طباعةً وبثًا، صورًا للأسير مروان برغوثي وهو يتناول طعام الغداء في زنزانته العزلية، وذلك بهدف "فضحه" أمام مستهلكي الاعلام الاسرائيلي- ولكن وبالأساس أمام زملائه الأسرى، ضمن حرب نفسية محمومة تشنها مصلحة السجون ضد أبطالنا الأسرى.
المنقل لقمع الإضراب
نشرت الصحف الاسرائيلية أن ادارة السجون في اسرائيل اكتشفت وسيلة جديدة لكسر اضراب السجناء الفلسطينيين عن الطعام والذي بدأ في مطلع هذا الأسبوع، أما الوسيلة الجديدة فهي أن تنشر في سجونها رائحة شواء اللحم لاثارة شهيتهم للطعام، أي أن هذه الادارة ستوقد المناقل وتشوي عليها اللحوم، بالطبع المكتنزة شحما، وذلك في ساحات السجون لتعبق رائحة الشواء وعندها تنهار عزيمة المناضلين واصرارهم على الصمود فلا يترك أمامهم هذا العبق الا الاستجداء أمام ادارة السجن للحصول على "شيش" فتعلن الادارة عن فك الاضراب. هكذا يتصور سجانو وزير الأمن الداخلي، تساحي هنجبي، الذي قد يعارض هذه الخطوة لأنه لا يريد للسجناء الفلسطينيين ان يوقفوا الاضراب وهو القائل: "بامكانهم أن يضربوا يوما وأسبوعا وشهرا الى أن يموتوا".
لا يمكن النظر الى مشروع شارون للانسحاب من قطاع غزة ومن طرف واحد دون العودة الى «فلسفة الفصل العنصري» ومشروع جدار الفصل الذي بات قريباً من الانتهاء على طول مساره المتعرج في الضفة الغربية ومناطق القدس الكبرى. فالانسحاب الاسرائيلي المتوقع في مارس 2005 من طرف واحد من قطاع غزة وفق أجندة شارون، يأتي متكاملاً مع الانتهاء الكلي من اقامة جدار الفصل، وهروباً من الكتلة السكانية الفلسطينية الكبرى المتجمعة على أرض قطاع غزة. حيث يتواجد أكثر من مليون ونصف مليون مواطن فلسطيني على مساحة لاتزيد عن 360 كيلومتراً مربعاً، وجلهم من اللاجئين «كان يحلم رابين أن يصحو ذات يوم وقد أبتلعهم البحر وأبتلع معهم كامل قطاع غزة». وعليه فقد شكلت مسألة بناء الجدار الفاصل موضوع نقاش مستديم منذ فترة ليست بالقصيرة داخل الدولة العبرية قبل انطلاقة انتفاضة الأقصى والاستقلال الفلسطينية بسنوات، واتخذ هذا النقاش حالة من الاحتدام بين مختلف الكتل السياسية الإسرائيلية.
الصفحة 43 من 81